وجهة نظر

حتى لا نقول انتهى الإبداع المغربي؟

تفاعلا مع الندوة الاخيرة حول الانتاجات الفنية المغربية ،اتساءل هل هي ازمة انتاج أم ازمة هوية أم ازمة ابداع ،اتساءل هل هي نتيجة لسياسات مضت افقرت الانتاج المغربي وجعلته بلا ذوق ولا احساس ،بل فقط تعابير بلا روح .حقيقة لو قارنت الدراما التركية والمغربية فهناك فرق شاسع بين الحقلين ،رغم ان كلا الثقافتين راسختين لقرون من الازمان ،والتنوع الثقافي التركي شبيه بالتنوع الثقافي المغربي ،لكن ماذا ينقصنا حتى اصبحت حال وضعيتنا الثقافية والفنية تئن لها المرضعات .

اشكالية هوية نص أم نص بلا هوية :لا يستطيع اي متتبع للشأن الفني والثقافي بالمغرب ان يجزم ان هناك ازمة في النص أو في الكتابة بل هناك مسار تم احداثه مرتبط بما يطلبه المؤسسات الداعمة للمنتوج ،فغياب هيئات وطنية داعمة للمنتوج الثقافي المغربي جعلنا امام انحسار للنصوص الروائية التي يمكن ان تصبح افلام او مسلسلات او حتى مسرحيات .

دون ان ننسى ان أول تحدي يفرض نفسه في المشهد الفني بالمغرب هو غياب استراتيجية فاعلة للثقافة بالمغرب بما تحمله الكلمة من معنى ومن ما يجعل من هاته الاستراتيجية نقط انطلاق للمصالحة مع الثقافة المغربية بتعددها الحساني والامازيغي والمغربي العربي الاندلسي ،هذا الخليط يجعلنا نتساءل هل حقا نملك الجراة للتعامل مع التراث بنظرة ابداعية وفنية ثاقبة .

فالابداع المسرحي بالمغرب بالمقارنة مع التركي بون شاسع وساكون ظالم له ان قارنته بهذا الصرح الفني المتجدر ،حقيقة المسرح المغربي ظهر من رحم النضال السياسي المغربي مع القوى اليساربة ومع الحركة الوطنية ،اذن كانت تؤطره وتوجهه وتبعث فيه الحماس ،مثله مثل الفرق الموسيقية والمسلسلات وبعض الافلام ،اذن في غياب الرسالة والحافز نصبح امام وضع اقل ما يمكن ان يقال عنه ابداع التفاهة .

واذا اتجهنا لبعض الانماط الابداعية مثل الفن التشكيلي فهو يبقى حبيس بعض نخبة النخبة لانه لم يستطع ان يتطور ليلتصق بالقضايا الشعبية ولذلك نحتاج لفن ينخرط في قضايا الشعب ولذلك اذا رجعنا لمشاهير اللوحات العالمية فهي تعكس واقعا عايشه الناس وتذوق مره وحلوه ،ولذلك فحينما يوثق في لوحة او مسرحية أو شعر أو موسيقى فهو له جمهور وهو صادق في القضية وصادق مع جمهوره ،ولذلك فازمة الفن المغربي ازمة ذوق وازمة تذوق الجمهور لما ينتج .

نحن لن نصنع مجتمع يتابع قضايا الفن الا اذا كنا نخاطبه بلغة صادقة قريبة منه ،لكن في غياب الرسالة وفي غياب الحافز نصبح امام فنان يؤدي دورا بلا روح.

وهذا ما تجلى في انشاء مؤسسات اعلامية وشركات انتاج تستثمر في التفاهة وفي تشييء المجتمع وجعل الفن مجرد لذة استهلاكية لوقت او متعة ظرفية .

اشكالية سياسة وتدبير :

من يملك القدرة على تسيير مؤسسات تعلم الانسان تذوق الجمال الروحي **الفن على حد تعبير الشاعر اقبال **،هو اول مسؤول على وضعية الفن المغربي وبما تحمله الكلمة من معنى ،حينما تصبح السياسات العمومية المتعاقبة مجرد وعود بلا مؤشرات ملموسة ونتائج واضحة ،تبقى هاته المؤسسات تؤدي مهمة لا رؤية وبلا مستقبل ،وحينما نصل الى ماوصنا اليه ليس سوى نتيجة لسياات مرت لحقب من السنوات .

واذا اردت ان اتحدث بالواضح فان أو ل من قضى على الابداع الفني هو تسيس الهيئات المحكمة التي تقبر الابداع وتجعله موجها لجهة ومثقل بالانطباعات البعيدة عن الواقع ،ولذلك فنحن نحتاج الى تصالح مع انفسنا،ومع هذه النخبة التي ان انصتنا لها سواء في حوارات وطنية ومسؤولة يمكن ان نعرف الطريق ،لكن امام تضاخم لوبيات الانتاج التي تضغط بشدة يبقى الفاعل السياسي مجرد من كل فعل .

نحتاج الى سياسة وطنية تعيد للفن رسالته وللفنان هيبته وقوته الرمزية في المجتمع ،لا نريد فن يجردنا من قيمنا ويعرينا بشكل لا نعرف حتى تاريخنا وبالاحرى ان نتعرف على ثقافتنا ،وأمام هذا الزخم الاعلامي من قنوات كبرى وباموال ضخمة على برامج التسلية والمتعة التشيئية تصبج المهمة صعبة .

ولذلك نحتاج لبرامج تعليمية تعلم الناشئة حب الجمال والفن والتعبير وهذا لن يكون الا عن طريق التحفيز والمواطنة الحقة .
اشكالية ابداع فني ام فن الابداع :

لا نشكك في مهارات الفنان المغربي وهذا امر محسوم لكن حينما اتحدث عن الابداع هنا هو حصيلة ما ينتج في السنة من المصانع المبدعة للانسان المغربي مع زخمة العيش واشكالياته وعامل الاحباط النفسي له ،وغياب مؤسسات الدعم ،وانحسار المنتوج الثقافي لوجود بدائل اخرى ومن اهمها الابداع الرقمي او الديجيتال تجعل مخيلة المبدع تصدم امام ابداع من نوع اخر انه الرقمنة او العولمة الزرقاء التي اصبحت متحكمة في الذوق والاختيار وحتى الابداع .

الفنان المغربي يملك من المقومات والمهارات التي ينجح في اخراجه امام مؤسسات اجنبية وليست وطنية وهنا التساؤل الاكبر المرتبط بالاخراج الذي هو ابداع وليس شركة انتاج للفن أو احتضان الاعمال الفنية ،بل هو قدرة المخرج على فهم الطباع والتعابير وتنسيقها واعطاء للنص روحا طرية وشيقة تجعل المتلقي يصبح جزءا من المشهد وليس خارجا عنه .

ولذلك نحن بحاجة الى فهم دقيق لهذه الاشكالية التي تؤسس لدينامية المبدع المغربي وتعاطيه مع قضايا المجتمع وقدرته على استثمار تاريخه للدفاع عن التاريخ المغربي بطريقة احترافية مبدعة ،حينها سيصفق الجميع له .

* خبير بالمعهد العربي للتخطيط بالكويت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *