منتدى العمق

الثورات العربية ستعود وبقوة “مصر، تونس أنموذجا”

سلمت روع (نفسه) ماركس حين قال بأن التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة، ولو سألني أحدكم من أحب العلوم إلى نفسي لإجبته “التاريخ “، ولو أني كنت حاكما لقضيت على الذين لا يقرؤون التاريخ أن يعيدوه ألف مرة وأن يلدغوا من ذات الجحر ألف مرة، حتى يحتووه ويعوه كما يعي الإناء ما به.

كثر هم من يرددوا على مسامعنا أن الثورات العربية باءت بالفشل ولم يكتب لها التوفيق والنجاح، بل وصفها البعض بالخريف العربي عوض الربيع العربي لكونها كانت منبع خطوب وشرور على الأمة العربية، أما أنا فإني أرى من الأجدر أن نعزي ونسلي من يحمل مثل هاته الأفكار، فهو ذو نظر قصير المدى غير مستوعب للماضي وعدو للتاريخ، يحكم على المستقبل دون نظرة سابقة أو أدلة دامغة تعلل حكمه، وشأن هؤلاء شأن من يزرع شتلة زيتون بالأمس وينتظر منها أن تعطي أكلها في الصباح وهذا ضرب من ضروب الخيال والمحال.

هكذا هي الثورة لا تذر ثمارها من الوهلة الأولى، بل هي تراكمات ومراحل، ولكم في ثورة بريطانيا عظة إن كنتم لها دارسون، تلك الثورة التي مرت بمحطات عدة حيث عرفت في المرحلة الأولى صراع بين الارستقراطية والنظام الملكي لأجل توطيد الحريات العامة، وتلتها الثانية بين القرنين 18و19 وخلالها توطدت سلطة البرلمان وأقيمت ركائزه الكلاسيكية، انتهاء بالمرحلة الأخيرة التي بزغت خلال النصف الاول من القرن 20 وحينها أرسيت الديموقراطية على سكتها، ونفس الوضع بالنسية لفرنسا فمنذ قيام ثورة 1789 انقسم الشعب انقساما حادا وعاشت فرنسا تاريخا عصيبا يطبعه عدم الاستقرار على صعيد كل المجالات سواء السياسية منها أو الآجتماعية، فمنذ عام 1789إلى 1875 (86سنة) تتالى على فرنسا 15 نظام سياسي وحدتث فيها 4 ثورات وانقلابين عسكريين (فلترقد روح فولتير وروع فيكتور هوكو في أمن وأمان وسلم وسلام، ذينك الفذين المبجلين اللذين كانا لهما الشأن الأعظم في تخليص الشعوب من الظلم والقهر، إذ وضع الأول اللبنة الأولى للثورة وأسس مبادئها وبنى أركانها وأبى الثاني إلا أن يتمها وينجحها).

أما عن أمريكا التي تقود العالم على توقيت البيض الأبيض فقد نشبت فيها الحرب الأهلية بعد استقلالها عن بريطانيا العظمى منذ 1861 واستمرت لحدود 1865.

هي ثورات أقيمت من شعوب محكورة أصابها الظلم وطالها الحيف وسلبت حقوقها واستعبدت لكنها ثارت ونطقت بكلمة الحرية وحقها في تقرير مصيرها، منها من فشلت في المرة الأولى لكنها ظلت خامدة حتى انبعثت من جديد وثم اغتيالها لمرات عدة إلى أن كللت بالنجاح كما في بريطانيا، ومنها من إعطت ثمارها أكلها في الحين وإن كانت قد استمرت سنون طوال ونجد تطبيق ذلك آنيا في ثورة الياسمين ثورة تونس، التي قاومت وما تزال صامدة في مواجهة ما يحاك حيالها من تكالبات ممن يدعون بمناهضي الثورات وحقوق الشعوب في اختيار حكامها بنفسها لا عنوة عليها.

وعلى هذا النحو فحتى ثورة الرسل والانبياء لم تنجح بين عشية وضحاها فمنها من باءت بالفشل إذ أن موسى على طول دعوته لم يتبعه إلا 50 رجلا، ويحي عليه السلام قتله قومه بفصل رأسه عن جسده، ومحمد عليه السلام الذي لم تدم ثورته طويلا حتى كللت بالنجاح رغم المطبات والاكراهات مقارنة مع بقية الرسل.

صفوة الحديث يمكن القول أن الثورة تحتاج لمن يحميها، فهي شبيهة بالمواشي التي تحتاج لراع يحميها من الذئاب، والراعي بدوره يحتاج للحنكة بواسطة التجربة، فقد يأكل الذئب شاة له في المرة الأولى، ويتكرر المشهد لمرات لكن بطول المدة يكتسب الخبرة ويعرف كيف يحمي قطيعه، كذلك الشعوب قد تسرق منها الثورة مرة أو مرتين لكن سيأتي يوم فيه يعرفون كيف يحمونها من السرقة والضياع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 5 سنوات

    أصبت أخاي الفريش