سياسة، مجتمع

لغة التدريس.. الفاسي: هناك إعادة للنموذج الاستعماري بأدوات جديدة

قال القيادي الاستقلالي والوزير السابق عبد الواحد الفاسي، إن هناك محاولة لإعادة إنتاج النموذج الاستعماري الفرنسي من داخل البيت المغربي بأدوات جديدة وبتقنيات “البروباغاندا” من خلال لغة التدريس، مشيرا إلى أن هذه العملية تتم بـ”أيدي من ينتسبون إلى بلادنا وممن صُرفت على تكوينهم أموال الوطن واُسندت لهم مهمة تدبير الشؤون العامة”.

جاء ذلك في ندوة تحت عنوان “الإنسية والهوية المغربية في فكر علال الفاسي.. المداخل الكبرى”، نظمتها الرابطة المغربية للشباب والطلبة ضمن برنامج “هجنة” لترسيخ قيم المواطنة الحاضنة للتنوع وتعزيز الحقوق الثقافية، وذلك مساء أمس السبت بنادي الموظفين بمدينة العرائش.

واعتبر الفاسي أن ما يقع من جدل بخصوص لغة التدريس يكشف وجود إرادة لطمس الهوية والإنسية المغربية من طرف الحكام وأصحاب النفوذ، باستعمال الكذب والبهتان لمحاولة إقناع المغاربة بصحة ما يدعون، مقابل السكوت عن توقيف التعريب في الباكالوريا والتشبث بالفرنسية بدعوى “تحسين الحصيلة العلمية”، رغم أن لغة العلم في الأساس هي بالإنجليزية وليس الفرنسية.

وأشار المتحدث إلى أنه بعد الدعوات إلى التدريس بالعامية المغربية، “جاء الدور على فرض لغة المستعمر في التعليم، مما خلق مواقف صدامية بين من يريدون أن تبقى لغة الاستعمار حية في تربة وطننا، وبين من يسعون إلى إثبات الهوية والإنسية المغربية وحمايتها ضد عوامل التفسخ والتشتت عبر الدفاع عن اللغة العربية مسندوة باللغة الأمازيغية”.

“محاربة فوقية”

وأضاف أن ما يقع يكشف وجود ما سماها بـ”محاربة فوقية” للإنسية المغربية جعلت بعض الأحزاب الوطنية ترتبك في مواقفها تجاه مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، معتبرا أن محاولة فرض الفرنسية في التعليم “لا يمكن تفسيره إلا بما وقع أيام الاستعمار ببث ما سمي بالتنوع اللغوي بهدف إضعاف المغرب وتكريس تبعيته لفرنسا”.

القيادي الاستقلالي لفت في مداخلته الانتباه إلى أن 98 في المائة من المغاربة لا يتقنون الفرنسية، مقابل 2 بالمائة فقط ممن يريدون فرض هذه اللغة في المجتمع والتعليم نظرا لأنهم درسوا في مدارس خاصة وبعثات أجنبية فرنسية، مردفا “مفتشو التعليم يؤكدون لنا أن نتائج اللغة الفرنسية للتلاميذ على مستوى التعليم ضعيفة جدا”، وفق تعبيره.

وتساءل الفاسي في نفس الصدد قائلا، “كيف يمكننا أن نثق في من يدعي تجويد التعليم، وينطلق في فرض تدريس المواد العلمية بالفرنسية حتى قبل المصادقة على مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي؟ الجواب هو أن التلوث الاستعماري لازال يخيم في عقول الكثيرين، وما يقع اليوم يفرض علينا واجب اليقظة والدفاع عن هويتنا وإنسيتنا الضامنة لاستقرارنا واستمرارنا”.

ونبه إلى أن أخطر ما في نقاش لغة التدريس ومشروع القانون الإطار هو فقدان الثقة، مستغربا اعتماد التناوب اللغوي في المغرب كبيئة موحدة بين مكوناتها الثقافية والإثنية، قائلا “التناوب اللغوي جُرِّب في بعض الدول ككندا بمنطقة كيبيك في إطار الوحدة الوطنية، لكن هذا نموذج بعيد عنا، لأنهم يتوفرون على مناطق تتحدث بلغات مختلفة، عكسنا نحن في المغرب”.

العربية والإنجليزية

ويرى الوزير السابق أنه لا يوجد أي مشكل في تعليم المواد العلمية بالعربية، مؤكدا أن التعليم الجيد ينبغي أن يكون باللغة العربية بالنظر إلى أن جميع دراسات اليونيسيف واليونيسكو تخلص إلى نتيجة مفادها أن التعليم الناجع لا يكون إلا باللغة الأم، متابعا بالقول “كنت أشدد في نفس السياق على ألا يتم توظيف أي شخص بالإدارة العمومية دون إتقانه العربية مهما كانت لغة تكوينه”.

المتحدث شدد في مداخلته على أن المشكل ليس في اللغة العربية بالنسبة للمواد العلمية، بل في كثير من الأساتذة وفي الإرادة السياسية للبلد، ولا يوجد مشكل بين العربية والأمازيغية، بل مع اللغة الفرنسية، مضيفا “تعجبني كثيرا الفرنسية والإنجليزية لكنهما ليستا ضمن لغة بلدي، المشكل الذي في المغرب هو وضع أناس غير لائقين في مكان لائق”.

وبخصوص موقف حزب الاستقلال من مشروع القانون الإطار، أوضح الفاسي أن الحزب يعتبر أن العربية هي الأساس مع ضرورة الانفتاح على اللغات الأجنبية، مشيرا إلى أنه لم يستوعب بعد قضية التناوب اللغوي التي حاولت الفرق البرلمانية التوافق عليها في مشروع القانون الإطار، قائلا “لا مشكل في تدريس بعض مجزوءات مادة علمية بلغة أجنبية، لكن الأساس أن يكون للعربية وليس تدريسها بالفرنسية بنسبة %99 مقابل %1 للعربية، ثم نسيمه بالتناوب اللغوي، أنا ضد هذا الأمر”.

عبد الواحد الفاسي توقع أن يصل المغرب إلى تدريس المواد العلمية مستقبلا بالإنجليزية، معتبرا أنه لا يمكن حاليا حذف الفرنسية بشكل كلي وتعويضها بالإنجليزية دفعة واحدة، بل سيتم الأمر بالتدرج مع الوقت شئنا أم أبينا لأنها لغة العلم ويجب الاهتمام بها، لكن هذا لا يعني التخلي عن اللغة الوطنية، حسب قوله.

الإنسية عند علال الفاسي

المحاضر أبرز في الندوة ذاتها، العناصر المؤسسة للإنسية المغربية في فكر علال الفاسي، والتي جسدها أساسا في تاريخ الحضارات التي مرت بالمغرب والتي لا يمكن رفضها لأنها تُكوِّن التاريخ المغربي، والعنصر الديني الذي كساها الرداء الروحي والأخلاقي من خلال الإسلام واللغة العربية، مشيرا إلى أن الفاسي ناضل ضد التعليم الذي يسلب من المغاربة روحهم وهويتهم ولو تخرج منه كبار الفلاسفة والعلماء.

واعتبر أنه من الصعب الحديث عن الهوية والإنسية المغربية دون التطرق إلى أحد الوسائل التي تضمن استمرارها وانتقالها عبر الأجيال، وهي التربية والتعليم، مذكرا بالعناصر الأربعة التي قام عليها التعليم الرسمي بالمغرب بعد الاستقلال، وهي التعميم والتوحيد والتعريب والمغربة، غير أنه بالرغم من اتخاذ قرار التعريب في المناظرة الوطنية بالمعمورة 1960 عام والتي حضرها أزيد نمن 400 شخصية، لكن لم يجد هذا القرار طريقه للتطبيق بالشكل اللازم بسبب الجهات التي تحاول فرض لغة المستعمر.

وحذر المتحدث من أن “أخطر أنواع الغزو هو الذي يتم عبر التعليم الذي يخلق إنسانا مستلبا يمكن أن يكون أخطر من الاستعمار على بلده”، لافتا إلى أن علال الفاسي كان يعمل من أجل إخراج الإنسان المغربي من الاستلاب الفكري والتعليمي والإنساني والهوياتي والعقدي، وكان يريد تكوين جيش من الثائرين على الماضي والبانين لمستقبلهم ومجتمعهم.

وأردف قائلا: “كان يؤمن الفاسي بأن العربية هي أساس التعليم بالمغرب، ولا يمكن للتعليم أن يساهم في بناء الوطن بدون اللغة القومية وهي العربية، فالأمة التي تتعلم بغير لغتها لا يمكن أن تفكر إلا بفكر غيرها، وبالتالي النتائج السلبية لا ترتبط فقط بالتلميذ بل بالهوية المغربية كلها، والعربية هي لغة المغاربة والكفاح والنضال ويجب تعميمها في الإدارات والمدرسة والمتجر والمسجد وكل مكان، حسب الفاسي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *