وجهة نظر

بقايا أنثى

من وحي الواقع، وفي انسجام تام مع نتائج البحث الوطني الثاني حول العنف ضد النساء الذي اصدرته مؤخرا وزارة المرأة …

هذا مقال يرصد واقع امرأة معنفة ضمن 54.5% من النساء المعنفات التي أنتجها البحث.

عندما تبدأ الشمس بالزوال، عندما يتلاشى معنى الجمال، عندما تبرد الأحاسيس وتتبلد المشاعر ، عندما يعلق الدمع فيأبى الانسياب، وتبحث الطيبة عن صدور تحتويها ، فلا تجد سوى قلوبا متحجرة ومشاعرة محنطة وكلمات مرة …

عندما تستفيق وتنام على غدر الشريك ، وتعانق مرغما شظايا الإهانات والتنكيل منه بتفنن عجيب….

عندما يكشف الستار ليعلن نهاية حلم مأساوية كتلك الأفلام قبلها…

حينها فقط تجدين نفسك وحيدة ويتيمة ، يمتلكك اليأس والإحباط والوجع، ويزيد يأسك ويتكاثف ألمك وينزف جرحك ، عندما تتذكرين قسوة من وكلته أمرك بحب صادق ، طوبى لك إن أطل الموت من شرفتك ، لتنشدي من خلاله الخلاص.

هكذا كانت سمية تبوح بقلب خافق لمديرة أحد مراكز الاستماع ، في لحظات مكاشفة بكبير حرقة وغلالة آهات، لتميط اللثام عن الجانب المتواري والمظلم من حياتها..

جانب متواري بعناوين موجعة : ضرب مبرح، وعنف مركب ، يمارسه الزوج المحترم كلما غضب او ضاعت منه صفقة…

وبالجملة ، لم أكن انا المدعوة سمية يوما سوى كيس الملاكمة الذي يشفي الزوج غله فيه تحضيرا لمباراة حاسمة …او تبريدا وتخفيفا من خسارة لم تكن لديه متوقعه.

أي نعم ، انا هي سمية التي لطالما كانت تثير غيظ الغائرات من النساء الصديقات ….انا التي كانت حديث الخاص والعام في مدينتنا الصغيرة ، يوم اقترن اسمي باسم زوجي ، انا التي شغلت الناس بحفلة عرسي، أنا التي اجتمعت حولها، ولا زالت زوجات رجال الأعمال وأعيان المدينة ….

انا التي مافتئن تكررن أسطوانتي المشروخة : زوجة منحها الشريك عيشة الأميرات، وأسكنها بيتا مالقصر وحمام سباحة وسيارة تخطف الأنظار ، وأحاطها بخدم هم في الاصل عيون رقيب…..

وأكرمها كرم حاتم الطائي بالمال والجواهر فضلا عن سفريات الاستجمام داخل وخارج ارض الوطن..

ولكنهم بالمقابل ، لا يدركون أنني أحرص على الابتسامة مرغمة ، حفاظا على مركز وقدر زوجي امام الناس.

وإنني أحوج الى الدعاء وطلب الرحمة، خلافا لما تعتقد الغائرات اللواتي كثيرا ما انصرفن من بيتي بحسرة في القلب وغصة في الحلق ، لأن الحظ أخطأهن وحالفني لوحدي ، بل لعلهن لا تعتقدن بأنني أحرص النساء عناية واهتماما بنظاراتي الشمسية الباهضة الثمن، لا حماية لعيوني من أشعة الشمس، ولا حرصا على الموضة ولا حتى تكملة لأناقة ملغومة ومزورة ، بل لأني لا أعدو أن أكون ” بقايا أنثى” تواظب على صالونات التجميل لمحو آثار الكدمات الزرقاء التي يتفنن زوجها المعتل نفسيا في رسمها على عينيها ومحياها كما أنحاء مختلفة من جسدها الرطب…

أنا بقايا أنثى ، بصور مكرورة نضطر للتكتم عليها حينا، والتطبيع معها حينا آخر ولا حول ولا قوة الا بالله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *