سياسة، مجتمع

سياسيون حول 20 سنة من حكم الملك: أوراش كبرى وغياب للديمقراطية

تعددت تقييمات مختلف الفاعلين الحقوقيين والسياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين لـ20 سنة من حكم الملك محمد السادس، لكن القاسم المشترك بينهم هو إقرارهم بكونها مرحلة تتسم بأوراش تنموية كبرى، إلى جانب عدم بلوغ الدولة الديمقراطية المنشودة، في هذا الملف نستقصي آراء شخصيات سياسية وحقوقية ومدنية، ضمن ملفات ستنشر تباعا حول هذا الموضوع.

وفي هذا الصدد، رأى الناشط الأمازيغي أحمد عصيد أن مرحلة حكم الملك محمد السادس تميزت بعدة مفارقات منها التعارض الكبير بين الشعار والممارسة، قائلا “في السنوات الأولى ما بين 99 و2003 تميزت المرحلة برفع شعارات متقدمة حول تحديث الدولة وهياكلها وقوانينها، وكذا رفع شعار المصالحة سواء مع اليسار أو مع المرأة أو مع الأمازيغية أو مع قضية الصحراء، فاقترح القصر في كل هذه الملفات الحساسة خطوات إيجابية ومهمة”.

ونبه الباحث في الثقافة الأمازيغية إلى أنه سرعان ما تبين محدودية هذه الأوراش المفتوحة، مرجعا سبب ذلك إلى ما سماه بـ”فساد المؤسسات، واستحكام العقلية القديمة” المتشكلة في مرحلة الملك الحسن الثاني، والمستمرة في الامتداد داخل الدولة، محملا إياها مسؤولية عرقلة كل المشاريع الطموحة والمتقدمة، واصفا حصيلة كثير من الأوراش المفتوحة، بما فيها ورش التنمية البشرية، بـ”ضئيلة”، بالنظر إلى الطموحات المعلنة.

وأكد عصيد أن منطق السلطة لم يتغير، موضحا أن هناك إصرار على إبعاد القوى السياسية الطليعية، وكل حزب سياسي يتوفر على شرعية ما، أو له امتدادا جماهيريا، قائلا “تسعى السلطة إلى كسر شوكته وتقسيمه وإضعافه، حدث الأمر في بداية حكم الملك الحسن الثاني مع الاتحاد الاشتراكي عام 2002، عندما تم إبعاد اليوسفي، وإضعاف الحزب، وحدث نفس الأمر مع ابن كيران في 2016، عندما تم إبعاده وإضعاف حزبه”.

“سلطوية ناعمة”

واعتبر الفاعل الحقوقي، في تصريح لجريدة “العمق”، أسوأ ما حدث في هذه المرحلة “محاولة استيعاب الوضع لصالح السلطوية بعد حراك 2011″، قائلا “كما لو أن السلطة أرادت تصفية الحساب مع كل من احتج في تلك الفترة، وشعرنا أن هناك قفز على القوانين بشكل واضح، مع محاولة إلجام القوى الحية في البلاد منذ يوليوز 2014”.

وأوضح عصيد أن أساليب السلطة تغيرت، في ما يتعلق بالاعتقال والمحاكمات والاختفاء القسري والتعذيب المنهجي والأساليب الخطيرة المستعملة في سنوات الرصاص، لكنه رأى أن السلطة استبدلتها بأساليب ناعمة، بتجنب المحاكمة السياسية، وأن يوصف معتقلوها بأنهم سياسيون ومعتقلو رأي، مشيرا إلى تلفيق التهم للمعتقلين السياسيين والصحافيين حول حياتهم الخاصة، وحول أمور أخرى ثانوية غير الأسباب الحقيقية للاعتقال.

وخلص عصيد إلى أن هذا الأمور كلها لا يبشر بخير، قائلا “كنا نتمنى أن تستمر الانطلاقة التي بدأت من 99 إلى 2003، وأن نعمل على تحقيق شعارات المجتمع الديمقراطي الحداثي، الذي اختفى من الخطب الملكية منذ 2003″، نافيا وجود خيار مستقبلي قار وحاسم لدى السلطة، موضحا أن هناك تكتيكات ظرفية تجعل السلطة مرتبكة ومضطربة بين هذا المطلب وذاك، وبين هذا الحليف وذاك، وبين هذا القرار وعكسه.

“إصلاح منقوص”

من جهتها، سجلت الأمينة العامة لحزب اليسار الاشتراكي الموحد نبيلة منيب انطلاق مرحلة الملك محمد السادس بنوع من الانفتاح، متجسدا في حكومة التناوب التوافقي، وانفتاح المغرب على مجال الحريات، بالإضافة إلى وضع أسس هيئة الإنصاف والمصالحة لطي صفحة الماضي، وإخراج قانون الأسرة سنة 2004 بتعديل مدونة الأحوال الشخصية لعام 1957، علاوة على إصلاحات طفيفة في مجالات متعلقة بالاقتصاد وغيرة.

وأوضحت القيادية اليسارية، في تصريح لجريدة “العمق”، أن البعض كان يظن أن هذه المرحلة بداية أوراش وإصلاحات كبرى للمغرب ستضع على سكة الديمقراطية، مستدركة أن كل ذلك سيظهر في ما بعد أنه لا يعدو أن يكون سياسة انفتاح من أجل جلب الاستثمارات الخارجية المباشرة، موضحا أن كل هذه الإصلاحات لم تتم بشكل عميق قصد إحداث تغيير مجتمعي يهدف لإصلاح الدولة المغربية.

ورأت منيب أن محطة 2011 مع الربيع الديمقراطي كانت فرصة في منتصف طريق 20 سنة لوضع دستور ديمقراطي، والفصل بين السلط، وتفجير الطاقات الكامنة داخل هذا الوطن من أجل بناء مغرب ديمقراطي حداثي، قائلة “تم الالتفاف على مطالب حركة 20 فبراير، لنحصل على دستور مغاير لدستور 96، يتضمن بعض الايجابيات التي لم تطبق لحد الآن، لكنه جاء لامتصاص غضب الربيع العربي، وبالتالي ليس دستورا ديمقراطيا”.

“عطب تنموي”

وأوضحت منيب أن سنتي 2016 و2017 عرفت إعلان الملك محمد السادس عن فشل النموذج التنموي، مرجعة ذلك إلى فشل المغرب في تحقيق الانتقال الديمقراطي، بالإضافة إلى الخيارات الاقتصادية المؤطرة لهذه المرحلة، مشيرة إلى أنها خيارات تابعة للمؤسسات المانحة، منبهة إلى أن البلاد غارقة في المديونية المتجاوزة لـ90 في المائة من الناتج الداخلي الخام إلى جانب توجهها نحو الخوصصة”.

واعتبرت منيب هذه المرحلة بمثابة “مرحلة للأوراش الكبرى، دون أن تكون مرحلة الدولة الديمقراطية”، موضحة أن المشكل الاجتماعي تفاقم كثيرا بسبب اتساع الفوارق المجالية والاجتماعية، مشيرا إلى امتداد ذلك في أوساط النساء، مؤكدة أن المغرب بقي في ما أسمته بـ”ديمقراطية الواجهة”، عوض بناء الدولة الديمقراطية.

وانتقدت منيب من يقول إن من الايجابيات أن المغرب رغم الفوضى الخلاقة حافظ على استقراره، قائلة “ولكن الاستقرار كي يستمر يجب أن يبنى على العدالة الاجتماعية”، موضحة أن مثل هذا الاستقرار هو الذي من شأنه حفظ البلاد واستقرارها بشكل كبير، متأسفة من أن العدالة الاجتماعية لم تكن في يوم من الأيام خيارا للدولة.

“محاولات نكوصية”

من جهته، رأى القيادي في حزب العدالة والتنمية عزيز أفتاتي أن الأمة المغربية استطاعت طيلة 20 سنة من حكم الملك محمد السادس إفشال محاولات النكوص عن المسار الإصلاحي، داعيا من سماها بـ”التيارات الإصلاحية” إلى مزيد من اليقظة والكفاحية لترجيح كفة الإصلاحات، باعتبار أن هذه الأخيرة لا تأتي عبر التمني.

وقال أفتاتي “رغم ما وقع في 20 سنة من أمور كانت تروم جر المغاربة نحو الخلف، من قبيل عدم اعتماد المنهجية الديمقراطية في نهاية ولاية اليوسفي، بعدم التجديد له رغم احتلال حزبه للمرتبة الأولى، وإحداث حزب البؤس كحزب للدولة، وإزاحة ابن كيران قصد إحداث نوع من الانزياح عن الإصلاحات، يتبين أن المغرب في المجمل متمسك بالخيار الإصلاحي”.

وشدد أفتاتي في تصريح لجريدة “العمق”، على أنه لا بديل عن الخيار الإصلاحي بالمغرب، موضحا أن هذا الاستنتاج ليس نتيجة قناعات فاعل واحد أو جهة واحدة أو مؤسسة واحدة ولكن نتيجة تراكم كفاحات الأمة المغربية، مشيرا إلى أنها تمكنت في كل الأوقات من إفشال محاولات النكوص أو التراجع.

“مكتسبات إصلاحية”

وسرد عضو أمانة حزب “البيجيدي” نماذج كثيرة ساعدت في إفشال عوامل التراجع، ومنها 20 فبراير التي رأى أنها أسهمت في انجاز دستور 2011، والذي ينص على أن الخيار الديمقراطي لا رجعة فيه، وينص لأول مرة على الطبيعة البرلمانية للنظام الملكي إلى جانب الطبيعة الدستورية والديمقراطية الاجتماعية”.

واعتبر أفتاتي من عوامل النجاح الأخرى تحقيق تيار الإصلاح نتائج معتبرة في الانتخابات خلال 3 مناسبات متتابعة، علاوة على عملية المقاطعة التي رأى أنها أنهت أحلام استبدال البؤس القديم ببؤس جديد، إلى جانب تحقيق بعض المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤكد استمرار المسار الإصلاحي السياسي.

وأكد أن مكونات الأمة تتفاعل بشكل إيجابي في كل مرة لقطع الطريق على أي انقلاب على الإصلاح، قائلا “وهذا يعني أننا كأمة لم نحصل على المراد كله لكننا سائرون نحوه ولو ببطء في بعض الأحيان، ولكن في نفس الوقت لم يحسم النكوص شيئا في المغرب، وبالتالي يتبين أن إمكانية الاستمرار راجحة على محاولات الالتفاف والعودة إلى الوراء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *