منتدى العمق

الحركات الاحتجاجية.. قراءة مغربية

يشهد العالم كل سنة احتجاجات متعددة ومتنوعة، وكذلك حدث هذه السنة المشرفة على المغادرة، والمغرب لم يكن بمعزل عن تنامي موجة الاحتجاجات التي تختلف مواضيعها من مطالب اجتماعية، وسياسية واقتصادية … وتلتقي في الجهة المرسل إليها، إلا أنه لا يمكن الجزم بكون كثرة الاحتجاجات لها الأثر البالغ في سياسة الدولة، فما هو مفهوم الاحتجاجات ؟

الاحتجاجات كمفهوم باختصار هي طريقة للتعبير عن رأي جماعة أو مطالب اجتماعية، ووسيلة لتبليغ رسالة رأي عام إلى جهة تسهر على حماية ورعاية مصالح وشؤون العامة، ويكون بأشكال متنوعة؛ منها تقديم عرائض, تنديدات, رفع دعوات, والخروج إلى الشارع في شكل مظاهرات , وهذه الأخيرة تعتبر أنجع طريقة للوصول إلى الأهداف المسطرة والمرجوة من فعل الاحتجاجات ..

إلا أن هذه الاحتجاجات تقابل بواقعين لا نرى أن لهما ثالث فعلي، واقع بالرفض وآخر بالقبول والرفض على نوعين وكذلك القبول ..

أما الرفض فيكون بالمنع ويكون بالتجاهل على نهج ” صم بكم عمي ” حتى تخمد شرارة الاحتجاج ..

أما القبول فيكون بإقرار المطالب ومحاولة دراستها لتحديد مدى انسجامها مع السياسة المسطرة في البرنامج الحكومي، ويكون مآلها إلى وجهتين؛ الأرشيف لتخزينها، أو التطبيق على أرض الواقع، وهو ما يحقق هدف الاحتجاج، إلا أنه يكاد يغيب التنزيل في جل سياسات الدول العربية على عمومها ..

فلا تجد هذه الاحتجاجات بالرغم من ارتفاع منسوبها وزيادة مرتاديها قبولا وترحيبا، إلا بالنسبة التي ترى المصالح المعنية بالحفاظ على النظام العام أنها لن تزيد من القوة المادية والمعنوية لكل حركة مجتمعية، وبهدف تيئيس كل محاولة للانطلاق نحو رفع مطالب أخرى في شكل احتجاجات فتصير هزيلة الرواد، خائبة المسعى، تجر ذيول الخيبة وراءها، ليصبح ضرورة على كل من أراد الاحتجاج التفكير مليا وأخذ نفس عميق لأنه لن يكون في مواجهة مع الدولة مباشرة، وإنما في نزال طويل مع الزمن …

وهذا ليس واقعا مغربيا خالصا، كلا بل هو واقع الدول العربية جملة؛ التي تستغل الزمن في مواجهة الاحتجاجات وبالأخص السلمية منها حتى يخمد لهيبها، أما الغير السلمية فالقانون والواقع يفرض على الدول استعمال القوة حتى تحافظ على السلم والأمن المجتمعيين .

والحكومة المغربية كان لها أسلوبا فريدا في التعامل مع الاحتجاجات التي عرفتها سنة 2019 المشرفة على الرحيل في مختلف القطاعات، ولا نرى بأسا أن نعرج على بعضها :

• القطاع التعليمي :

مع توالي السنوات مددت الحكومة المغربية من التوقيت الصيفي ليصير إلى نصف سنوي، قبل أن تقرر على حين غرة من إعلانها الرجوع إلى توقيت غرينتش اعتماد الساعة المضافة على طول السنة، وهو ما لم يستسغه معظم المغاربة، مما أدى إلى خروج مجموعة من التلاميذ في أكثر من 130 مدينة للاحتجاج على قرار الزيادة، رافعين شعارات مثل ” ماتقيسش ساعتي ” و ” لا للتوقيت الصيفي ” … مطالبين الحكومة العدول عن هذا القرار، إلا أن الحكومة في ظل موجة هذه الاحتجاجات ارتأت أخذ العصا من الوسط، وقررت إضافة نصف ساعة لتوقيت دخول وخروج التلاميذ المتمدرسين ومن في محورهم .

• القطاع التجاري :

عرفت مدينة الدارالبيضاء حركة احتجاجية للتجار الذين رفضوا محاولة الحكومة تنزيل نظام ضريبي في حقهم، محتجين بمساس مصالحهم والإضرار بها، فتوسعت الاحتجاجات بشكل منظم ومتسارع في عدة مدن مغربية، ولم يكن للحكومة أمام هذه الموجة إلا أن تعقد لقاءات مع ممثلين للتجار وتم الاتفاق على رفع لهذه الضرائب في هذه المرحلة الأولية.

• القطاع الصحي :

يعاني القطاع الصحي بالمغرب معاناة يصعب وصفها في أسطر قليلة، لا من حيث قلة الموارد البشرية، ولا من حيث ندرة التجهيزات الطبية في المستشفيات العمومية، ولا من حيث تأخر معالجة المريض بفعل الاكتظاظ في المستشفيات؛ مما يزيد على معاناة المريض الجسدية معاناة أخرى نفسية .. وتزداد المعاناة سوء كلما ابتعدنا عن محور الدارالبيضاء القنيطرة ..

وغير بعيد عن القطاع قام طلبة الطب وطب الأسنان بخوض إضراب مفتوح يومه 25 مارس 2019 رفضا لقرارات تؤدي إلى خوصصة قطاع التعليم العالي والتكوين الطبي العمومي، وكذا العشوائية التي واكبت تنزيل مشروع كليات الطب الخاصة، والشراكات المبرمة مع الجامعات العمومية … الخ

إلا أنه لم يتم التعامل مع هذه الاحتجاجات بتقديم حلول ملموسة ورسمية تحد من تناميها، فقط وساطة وزارة الداخلية بين المحتجين والجهات الحكومية المسؤولة والتي ارتأت تأسيس لجنة وزارية للبحث عن حلول توافق الطرفين.

• القطاع القانوني :

من أكثر المواد إثارة للجدل سنة 2019 المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020 والتي أثارت حفيظة مجموعة من المهتمين بتداعيات النصوص القانونية على الفئات الاجتماعية في رؤية استباقية للوقائع اللاحقة للتشريع، مما جعل الائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان ومحامو المملكة الخروج في وقفة احتجاجية؛ للضغط على الحكومة كي تتراجع عن إدراج المادة ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2020، سعيا من هذه الهيآت التعرض لكل المبادرات الرامية للتطاول على الأحكام القضائية، واستبداد الدولة ضد المتقاضين .

في تتبع لدينامية الاحتجاجات بالمغرب يستخلص الملاحظ أن جهات القرار قلما تستجيب للمطالب المرفوعة إليها، وإذا استجابت تكون سلبية غير متوافقة مع المطالب.

والنموذج الذي وضعه دافيد ايستون لتحليل النظم السياسية يستعصي اعتماده في قراءة لتفاعلات الحكومة مع الاحتجاجات بالمغرب، فعند محاولة الاحتجاجات إيصال المطالب إلى الجهات الحكومية أو بالأحرى الجهة صانعة القرار؛ لا تجد منفذا إلى علبة المعالجة، وتبقى هذه الأخيرة مغلقة أمام المطالب، أو تستقبلها إلا أنها لا تترجمها إلى واقع فعلي، لا بالإيجاب ولا بالرفض، وفي حالة وصول المطالب إلى الجهة المعنية، وقبولها مبدئيا ففي صياغة المخرجات تكون غير مجيبة عن تطلعات المحتج (المجتمع)، وهو ما يتحول إلى سبب من أسباب زيادة نسبة الاحتجاجات؛ لما يراه الفاعل المجتمعي تبخيصا لحقه الطبيعي والقانوني في توجيه المطالب والمشاركة بتيليغ المشاكل قصد إيجاد حلول لها من الفاعل السياسي، فيحدث الاضطراب تارة أخرى وقد ينجم عنه تدافع مجتمعي بسبب أنصار الفاعل السياسي صانع القرار وبين أنصار الطبقة الاجتماعية الرافضة لسياسات الفاعل السياسي ..

وهكذا دائرة الاحتجاجات ليس في المغرب فقط ؛ وإنما في المنطقة العربية عموما .

* باحث في التواصل السياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *