أخبار الساعة، مجتمع

الكاتب مصباح يكشف مداخل القرآن لإحياء الذكر وتجديد الفكر (حوار)

صدر حديثا كتاب بعنوان: (مدخل قرآني إلى القرآن الكريم: مساهمة في إحياء الذكر وتجديد الفكر) من تأليف الدكتور عثمان مصباح، أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين جهة الرباط فرع القنيطرة، وبهذه المناسبة كان لنا معه هذا اللقاء الخاص.

س 1: صدرت كتب بعناوين تشبه عنوان كتابكم، فما الذي يبرر هذا الإصدار؟

المداخل إلى القرآن إما مداخل طائفية تستلهم التراث الإسلامي، وإما مداخل تستلهم التراث الغربي الحديث، وفي كلا الحالتين لم تكن الأجوبة المقدمة شافية للوجدان المسلم، ولم يجد فيها العقل المسلم مخرجا من أزمته.

س 2: وما هي أزمة العقل المسلم؟

أزمته في ظاهرها تتمثل في المفارقة الصارخة بين الشعار والواقع، فهو يزعم أن الإسلام هو الحل لكن واقع المسلمين يشهد على عجز الحلول التي قدمت باسم الإسلام، الإسلام جاء رحمة للعالمين، والحلول المزعومة لم تحقق الرحمة حتى للمسلمين أنفسهم…

س 3: وما هو سر هذه المفارقة؟

السر في نظري هو الخلط الحاصل بين الإسلام الذي عبر عنه القرآن، والإسلام باعتباره تجربة تاريخية من صنع البشر، والبشر في أحسن أحوالهم يتلبسهم العجز والقصور والوهم، وفي أسوئها تتلبسهم الأهواء والخيانات، وكل ذلك قد كان، ولم يبرأ منه جيل من أجيال هذه الأمة، ولا خلت منه مرحلة من مراحل تاريخها.

ثم جاء صناع (العلوم الشرعية) وجعلوا المخيال الطائفي حاكما على الوحي، أو وبعبارة أبسط جعلوا الإسلام التاريخي تفسيرا للإسلام القرآني ومهيمنا عليه.

وهذه هي الأزمة الحقيقة للعقل المسلم، وهي أزمة ظلت خافية مستعصية، ولم تفلح كل التجارب الإصلاحية عبر التاريخ في تجاوزها، ولقد حان أوان تجاوزها لما تهيأ في هذا العصر من شروط ميلاد جديد.

س 4: إذن الحل في نظركم هو الكشف عن المدخل القرآني إلى القرآن بدلا من المداخل ذات الصبغة التاريخية، أو المداخل التي تستلهم التجربة الغربية.

صحيح .. لأن هداية القرآن هي هداية علمية منهاجية كما أنها هداية عملية.

إذن هل يمكن تصنيفكم ضمن القرآنيين؟

هذا اللقب على شرفه هو من الألقاب التي استعملت للإرهاب الفكري والإقصاء الذي يمارسه العقل الطائفي، أنا مسلم وكفى، ورسالتي موجهة إلى كل مسلم في الأرض، ولاحظ معي أن الذي يمكن أن يشكل أرضية مشتركة بين كل المسلمين على اختلاف انتماءاتهم هو القرآن الكريم، لأنه نص مقطوع به، وما سواه فمظنون، فمن حاكمك إلى القرآن فقد أنصفك.

والقرآن كما وصف نفسه يحقق الكفاية البيانية والعلمية ..{مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111]

والقرآن يرشح نفسه للحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ويعلل ذلك بكفايته البيانية: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚا} [الأنعام: 114]، بل أعظم غاية أنزل القرآن لأجلها هي الحكم في الاختلاف الواقع بين الأمم، والواقع بين فرق المسلمين أنفسهم، وشواهد ذلك من القرآن كثيرة جدا.

والذين نُعتوا بالقرآنيين ليسوا على طريقة واحدة، وأكثرهم لم يفلح في تأسيس مدخل قرآني بريء من هيمنة التراث الإسلامي أو من هيمنة التراث الغربي ..

س 5: وكيف استطعتم أن تحصنوا مدخلكم منهجيا من هذه المحذورات التي ذكرتم؟

الجواب: باعتماد التوجيهات القرآنية، وعلى رأسها قوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا } [النساء: 82] وهذه الآية تجعل البرهان على أن القرآن من عند الله وحدته البنائية وسلامته من التناقض،وفي ذلك توجيه منهجي يوجب التدبر الجامع الذي يؤالف بين الدلالات، التدبر الذي ينتج فهما لا يكون حاصله إلقاء الخصومة بيت الآيات، لأنه يستحيل أن يصدر عن الله نص متناقض.

وهذا ينطوي على اعتبار القرآن نظاما دلاليا محكم البناء، ليس فيه من ثغرة تؤدي إلى اضطراب الدلالات.

ومن التوجيهات القرآنية العاصمة من تلك المحاذير المنهجية قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} [الرعد: 37] وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]، والعربية هنا ليس المقصود بها الصفة القومية كما يتبادر للناس، وشرح ذلك يطول، لكن الجانب المنهجي في هذا التوجيه هو استصحاب العرف العربي في التخاطب زمن النزول، وهذا الاستصحاب يحتاج اليوم إلى عقل ناقد، لأنهلا يكفي فيه مجرد الإحالة على ما دون في علوم العربية، إذلم تسلم للأسف منأثر الاعتقادات الحادثة.

والتوجيه المنهجي الثالث هو الذي نجده في مثل قوله تعالى: {وَلَايَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33] وفيه وصف القرآن بأنه تفسير، وأنه أحسن تفسير، ومعنى ذلك أن القرآن لا تتوقف هدايته في كل مستوياتها على تفسيره، بل على التفسير به، وتراثنا التفسيري أخل بهذه القاعدة المنهجية ووقع في تناقض رهيب يمكن أن نعبر عنه بالقول: (محاولة بيان البيان)، وهذا فيه بالإضافة إلى تناقضه جرأةٌ على الله.

س 6: ولكن ألا يحتاج الناس في فهم القرآن إلى تفسيره؟

لا يحتاج الناس إلى ذاك النوع من التفسير، لأنه سيحول القرآن إلى منصة لإطلاق الأهواء، والتقول على الله، وستتكفل سياسةُالبُغاة بتحويل تلك الأهواء إلى دين تتوارثه الأجيال، وإلى كهنوت يتوسط بين الله وخلقه، وهذا الذي وقع في تاريخنا.

وعلينا أن نتذكر أن القرآن كتاب خاتم، تضمن هداية الله للناس إلى قيام الساعة، ودلالة هذه المقدمة منهجيا أن القرآن يحيط بكل الأجيال ولا يحيط به جيل من الأجيال، وأن هناك هداية مشتركة بين كل العصور، وهداية خاصة بكل عصر تأتي جوابا على أسئلته، وتكيفا مع شروطه.

س 7: ما تفضلتم به الآن يتطلب مراجعة علمية شاملة لموروثاتنا الثقافية، وهذه المراجعة إلى الآن لا تزال متعثرة في أذيالها، وتواجه مع ذلك بممانعة شديدة.

موروثاتنا الثقافية فضحتها الصدمة الغربية التي بدلت الأرض غير الأرض، فالمراجعة أمر لا مفر منه، وشعار التجديد والتحديث رفع منذ بدايات النهضة العربية والإسلامية، لكنه ظل شعارا دون مصداقية، لأننا كنا نحتاج إلى توبة خالصة بلغة القرآن، أي إلى عملية حفر معرفي يكشف الغطاء عن لاوعينا الجمعي الذي ترسبت تحت أطباقه العميقة عادات ذهنية ونفسية حجبت عنا أنوار القرآن، وحرمتنا من هداياته المتجددة، لكن هذا لم يحصل فكان وعينا بأزمتنا سطحيا وزائفا، وظل التجديد والتحديث شكليا، وبقيت أزمتنا تراوح مكانها.

س 8: وما محل كتابكم الجديد من مشروع المراجعة الشاملة؟

هو مساهمة تعزز مجاهدات فكرية هي آخذة في التنامي بحمد الله من أجل تحرير القرآن من وطأة أكثر من 1300 سنة من العبث بحرمته، وانتهاك نظامه الإلهي بمتون ورؤى وتقاليد فكرية مستعارة ومدسوسة على الإسلام. وهو أيضا تدشين لمشروع علمي ستكتمل معالمه الكبرى بكتابين سيصدران في آتي الأيام إن شاء الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار