وجهة نظر

هلوسات

قبل أيام، التقيت أحدَ الأصدقاء، كان يَحمل في جوفه همًّا يود بثَّه إلى كائنٍ ما، لكنَّه ظل موزعًا بين الإحجام والإقدام، بين إفصاحٍ ظنَّ أنه سيقوده إلى نضج غير مكتمل، ورؤيةٍ صائبة في صلب ما يفكر به.

انتقلنا من موضوع إلى موضوع، وأنا أدفع به – من حيث لا يَدري – إلى مواقع الإفصاح والإبانة عما يَعتمل في ذهنه وصَدْره، فلمَّا وصل إلى مرحلة الاطمئنان والرَّاحة، بدأ يكشف عن تفاعلات متفارقة في فِكْره.

قال: منذ فترة وأنا أحاول فَهْم ما يَجري بالسَّاحة الأدبية، وكنتُ كلَّما التمست الحاضر، أرتدُّ إلى الوراء، فبَيْن فهْمِنا للأدب وأدواته، ورسالتِه وأهميته ومُبتغاه، وبين فهْم مَن سبقونا – بَوْنٌ شاسع، لا يمتُّ للحداثة الأدبية إلا باللفظ والمصطلح.

فإنْ حاوَلْنا أن نَنقد ونُنكر أدوات الحداثة التي لا تَرتكز على وَعْيٍ وأسلوب راقٍ، اتُّهِمْنا بالتخلُّف، وإن قارَنَّا بين الأجيال الماضية، وبين الأجيال الحديثة، اتُّهِمنا بالتقوقع في زمن مشلول برؤية الماضي الذي لم نَستطع الفكَاك منه.

وفي كل الحالات، ما زِلنا موزَّعين بين الهاجس والتجرِبة، بين حَدَاثة مُدَّعاة، وبين أصول لم تُطوَّر لترتقِيَ إلى رُوح الحداثة التي نَنشُد.

وعلينا – في أحسن الأحوال – أن نعيش حالة الانصهار والتلاشي بين ما هو على الأرض مِن أدب، وبين ما نتمنَّى للأدب وما نأْمُل منه.

قلت: أفْصِح عمّا بنفسك أكثر.
قال: الإفصاح يحتاج إلى زمن غير يسير، وإلى شواهِدَ تَتابع، وأنا لا أوَدُّ أن أسرق زمَنَك، بشواهد لا تستحِقُّ قيمة الزمن المسروق.

ولكنْ دَعْني وإيَّاك نحاول الآن أن نفتح الحاسوب؛ لِنَجول ببعض المنتديات، وبعض المجلاَّت، وبعض المواقع؛ لنرى كم سنحتاج من الوقت والبحث والتنقيب المُضْنِي؛ لنستطيع الوصول إلى نوع من الأدب أو الفكر، الذي يستَحِق الاهتمام والتقدير.

قبل أعوام، كنَّا نَرْتاد المكتبات، الرفوفُ مرصوصةٌ بالكتب، حيثما مدَدْتَ يدك أمسكتَ بكتابٍ يستحق الثمن، ويستحق القراءة.

كنَّا نعرف العقاد، والرافعي، والمازني، وزكي مبارك، ومارون عبود، وعبد الرحمن بدوي، وزكي نجيب محمود، وكثيرًا كثيرًا.

حتى الأدب العالمي، وصلَنَا من أناس أَبدعوا في الترجمة إلى حدِّ أنَّ الأعمال التي تَرجموها، عُرفت كملاصق إبداعي ذاتي لتكوينهم وعاطفتهم.

عادل زعيتر كان يحمل همَّ الأمة، يَختار وينتقي، ويعرف عن وعي وإدراكٍ ضرورةَ نقل الفكر والأدب، الذي من شأنه أن يُسْهِم برقِيِّ العقل والعاطفة عند القارئ العربي.

منير البعلبكي، أسهم كفرد بإبداع أمَّة، واستطاع أن يَأخذ – على عاتقه الشخصي – مسؤولية إخراج الوعي من الأعمال العالَمية إلى اللغة العربية.

كان قادرًا قدرةً تَفوق إمكانات الفرد، مخلصًا في انتقاء الوعي والعاطفة، لدرجةٍ تستحقُّ من الأجيال القادمة والجيل الحاليِّ أن يضعوه على غُرَّة الذِّكرى بين فترة وأخرى.

سامي الدروبي، الذي نَقل إلينا روائع دوستويفسكي العالَمية، القادرةَ على الحياة بنفوس الأجيال المتلاحقة.

الكِتَاب، وأنت تَعرف ما أقصد بالكتاب، كان مكوِّنًا من مكوِّنات حياتنا، ومكوِّنات وجودنا؛ نراه فيَخفق القلب، وحين نلمسه نُصاب بالرهبة، وحين ندخله نتحول إلى متبتِّلين.

كانت عظمة الكاتب تَدخل رُوعَنا فَورَ دخولنا السطور الأولى، بل وكانت المقدِّمة وَحْدَها قادرةً على أن تضعنا على حدود التقدير والاحترام لتلك العقول التي عرَفت صلةَ اللغة بلغة الفكر.

اليومَ – وما أسوأَ اليوم! – انتشر “الكِتاب” انتشارَ أهل الفنِّ، وكل دَعِيٍّ أو محاول، وكل من أمسك القلم، صُنِّف من “الكُتَّاب أو الشعراء أو المفكِّرين”، بل وأصبح من الكتَّاب الممتدَّة شهرتُهم إلى آفاق بعيدة، وكل من استطاع إتقان العَروض، أُلصِقَت به صفة الشاعر.

قلت: وكأني أراك تقف على رأس الإبرة، تمتلك الوجَع القادم من الوَخْز المتواصل، وتَدفنه بأعماقك، مع أنَّ الأمر برُمَّته له منحًى آخَرُ في العقل والذِّهن، يتصل بكل ما يحيط بنا من انهيارات وترَدُّمات.

انظر أوَّلاً للسياسة، وللثوابت التي بُنِي عليها العقل العربي الإسلامي منذ فترات طويلة، ماذا سترى؟

أمَّة مهلهلة، مثقَّبة، متهالكة، تساقَطَت أوراقُ عِزَّتِها وفخرها وتاريخها، انحنت أمام نَسمَات بسيطة، بايعت الحاكِمَ على الخيانة والسقوط والرَّذيلة، وأبرقت سيوفها وأنصالها؛ لتُدَافع عما قدَّمت من انحطاط إلى ذَاتِها وإلى الأجيال القادمة.

انظر إلى الاقتصاد، ماذا سترى غيرَ مجموعةٍ من الزَّنادقة المتورِّطين بالعفن والطُّحلب، يملكون أموال الأمة، ويتمتَّعون بها؛ يتزوَّجون ويطلِّقون، ويَقتلون ذرِّيتهم ونساءهم؛ من أجل إلغاء وإخفاء لحظات التمتُّع؟!

وبقية الأمة تَلهث خلف الرغيف لُهَاثَ كلب تاهَ في صحراءَ مُقْفِرة، يبحثون عن لُقَيمات تُبقيهم على قيد حياة؛ ليصفِّقوا للحاكم ورجل الاقتصاد.

أَدِرْ رأسَك نحو الفن، ماذا سترى غيرَ لحم يُعْرَض بابتذال الشهوة، وحريق الرغبة، مِن عاهرات لا يَعرفن عن الحياة سِوى التعرِّي والتأوُّه والغُنْج؛ من أجل استلال الجماهير بالرؤية دون السَّمع؟

وانظر للجوعى، كيف يَتزاحمون على الاستبسال من أجل توفير ثمن تذكرة لحفل دِعَارة يُقام في أرض الوطن، المتْخَمِ بالهزيمة والجوع والانحطاط والرَّذيلة، كيف يفجِّرون قدراتهم من أجل الوصول إلى مقعد لهذا العاهر أو تلك العاهرة!

انظر لترى كيف عاد فرعون من هَرَمِه، بأشكال وأشكال، بسِحَن وسحن، وكيف تقمَّص الشعْبُ دَور العبيد الذين لفحتهم الشمس وهم يَبنون مقابر الفراعنة.

الواقع كلُّه يا صديقي مُوغِل في الانهيار، وفي الانحطاط، إلى حدِّ أننا أصبحنا – بِحُكم المنطق الجديد – أعداءً لتاريخنا وعزِّتنا، ودِيننا وأوطاننا، فهل انهيارُ الكتابة أمرٌ يَجعلك تَحمل هذا الألم؟ أم هو الإحساس الباطن بتواصل وتلاحق السقوط؟

“لا يَصنع العظماءَ إلا ألَمٌ عظيم” وليس الألم العظيم بقادر على صناعة العظماء ما لم يلتصق بمقولة تشي غيفارا: “ليس المهم أن تكون مظلومًا، ولكنَّ المهم أن تشعر بالظلم”.

ونحن بصراحة مطْلَقة نَحمل الألم كتُحفة فنِّية، تبعث الكآبة والكَمد والقلق، نَحمله؛ لنبكي ونَنْدُب، لنردح ونُبكِي الآخرين.

لكننا لم نفكر مرةً واحدةً أن نَصنع من الألم والقهر والذُّلِّ وَقودًا يَجول بين الشعوب الرَّازحة تحت ضغط ذُلٍّ أصبح مكوِّنًا من مكوِّنات شخصيتنا.

لو لم تكن المواقع والمجلات مشارِكةً بالجريمة، وبالتخطيط اللاواعي والواعي؛ لتفتيت الأمة – لَرأَيْتها تقف على قدَم من بقايا إنسان؛ لتَعرف انطون تشيخوف وتولوستوي، اللَّذَين استقالا من رابطة الكُتَّاب الرُّوس؛ إكرامًا لإبداع غوركي الذي رفضت الرابطة أن تعترف به؛ لأنه لا يَحمل شهادةً أكاديميةً.

ولتعرف غوركي نفسه، الذي انقلب على الشيوعية حين رَآها وهي تَصنع أمجاد أفراد، وتُهمل شعب روسيا كلَّه.

هدَّده لينين بالقتل، فخرج حامِلاً معه أهمَّ ما يملك؛ ثباتَه على المطالَبة بحقوق المظلومين، ثم قَضى نَحْبه بالسُّمِّ هو وابنه، دون أن تُثْنِي عزيمتَه رسالةُ وعيد أو تهديد.

الأدَب – يا صديقي – شيء من كل تلك المكوِّنات، هل عرفت بأن محمود درويش نادِمٌ على شعره القديم؟ أوَدُّ منك أن تفهم معنى هذا الندم جيِّدًا.

هل قرأْتَ جديدَ شِعره، أو ما يسمى بالشعر مجازًا؟ لكنه محمود درويش، أحد فراعنة العصر الأدبي الحاضر، الذي أرهقنا بمقولة بحث الطائرات الصهيونية عنه في لبنان.

ثم – فجأةً، وبقدرة قادر – كان يَسير في شوارع الكيان المغتَصِب للأرض وبإذن منه.

هل تعرف أنيس منصور، الذي يحاول الالتصاق بعظيم الفكر العربي وعِملاقه عباس محمود العقاد؟ هل قرأتَ رؤيته لِمُعاهدة كامب ديفيد؟ بل هل قرأتَ ما يدَّعي أنه أدَب؟

ولو أردتُ الآن، لسردتُ لك ما تشاء من السَّرد، ولأحصيتُ لك ما تشاء من الأسماء، في الأدب والفكر، في السياسة والعسكرية، في العلوم والفلسفة.

وكلها أسماء وإحصاءات تذهل القلب والفؤاد، وتُثْقل الفكر والوعي، يَكفيك أن تشاهد فقط، كم يساوي رأس المفكر أو المبدع، وكم يساوي قدم لاعب الكرة؟!

يَكفيك أن تشاهد مسكن كاتب، وأن تشاهد مسكن ممثِّل امْتَهن أدوار الدِّعارة والفساد، والإطاحة بقِيَم الدِّين والتراث!

ويكفيك أن تشاهد ملبس كاتب أو شاعر ملتزِم، وملبس راقصة رخيصة.

هناك حادثة تستحق الرِّواية، وأزعم أنها تستحق القراءة والملاحظة.
فنحن نعرف منذ أجيال متعاقبة – بخِبرةٍ مُستَقاة من البحَّارة وأهل الشواطئ – أنَّ السمك يُعرف إن كان طازجًا أم لا من منطقة الرأس، وبالتحديد من الاحمرار المتورِّد تحت الخيشوم، وهي معرفة متواتِرةَ الثِّقة والنتائج.

وفي يوم من الأيام، ووَسَط سوق السمك المزْدَحِم كان أحد الزبائن يُمسك بالسمكة من جهة الرأس؛ متفَحِّصًا مدقِّقًا التوَرُّد تحت الخيشوم.

فجاء عجوز من خَلفه، ولَكَزه من الكتف، وحين أدار الزبون وجهَه قال له العجوز: أما زِلتَ تَفحص السمك من خياشيمه؟! فأجاب الزبون: نعم.

بدَا على وجه العجوز ألَمٌ مدفون، متعمِّق متوثِّب، تنهَّد تنهيدةً طويلةً، وقال: يا بُنَي، الرأس تالِف منذ زمن بعيد، فافحص الذَّيل إن كان قد وصَله التَّلَف أم لا؟

نحن – يا صديقي – نعيش في زمن انقلاب الموازين، زمَنِ الرُّوَيبِضة، زمن المُدَّعين الأفَّاقين، زمن الانحلال الكامل من كل ما يُمكن أن يُشعِرنا بإنسانيتنا، وبكَينونَتِنا.

نحن نُقامِر بآخر ما تبقَّى فينا ممَّا يشدنا نحو معلِّمنا الأول، نحو محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم.

نحن نغادر عِزةَ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – رضي الله عنهم وأرضاهم.

بل نحن نتنَصَّل من كل تاريخنا، تنَصُّلَ الخَجول الحَييِّ من مُوبِقة أو تُهمة تُودِي بالكرامة والعزة.

وكأننا نعيش في زمن خُرافي، تنسجه الأوهام وتحيط به الأساطير والخزعبلات.

وكأننا – يا صديقي – لم نَملك يومًا قائدًا منَح الشعب ثقةً تَفوق ثقة الزمان المتواصل المتجدد.

عمر بن الخطاب – رضي الله عنه وأرضاه – هذا الرجل المُهَاب مَهابةً تُقعِد الأبطال، وتُعجز الجبابرة.

هذا الرجل الذي وقف أمام مكَّة بقَضِّها وقَضيضها؛ ليُعلِن هجرته خلف الرسول الكريم – عليه أفضل السلام وأجلّ التبريك – دون أي حساب لسيوف مكة ونِصالها، دون حساب لأبطالها ومغاويرها.

هذا الرجل الذي قام أعرابي ليقول له: والله، لو رأَينا بِك اعْوِجاجًا لقوَّمناه بحَدِّ سيوفنا، فيقول: الحمد لله أنْ وجدتُ مَن يقوِّم عُمرَ بحدِّ سيفه.

هذا ليس ضرْبًا من خيال، ولا إبداعًا ناتجًا من تفَتُّق ذِهْن أراد أن ينسج للتاريخ حدَثًا يشابه ويُحاكي الخيال.

بل هو التاريخ الذي شكَّل شخصية عمر، ونَقلها مِن محاجر الظُّلم والسطوة الفردية، إلى آفاق عدَالةٍ ضمَّت الكون برُمَّته، وأحاطته من كل جوانبه، فكانت قادرةً على إنهاض المعاني المسجّلة بطريقة تَسبق العصور والأزمان.

هو السَّمَك ونظرية خيشومه؛ فعَظَمة عمر هنا إن قِيسَت بعدالته وما تمتَّع به من خُلُق شخصي، فإننا بهذا القياس نَهضم حقَّ المعيار الحقيقي الذي أَرْسَته شخصية عمر في التاريخ الذي وجد فيه، والتاريخ اللاحق.

إنَّ عظمة عمر بن الخطاب – وهو مِن أعظم أهل الأرض بالكثير من الصفات التي رافقتها الإنجازات المحسوسة – ليست بامتلاكه مفاتيح العدل والعدالة؛ بل تَكْمن في قدرته على نقل هذه المفاتيح إلى نفسية أعرابي قام مِن جوف الصحراء، من جوف الظُّلم والخراب، والاقتتال والثأر، قام لِيَجد نفسه أمام مَن كانت مكة كلُّها تَخشاه وترهب اسمه.

قام الأعرابي من كل هذا ليواجه الخليفة بقولٍ أَدْمى كبرياء التاريخ السابق وصَلَفَه، قام وهو يملك بجوفه الشعورَ المطلَق بالإيمان الحتمي، الذي انتشَل نفسيته من قهر سابق إلى مساواة تَعْلو المساواة التي عرَفها التاريخُ كله.
“والله لو رأينا بك اعوجاجًا لقوَّمناه بحد سيوفنا”، هو التهديد المبطن بالثورة والتفجُّر والإطاحة، وتغيير وجه التاريخ والمستقْبَل.

هنا أدرك عمر بن الخطاب عمق التأثير والقوة التي امتدَّت إلى قلوب الناس العاديِّين، فحَمِد الله على التحول الصارم الذي أنهى العبودية في شخصية العربي، الذي كان خاضعًا قبل ذلك إلى عبودية الروم أو الفُرس.

هذا الإدهاش، وهذه القدرة التي تمتَّع بها عمر، هي رأس السمكة الذي بقي متورِّدًا إلى اللحظة التي غادر فيها الكونَ والوجود.

وتلك المقولة للأعرابي هي جسد السمكة وذيلها الذي كان يَسحب تورُّده وعُنْفُوانه وتألُّقه من تلك الرأس التي كانت تملك ما يَكفي من التورُّد لتغلغله في نفوس الأفراد، في نفوس الشعب.

هناك كانت الأشياء تترتَّب وتتوافق بطريقة سَلِسة، إنها العدالة التي تقود إلى الحرية، والحرية التي تقود إلى الإبداع، والإبداع الذي تخطَّى حدود الصحراء؛ ليمتدَّ إلى العالَم كلِّه.

تلك دروس عرفناها وخبرناها، لم نَتلمَّس رَحيقها، ولم نتنسَّم عبيرَها؛ لبُعْد الفاصل الزمني.
لكننا أدركنا في أعماقنا أنَّنا ننتظر أن يَخرج لنا مِن التاريخ مَن يكون قادرًا على مَدِّنا بتورُّد رأسِه.

والانتظار يا صديقي نوع من الهزيمة، ونوع من التنصُّل، ولكننا رغم ذلك نُبارك الانتظار، وندَّعي أنه أسمى المعاني، وأكثر آيات الإبداع.

لا تحزن يا صديقي على حال الأدب، ولا تحزن حين تعرف بأن إسبانيا وحْدَها تطْبَع من الكتب ما يَفوق إنتاج العالم العربي كله.
ولا تحزن حين ترى لاعب كرة القدم يُغْمَر بالأموال والاهتمام والإعلام، وحين تَعرف أنَّ الدكتور عبد الوهاب المسيري قد أنفق من جيبه على موسوعته ثلاثَمائة ألف دولار، دون أن تتدخَّل المؤسَّسات العربية والإسلامية، وأنظمة الحكم؛ لتقدير تعَبِه وسهره، وعذاب رُوحه، وهو يَصِل الليالي بالليالي؛ من أجل مشروع يخصُّ الأمة الإسلامية، بل والتراث الإنساني كلَّه.
لا تحزن أبدًا عندما ترى الماغوط يبحث عن “رباط لكندرته”، وممثِّلاً سلب الاسم وسلب العمل، يَصِل لتمثيل فئة في الأمم المتحدة.

بل احزن على أمَّة لم تستطع أن تُنجب مثل ذاك الأعرابي الذي بَقي متمحوِرًا بالتاريخ، دون أن نَعرف اسمه أو لقَبَه.

* فلسطين-مخيم طول كرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *