مجتمع

تصوير الجرائم ونشرها.. سادية وعدوانية تتحدى المجتمع والأمن

مع انتشار الهواتف الذكية المزودة بكاميرات توثق بالصوت والصورة كل ما يحدث في المجتمع بما في ذلك بعض الوقائع الخاصة جدا وخصوصيات الأفراد وكذلك ما يعرفه الشارع العام من أحداث مختلفة، طفت إلى السطح حوادث تصوير بعض الجرائم الصادمة التي تزلزل وتصدم الرأي العام.

فمن حوادث السرقة إلى جرائم الاغتصاب أصبحت الفيديوهات الصادمة تخلق الحدث وسط المجتمع في ظل المتابعة الكبيرة التي أضحت تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائط الاتصال الحديثة وهو ما أضحى يثير جدلا واسعا حول العقوبات الزجرية التي ستمكن من إيقاف نزيف هذه الصدمات الاجتماعية.

آخر هذه الفيديوهات التي أثارت ضجة كبيرة بالمغرب، يوثق لجريمة اغتصاب شابة بالرباط تدعى “حنان”، بعد أن أقدم الجاني الذي يدعى “ولد المراكشية” على إدخال قنينات زجاجية في جهازها التناسلي ووجه ضربات بواسطة مطرقة إلى رأسها، ما أدى إلى وفاة الهالكة أياما بعد ذلك.

من الواقع إلى الافتراضي

المثير في هذه الظاهرة، بحسب أستاذ علم النفس الاجتماعي محسن بنزاكور، هو انتقال العنف من الفضاء الاجتماعي الحقيقي إلى الفضاء الافتراضي، مبرزا الاختلاف الذي وقع بين هذين الفضائين.

واعتبر بنزاكور في حديث مع جريدة “العمق”، أن الاختلاف الأول، “مرتبط بالجانب النفسي الذي أصبح في وسائل التواصل الاجتماعي مادام أنها تصور أحداث عنف أو اغتصاب أو قتل، فأصبح من الناحية النفسية خصوصا بالنسبة للمراهق أو المجرم أو المهيئ للإجرام يستسهل عملية المرور إلى الفعل لأنه لم يعد يتخيل ذلك بل أصبح بإمكانه المشاهدة بتفاصيل دقيقة كأنه يتعلم وصفة معينة وبالتالي يكسر الحاجز النفسي”.

الاختلاف الثاني، يضيف المتحدث ذاته، “مرتبط ببناء التمثلات حيث أن العنف يصبح فكرة مستساغة لدى المتلقي”، مشيرا إلى أن “هناك فكرة خطيرة لدى أجيال اليوم وهي أن كل ما يمكن تقاسمه فهو مقبول”، مضيفا أن “البارطاج لا يعني عندهم الرفض بل القبول، وهذا التغيير في بنية الفكر يكون عنده تأثير على الإقبال على العنف”.

لذة وسادية

وأضاف بنزاكور، أن “الخطير أكثر أن المجرم الآن قادر على تحدي كل الموانع الاجتماعية والحدود بما فيه الأمن لأنه يجد في تصوير جريمته لذة وسادية بمعنى أنه يفتخر بأسلوبه الإجرامي وطريقته الإجرامية”.

وهذا الافتخار، يقول أستاذ علم النفس الاجتماعي “فيه تحدي للمجتمع وللسلطات الأمنية، ويلاحظ ذلك ليس فقط عند المجرمين المغاربة، بل أيضا لدى الأوروبين، مثلا ما وقع في نيوزيلندا، وفي فرنسا وبريطانيا، من عمليات إجرامية إرهابية يفترخ بها هؤلاء المجرمين”.

الحلول

وأبرز بنزاكور، أن السلطات الأمنية عليها أن تستشعر خطورة هذه الظاهرة وتتحرك بسرعة قوية لأنه لاحظنا أن فيسبوك قام بحظر 2 مليون فيديو يشيد بالإرهاب، لكن السؤال المطروح هو لماذا تتأخر السلطات المغربية في القيام بردة الفعل ولا تقوم بحذف هذه الفيديوهات”.

تفسير ذلك، عند المتحدث ذاته، هو أن “السلطات غير واعية بخطورة الأمر وتستصغرها، في حين أن ردة فعلها فيما يتعلق بمسألة الإرهاب سرية وخيالية، ولكن فيما يخص العنف فهي بطيئة”.

وشدد بنزاكور، على أنه “آن الأوان لتقتحم المدرسة المغربية هذا العالم وتربي الأجيال على التعامل مع هذه الأمور حتى تكون لديهم المناعة لرفض تقاسم هذه الفيديوهات ورفض الدخول إليها”، مضيفا أن “الأطفال معرضين للدخول إلى هذه الفيديوهات بدون أي وقاية أو مناعة لكل أصناف السلوك المنحرف”.

كما أشار أستاذ علم النفس الاجتماعي، إلى أن الإعلام لا يجب أن يكون فقط متخصصا في الحديث عن هذه الأمور بل أيضا التوعية والتحسيس بخطورة تداول هذه الفيديوهات.

مشارك في الجريمة

ومن جهته، اعتبر المحامي الحسين الراجي في حديث مع جريدة “العمق”، أن “المفروض في تصوير أي جريمة هو أن يكون الهدف هو التبليغ وان يكون دليلا لإدانة المتهم، لا أن يكون هدفه الاستمتاع بذلك الفعل”.

وأضاف الراجي، أن “عدم منع المصور لارتكاب الجريمة يجعل منه مشاركا فيها، خصوصا إذا لم تكن نية المصور هو الفضح”، مضيفا أن هناك جانبا إيجابيا غير معاقب وهو التصوير من أجل التبليغ والتوثيق وإصابات الجريمة”.

ويتطلب الأمر بحسب المحامي بهيئة مراكش، “تصوير وجه المعني ووضعية الجريمة، وليس تصوير فيديو من ساعة أو نصف ساعة والتواصل مع المجرم، في حين أن المفروض هو التدخل لمنع فعل الاعتداء وإذا لم يتم ذلك فإن الأمر يعتبر مشاركة في الجريمة”.

إهانة للضحية

وفي السياق نفسه، قال “راي سوريت”، أستاذ في قسم العدالة الجنائية في جامعة سنترال بمدينة فلوريدا، “حتى السنوات الأولى من القرن الـ21، كانت الجرائم ترتكب بعيدًا عن أعين المجتمع والأغلبية، مع بث معلومات محددة عنها عبر وسائل الإعلام التقليدية ووفقًا لمعايير معينة”.

وأوضح سوريت في مقال رأي بعنوان “كيف تعمل وسائل التواصل الاجتماعي على تغيير الطريقة التي يرتكب بها الناس الجرائم”، أن هذه السلوكيات تهدف إلى جذب الانتباه، فلطالما كانت وسائل التواصل والأخبار المتداولة عليها جزء من حياة وصيت المشاهير ولذلك يُفضل البعض أن “يكون مشهورًا سيئًا بدلًا من أن يكون مجهولًا.

وأشار المصدر ذاته إلى جانب آخر، حيث يقول أن الهدف من التصوير يكون أحيانًا لإهانة الضحية بشكل مضاعف، أول مرة من خلال الاعتداء الفعلي ثم بالإذلال ومشاركة الحادثة على العلن لإظهار قوته المطلقة، كما يعتقد.

عقوبات سجنية وغرامات

بحسب الفصل 1-447 من القانون الجنائي فإنه “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها، ويعاقب بنفس العقوبة، من قام عمدا وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته”.

أما الفصل 2 – 447 فـ”يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة للأشخاص أو التشهير بهم.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 5 سنوات

    هاؤلاء يجب مقاضاتهم أمام العدالة. ليس لهم ضمير. يمكن تصوير الجناة الفارين ولا يجوز لهم تصوير أشياء لا يقبلها العقل.