سياسة، ملف

مطالب تعديل الدستور .. سعي نحو السلطوية أم إرادة لتوسيع الحريات؟

بدأت حمى انتخابات 2021 مبكرا في إلقاء ظلالها على كل الأطراف السياسية، فمن احتدام التصريحات حول متصدر نتائجها، انتقل النقاش إلى المطالبة بتعديل فصول في الدستور وعلى رأسها الفصل 47 و88، كما دعا حزب الاستقلال إلى تفعيل الفصل 103 وأخيرا الفصل 101 منه.

ولأنه لا تخلو أي دعوة من خلفيات مسبقة، فقد كان مستغربا سعي البعض نحو تعديل مقتضيات تتعلق بطريقة تفعيل الآليات الديمقراطية للوصول إلى الحكم، عوض السعي نحو تعديل فصول يجنى من ورائها المجتمع المغربي مكتسبات في ما يتعلق بتعزيز الحريات والحقوق الأساسية.

“تكريس الانغلاق الديمقراطي”

والأغرب من ذلك هو أن الأطراف الداعية لتعديل الفصل 47 من الدستور هي أحزاب لفضها المجتمع المغربي، وفي هذا الصدد يقول مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات محمد مصباح إن “الأطراف التي تدعو إلى تعديل فصول في الدستور خصوصا الفصل 47 منه فشلت انتخابيا وتريد تبرير ذلك عبر تلك المطالب”.

ولا يُخفي المحلل السياسي إبداء مخاوف من كون تلك المطالب بمثابة “تراجع عن مكتسبات 2011″، موضحا أن الدستور يعكس ميزان القوى داخل المجتمع، قائلا “ففي لحظات الانفتاح السياسي يتجه إلى تعزيز الحريات والحقوقي وفي لحظات الانغلاق السياسي يتجه نحو التضييق على الحقوق والحريات”.

وأضاف المحلل السياسي أن الأحزاب المطالبة بتعديلات دستورية في المغرب ترمي إلى تعديل المقتضيات المتعلقة بتدبير وتسيير الحكم وليس المقتضيات المتعلقة بتعزيز الحريات والحقوق، موضحا أن ذلك مرتبط بميزان القوى بين الأطراف السياسية والاجتماعية بالمغرب.

“استنساخ تجارب إقليمية”

يربط الخبير المتخصص في علم الاجتماع السياسي بين الدعوة تعديل بنود في الدستور وبين ما يحدث في تجارب دول أخرى سعت إلى كتم الحريات وإنهاء الهامش الديمقراطي الذي أتاحته “انتفاضات الربيع الديمقراطي”، قائلا “هذا ما وقع في مصر، وهناك محاولات لمزيد من الانغلاق الديمقراطي في المغرب تأثرا بالبيئة الإقليمية.

ورأى مصباح أن فلسفة الفصل 47 من الدستور ترمي إلى الربط بين تصدر الانتخابات وبين قيادة الحكومة، ملاحظا أن هذا الفصل يمكن أن يساهم في تعزيز مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بحيث تصبح صناديق الاقتراع ميزان العدالة والمحاسبة للمخطئين بحق الوطن والمواطن.

وأشار مصباح إلى أن تحقيق تلك الأحزاب لأهدافها مرتبط بالديناميكيات التي يشهدها المجتمع، مشترطا تحقيق شروط عدة مبنية على أسئلة منها هل هناك حاجة لتعديل نصوص من الدستور؟ وهل هناك اليوم التزام بمبادئ الدستور بحذافيرها؟

“مبادرات التعديلات الدستورية”

في قراءته للموضوع، قال الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط أمين السعيد، إنه “وفقا للنظرية العامة للقانون الدستوري تتكلف السلطة التأسيسية الفرعية في ظل الدساتير الصلبة بمهمة تعديل الدستور وفق مسطرة دقيقة وخاصة تختلف عن طريقة وضع وتعديل القوانين العادية”، مضيفا أن الوثيقة الدستورية لسنة 2011 حددت الجهات التي تنفرد بصلاحية مراجعة الدستور وهي (الملك، رئيس الحكومة، مجلس النواب، مجلس المستشارين).

وأوضح المحلل السياسي أن الممارسة العلمية أظهرت أن البرلمان لم يستطع تفعيل اختصاصاته الدستورية المتعلقة بمراجعة الدستور واكتفت بعض الأحزاب السياسية بالدعوة إلى مقاطعة المبادرات الاستفتائية أو عدم المشاركة فيها، كما أن التعديلات التي طرأت على دساتير 1970، 1972، 1992،1996 كانت بمبادرة ملكية.

ورأى السعيد أن الأطراف التي تطالب بتعديل الدستور، تقتصر على القراءة الشلكية لفصول الدستور، قائلا “وهي مقاربة أحادية لا تنظر لباقي أجزاء النظام الدستوري، الذي يتألف من دستور 2011 باعتباره الجزء الأول، ثم الجزء الثاني المتمثل في القوانين التنظيمية والأعراف والتقاليد الدستورية التي تترسخ وفقا لاجتهادات وتأويلات القضاء الدستوري”.

“ترسيخ الممارسة السياسية”

وزاد “لا يمكن للدستور أن ينظم ويحدد كل تفاصيل وجزئيات وحكايات ومجريات العملية السياسية، وإنما يتوجب أن تترسخ بجانب النص الدستوري ممارسات وأعراف دستورية تكمل المبادئ الكبرى المنصوص عليها دستوريا، ويمكن أن نسوق في هذا السياق الدعوات الرامية إلى تعديل مقتضيات الفصل 47 من دستور2011”.

وأكد الأستاذ الباحث أن تلك المطالب بعضها يحتاج إلى فهم دقيق وعميق لفلسفة المشرع الدستوري الذي عمل على دسترة المنهجية الديمقراطية القائمة على ربط رئاسة الحكومة بصناديق الاقتراع وحصرها في الحزب المتصدر لانتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها.

وقال “كما قصد المشرع عدم تحديد مدة دستورية لتشكيل الحكومة نظرا لخصوصية المشهد الحزبي المبني على التعددية الحزبية التي تحتاج إلى مدة تفاوضية لتشكيل الحكومة، وأن مسألة المدة يمكن أن تتحدد وفق عرف دستوري يمكن أن يترسخ وفقا للممارسة السياسية”.

“تحجيم المساحات الديمقراطية”

وأوضح الباحث السياسي أن هناك مطالب أخرى تدعو إلى تعديل الدستور قصد لي عنق فصوله وتحجيم المساحات الديمقراطية المتضمنة في كثير من فصول الدستور كما هو الشأن بالنسبة للفصل 47 و88 وهي فصول تعكس التوجه الديمقراطي القائم على ربط الحكومة بالأغلبية البرلمانية المنبثقة من الإرادة الشعبية.

وشدد السعيد على أنه “بدل الحديث عن تعديل الدستور ينبغي حصر النقاش في تفعيل الدستور وإصدار القوانين التنظيمية المتبقية خاصة المتعلقة بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والإضراب، والدفع بعدم الدستورية، وهي كلها قوانين تنظيمية تتعلق بالحريات والضمانات الأساسية للمواطنين غير القابلة للتأجيل والتجزئة والتقسيط”، حسب قوله.

ونبه السعيد إلى أن المغرب في حاجة إلى نخبة سياسية تتوفر على ثقافة ديمقراطية لتطبيق الدستور وتفسيره تفسيرا دستوريا وترسيخ أعراف وعادات دستورية تعضد المبادئ الكبرى التي رسمتها وثيقة 2011، مشيرا إلى أنه بعد أن تكتمل المنظومة الدستورية وتستنفد روحها وفق تقييم علمي وسياسي جريء يمكن بعد ذلك بصوت مرتفع المطالبة بإصلاح دستوري يوسع من حجم الحريات ويكرس توازن السلطات بشكل أكثر ديمقراطية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 5 سنوات

    نتغنى بمنطق المكتسبات التي أنجزت من طرف الشعب المغربي الدي صوت لصالح دستور 2011 وبارك هدا الإنجاز نعم نتفق على هدا لكن يبقى السؤال المطروح هل فعلا فعل هدا الدستور وتم انزاله على أرضية الواقع فحين الاستاد الدي تكلم على الانتخابات وهو يشير إلى بعض الأحزاب التي قال عنها أنها فقدة بريقها ممكن ان نلتقي حول الفكرة ولكن من اللباقة السياسية الاعتراف الضمني بفشل عدم تنزيل الدستوري والعمل به في حين نرى الحكومة المغربية لا السابقة في عهد بن كيران ولا العتماني الآن هي من تعتر مضامين العمل الدستوري وانزاله ويبقى الدستور المغربي قابل لتغيير أو تعديل حسب ما تقتضيه متطلبات المرحلة والضرفية