مجتمع، مغاربة العالم

الصويرة-لاغوشال .. قصة “حب” بين مدينتين على الأطلسي منذ عقدين (فيديو – صور)

محمد عادل التاطو من مدينة “لاغوشال” بفرنسا

حينما تزور مدينة “لاغوشال” السياحية غرب فرنسا، تكتشف بسرعة أوجه الشبه مع مدينة الصويرة بالمغرب، إذ تستقبلك الأسوار التاريخية للمدينة الفرنسية على ضفاف المحيط الأطلسي تحيط بميناء ترفيهي، ينتصب في بوابته برجان تاريخيان يشكلان المدخل البحري للمدينة، وذلك بمعمار مشابه لذاك الذي شُيدت به الصويرة.

التشابه المعماري والثقافي والديني والسياحي بين المدينيتن، جعل “الصداقة المدفونة” بينهما تطفو على السطح، وتتجلى في اتفاقية توأمة بعد لقاء في العام 1999 جمع المستشار الملكي أندري أزولاي برئيس بلدية “لاغوشال” السابق “ميشيل كغيبو”، وذلك بمناسبة “عام المغرب” في فرنسا، لتنطلق بعدها “قصة حب” بين المدينتين المطلتين على سواحل المحيط الأطلسي.

التوأمة بين المدينتين تعرف حركية ثقافية وسياحية واقتصادية لافتة، إذ تستقبل المدينة الفرنسية كل عام وفودا مغربية تمثل جمعيات بالصويرة وفنانين وسياسيين وكتابا ومثقفين ومخرجين وموسيقيين، يؤطرون ندوات ومهرجانات وأنشطة مختلفة، إضافة إلى إقامة معارض للصناعة التقليدية المغربية تلقى رواجا من طرف ساكنة المنطقة.

بالمقابل يقوم وفد من “لاغوشال” يضم سياسيين وجمعويين وفنانين بزيارة الصويرة كل عام، في حين تمنح بلدية المدينة الفرنسية لنظيرتها المغربية دراجات هوائية لفائدة تلاميذ القرى النائية من أجل تسهيل وصولهم إلى المدارس، حيث يبلغ عددها 70 دراجة سنويا، كما يتم تسهيل الإجراءات للطلبة المغاربة من الصويرة لمتابعة دراستهم بجامعة “لاغوشال”، وتنظيم رحلات سياحية وثقافية منتظمة.

ورغم تغير رؤساء البلديات في المدينة طيلة 19 عاما من عمر التوأمة، استمرت الاتفاقية بشك تصاعدي نظرا للاهتمام الذي تحضى به من طرف مسؤولي “لاغوشال”، إذ تعتبر بلدية المدينة أن التوأمة مع الصويرة مقدمة على كل المدن التي لها اتفاقيات توأمة مع البلدية (ألمانيا وروسيا والكيان الصهيوني…).

جريدة “العمق” التقت بمسؤول ببلدية “لاغوشال”، والذي وصف مدينة الصويرة بأنها “نموذج لأوربا في التسامح، لأنها تضم المساجد الإسلامية والكنائس المسيحية والكنس اليهودية، في حين يحظى يهود الصويرة بحرية واحترام كبيرين من طرف السكان المسلمين والسلطات، كما لا توجد أي حماية أمنية خاصة بهم نظرا للتسامح والتعايش الذي يتميز به المغاربة”.

المسؤول المكلف بالعلاقات العمومية والعلاقات الدولية ببلدية “لاغوشال”، فريديريك بنشقرون، قال في تصريح لجريدة “العمق”، إن اللقاء الذي جمع في 1999 مستشار الملك أندري أزولاي، وميشيل كغيبو رئيس بلدية “لاغوشال” السابق، والذي شغل مهمة رئيس جمعية الصداقة المغربية الفرنسية حينها، وتقلد منصب وزير في أكثر من حكومة فرنسية (العدل والسياحة…)، كان “لقاءً بين شعبين”، وفق تعبيره.

وأضاف المتحدث بالقول: “ما يعجبنا في التوأمة هو التنوع والصداقة بين المدينتين المتواجدتين على الأطلسي، وأيضا جمال الصويرة وأصدقاؤنا فيها”، مبرزا أن التوأمة مبنية على أسس متينة، وهو ما جعل الصويرة تصبح مدينة معروفة لدى ساكنة “لاغوشال”، الأمر الذي أثر إيجابيا على التعاون الثقافي والتعليمي والسياحي والاقتصادي بين البلدين.

وأشار بشقرون إلى أن بلدية “لاغوشال” تستقبل الوفود المغربية بشكل رسمي مرتين خلال العام، الأولى خلال فصل الصيف والثانية في رأس السنة الميلادية، وخاصة الصناع التقليديين الذين تلقى منتوجاتهم رواجا كبيرا من طرف السياح والسكان المحليين، معتبرا أن الصويرة ترسل رسالة تسامح ومحبة وأخوة واحترام إلى العالم، وهي الرسالة التي نريد نشرها بين سكان “لاغوشال”، وفق وصفه.

وفي وسط مدينة “لاغوشال”، تثير انتباه الزوار المغاربة ساحة رئيسية تقع أمام كلية اللغات تحمل اسم “مدينة الصويرة”، مكتوبة باللغتين العربية والفرنسية، حيث خصصت بلدية المدينة اسم الصويرة للساحة المذكورة، كتعبير وفاء عن اتفاقية التوأمة التي تجمع الطرفين، إضافة إلى تسمية فضاء مهم داخل الحديقة الكبرى للمدينة باسم “رائحة المغرب”، وإطلاق اسم “ابن خلدون” على فضاء داخل كلية اللغات.

الكاتب العام للجمعية الدينية الإسلامية بمنطقة “لا شارونت مريتم”، عبد الواحد التاطو، عبر عن افتخاره بهذه التوأمة المستمرة منذ 19 عاما، معتبرا أن الاتفاقية تشكل تبادلا إنسانيا وثقافيا بين المدينتين، إضافة إلى تبادل اقتصادي من خلال معارض الصناعة التقليدية لمنطقة الصويرة، مردفا بالقول: “نحن سعداء بهذه التوأمة”.

وأوضح في تصريح لجريدة “العمق”، أن بعض سكان مدينة “لاغوشال” فضلوا الاستقرار بالصويرة وأقاموا مشاريع هناك، لافتا إلى أن هذه العلاقة الإنسانية بين المدينتين انطلقت مع مستشار الملك أندري أزولاي في العام 1999، ولقيت دعما من طرف الملك محمد السادس، وهو ما مكن سكان المدينتين من الالتقاء كل سنة.

وأضاف المتحدث وهو موظف ببلدية “لاغوشال”، أن المجلس البلدي بالمدينة الفرنسية “يشجع على استمرار التوأمة عبر السنين، ويحفز المغاربة على زيارتها، خاصة من أبناء الصويرة، وهو ما يقوي الروابط الإنسانية بين سكان المدينتين”، لافتا إلى أن سكان “لاغوشال” يعبرون عن حبهم للمغرب ككل الفرنسيين، ويعتبرون الصويرة مدينة نموذجية للتعايش الديني، حسب قوله.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *