وجهة نظر

ثورة ناعمة بلبنان

مما ميز الحراك اللبناني عن الحراكات العربية كونه حراكا ناعما بدرجة أولى لحد أن جمال اللبنانيات الذي أطل علينا فجأة من على الشاشات العالمية قد أنسانا رتابة بعض الثورات، بل و غطى احيانا حتى على مطالب الشارع الثائر ببيروت وباقي المدن ، وعلى التفاصيل السياسية المواكبة للحراك . مما جعل الكثير من المتابعين والمغردين العرب غير ملتفتين لاقتراحات سعد الحريري، متشوفين فقط الى دوام الثورة اللبنانية، ففي رأيهم، هي ثورة ممتعة جدا وجذابة جدا وجميلة جدا …عبارة عن كرنفال حقيقي: اوشام ورقص وموسيقى وغناء .

لقد كانت التظاهرات في الساحات والميادين فرصة لكي تبرز المرأة اللبنانية قوتها وقدرتها على التأثير ليس فقط بعنفوانها وصلابتها التي لاتنكسر ،أو بمواجهتها للعسكر والشرطة . ولكن ايضا برجاحة تصريحاتها ،و فتنتها، وجمالها ،وغنجها، وانوثتها البالغة كما يغنى كاظم الساهر . وأحيانا بتعليقاتها الواقعية جدا ،وهي تشتكي امام الكاميرا كيف حرمها الفساد من المصروف الذي تتعهد به هذا الجمال الذي حباها به الله بالصيانة. ولا شيء يحز في النفس طبعا اكثر من جميلة لا تجد كيف تبرز جمالها .

ولقد ذكرني منظرها وهي تهتف برحيل كل الطبقة السياسية المتقاعسة جنبا إلى جنب مع الرجل، أو و هي تحتج ضد الفساد ،و ضد تواطؤ الزعامات الطائفية على سلب المستقبل من الشباب اللبناني، بمقال للأديب المصري يوسف زيدان كان قد جعله بعنوان:” الثورة اذا لم تؤنث لا يعول عليها “.وهاهي الثورة اللبنانية تنطلق مؤنثة من الوهلة الأولى. فهل قدرها النجاح مسبقا؟.

خروج المرأة أو نزولها الى الشارع لتحتج دليل على أن الثورة بلبنان صارت اكثر من ضرورة . وأنها قرار مجمع عليه بين اللبنانيين .فالمرأة بطبيعتها هي اكثر محافظة وأكثر حرصا على الاستقرار .وعندما تتظاهر وتقرر أن تهتف في الميادين فمعناه أن الأزمة فعلا حقيقية، وقد بلغت الدرجة القصوى، وأنه لابد من فعل شيء يرد الطمأنينة الى النفوس وأولها نفس المرأة التي تؤثر سعادتها ورضاها في الكل .

من المؤكد أن للمرأة اللبنانية دورا لاحما لصفوف الثورة في لبنان… دورا تعبويا في البداية لايلبث أن يتحول إلى دور ملهم لأشكال وتعابير النضال التي تبين الآن أن المرأة اللبنانية تبدع فيها اكثر من الرجل: رقص وأغاني وموسيقى صاخبة .. فهي تضفي مسحة من الجمال والحسن ومن الحميمية على الثورة …..تجعلها اكثر اقتدارا و ثباثا في وجه السلطة و ضغطا على أعصابها ،وأكثر إصرارا على الاستمرار في الزمن لحين انتزاع الحقوق… تزودها بالثقة في النصر .جمال اللبنانيات الباهر الذي ترصعه حلاوة الروح و تنضح به اللكنة اللبنانية المحببة للنفوس تجعل هذا الحراك يستحق بجدارة لقب الحراك الأحلى خلال كل الربيع العربي وربما خلال كل التاريخ العربي .

أن تعضد المرأة الرجل في مثل هذه الملاحم أمر له اكثر من معنى .وأولها أن المجتمع يثور كاملا بنصفيه .هذا النصف اللطيف يمنع النصف الآخر من التراجع ويزيد من إقدامه. إنه ينقل له بيته الى الشارع و الى ساحات التظاهر ليصبحا مؤقتا بيته الحالي الى ان تتنتصر الثورة . الم يكن العرب يصحبون احيانا نساءهم للحرب لكي يمنعو انفسهم من الفرار وليجبرنهم على الصمود من أجل النصر ؟؟.

المرأة اللبنانية خرجت بكل أعمارها :بنات وشابات وأمهات وجدات ،وبكل الشعيرات والنجوم فيها وبكل طبقاتها رغم أن الصور المبثوثة عبر قنوات العالم للنساء اللبنانيات لا تنبئ عن أية فوارق طبقية، فعل الأقل توزع الاناقة والجمال هناك بذاك البلد العربي الجميل بالقسطأس على خلاف الامتيازات والربع التي يستأثر بها دهاقنة وعرابوا الطائفية .

والحقيقة أن أكبر خطر يهدد هذه الثورة كونها تجري في مجتمع تنخره الطائفية التي تتعهدها الطبقة السياسية برمتها .لكن المرأة اللبنانية هي الترياق لهذا الداء الخبيث .فاذا كان الرجل قارا في طائفته التي ينتمي إليها لانه يبعث فيها . فالأنثى بطبيعتها عابرة للطوائف، هي رسول السلام بين الطوائف التي تعجن في رحمها الامشاج المختلفة والتي تنشئ بتربيتها وطنا موحدا يسمو عن كل التمايزات. هي من يكبر كل الشعب على يديها .واذا كفرت هي بالطائفية فان كل الشعب سيكفر بها .وهذا أول درج في سلم التغيير بلبنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *