وجهة نظر

متى نطالب بسبتة ومليلية؟

ما الساعة ؟
ماذا اعددنا لها ؟

قبل الجواب على هذا السؤال الثلاتي المزعج للساسة وصانعي القرار بالمغرب وللجارة الايبرية الجميلة –اسبانيا-بما تربطها من علاقات دم وصداقة تجاوزت قرونا من الأزمنة الممتدة ،وكما يحلو لروبير طوميسا ان يعبر على ان مشكلة مدينتي سبتة ومليلية ليس بالنسبة لي ظاهرة معزولة ،لكنه يعتبره ملفا هاما داخل الاطار الشمولي لمجموع العلاقات الاسبانية المغربية الذي لم تسلط عليه بعد الأضواء الكافية ،كما السياسة الخارجية لاسبانيا لم ترقى بعد الى القيام بدورها الأوروبي الغربي المنوط بها ،ويؤكد على ان علاقات المغرب باسبانيا هي خليط من النزاعات يربطها في ذلك حب متناقض ،أي ان الأولوية كانت تعطى في بعض الأحيان لمصالح قومية خاصة وضيقة جدا .

لا بد ان نعرف لجيلنا الصاعد قصة سبتة ومليلية بما يسمح فيه المقال من لمحة في أمهات الكتب التاريخية التي وصفت الواقعة بتفصيل دقيق ،يفنذ ادعاءات الاسبان بالحيازة الشرعية لتراب مغربي متواجد في ارض وسيادة مغربية طول تاريخ دولة المغرب بتنوع رموزها واختلافهم .

من هنا ابتدأت القصة

في القرن 15 م ،اشتد النزاع السياسي بالمغرب ومع ظهور ثورات داخلية وامام هذا الوضع الذي اتسم بضعف الحماية للشواطئ المغربية تسللت القوات البرتغالية في خلسة الى الشواطئ المغربية بشمالها لتبدا بسيطرة كاملة على مجموع من النقط الاستراتيجية ومنها سبتة ومليلية .

ولذلك فسبتة المدينة التي تقع على ارض قبيلة انجرة في الشمال الغربي من المغرب ،واحتلت في أول الامر يوم 21غشت 1415م من طرف البرتغال وفي 1640 استولت اسبانيا على المدينة وبقيت تحت احتلالها نتيجة صلح وقع بين البرتغال واسبانيا ،وتذكروا معي ان هذه الحقائق موجودة عند الاسبانين بأنفسهم وهذا ماجاء في احد كتب المؤرخ المرحوم بن عزوز حكيم وهي وثائق اسبانية بحجج قطعية تجعل سلوك المطالب بالارجاع يؤسس له بالحجة والوثيقة القانونية الصريحة .ونفس الأمر وقع مع مدينة تامليلت وهي كذلك لم تحتل من طرف اسبانيا أول الأمر ،بل تم الاستيلاء عليها بالقوة من البرتغال وتم تسليمها للاسبان في 1556م.

وقد عرفت قضية الاحتلال الاسباني منذ بدايته كسرطاني جيواستراتيجي للمغرب منذ القدم، حيث قام الملوك المغاربة بمقاومة سلمية وعسكرية، ليبقى سؤال المقاومة والمطالبة جزء من تأكيد مغربية المدينيتن .

وسلوك الاحتلال الاسباني قديم ومتجدد في نفس الوقت، نتائجه تبدو واضحة في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وادامة هذا السلوك المدعم من طرف العديد من الأطراف، يجعل سؤال تصفية الاستعمار حاضرا في نسق العلاقات المغربية الاسبانية والأوروبية.

وادعاء اسبانيا بان مفهوم الدولة لا ينطبق على المغرب في تلك الفترة، وهذا محض افتراء على اعتبار ان الغوص في تاريخ الدولة وعلاقاتها مع العالم الخارجي، يظهر ان المغرب كان دولة وملكا وشعبا ذو اثر وقوة في التاريخ المتوسطي الذي كان اكثر حيوية ونشاطا في تاريخ العلاقات الدولية.

متى نطالب بسبتة ومليلية؟

هذا السؤال يولد سؤالا فرعيا نتحدث فيه عن كم من الوقت قد ضيعنا نحن المغاربة ،شعبا وحكومة للمطالبة باسترجاع سبتة ومليلية ،وهل التحرير والنضال من أجل ذلك ،هو ورقة في يد الساسة ؟

مازلت أتذكر حوارا قصيرا مع ذ.بن عزوز حكيم حول تصفية الاستعمار حيث قال لي ان المغرب ارسل خطابا الى هيئة الأمم المتحدة وبالضبط الى رئيس لجنة تصفية الاستعمار الأممية بتاريخ 1975،ومن اهم نقاطه الأساسية :

ان الاستعمار مازال في وضعية أجزاء المغرب –سبتة ومليلىة والجزر-وان هناك تشابه بين وضعية جبل طارق بوضعية المناطق المحتلة بالمغرب، وعدم تخلي المغرب على جزء من أرضه وخاصة بعد الاتفاق الاسباني المغربي لسنة 1956وقد واصلت المفاوضات من أجل ارجاع كل المدن المحتلة وخاصة الجنوبية –الصحراء-وكذلك المدن الشمالية. وكما ان اللجوء الى لجنة تصفية الاستعمار للقرار رقم 1654المؤرخ 27نونبر 1961المنشألها باعتبار أن هاته المسألة المطروحة تدخل في اختصاص هذه اللجنة .

ومن خلال تتبع بعض السوابق القانونية الدولية في هذا المجال، نجد ان ابريطانيا قامت بتسليم هونغ كونغ لأصحابها بعدما احتلتها سنة 1841وقد وقعت مفاوضات بين السلطة الاستعمارية ودولة الصين سنة 1984انتهت بتسليم هونغ كونغ سنة 1997 مقابل تعهد الصين بالإبقاء على الرأسمالية لمدة 50سنة وعندما ينتهي الاحتلال البريطاني لهذه الجزيرة سوف تتمتع باستقلال ذاتي ودستور خاص بها مع الاحتفاظ حكومة بكين بتسيير الديبلوماسية والدفاع ويكون لها الحق في تعيين حاكم المدينة بعد استشارة المنظمات النيابية المحلية.ونفس الامر كان مع جزيرة مكاو التي كانت محتلة من طرف البرتغال .

وعن سؤال المطلب وكيفية التسليم طرحت مسألتين :أولهما مرتبطة بما سمي بالاندماج الاقتصادي حيث يراهن المغرب على الشراكة المتوسطية كخيار استراتيجي للاقلاع الاقتصادي ومعالجة العديد من المشاكل الاجتماعية ،ولذلك نتساءل ماذا يمكن ان تقدم هاتين المدينتين للاندماج التدريجي في النسق الأوروبي؟لقد قدم المغرب مقترح لجنة تفكير في مستقبل المنطقة ،وبقيت الفكرة فكرة ،ومع تزايد الفجوة وتحول الامر الى الصعيد الاروبي والحلف الأطلسي ،بدأ خيار تأسيس نفس المطالبة برؤية قانونية وتاريخية ودبلوماسية ،على اعتبار ان المغرب حليف استراتيجي بالمنطقة ومن شان هاتين النقطتين ان تكون بداية لتصحيح المسار بين الجارين .ومسالة أخرى مرتبطة بتاهيل المدينتين وتأسيس لفضاء سياحي بالمنطقة المتوسطية ،وكان هذا الامر مثار نقاش سرعان ما توقف ،لكن يبقى السؤال الشائك هو ان اهم المشاكل التي تؤرق الجارة الاروبية مرتبطة بالوضعية السوداء للمدينتين ،وخاصة مشكل الاتجار بالبشر والتهريب والهجرة السرية ،ولذلك اصبح من المفروض ان نربط الخيارات الأمنية بنقاش في وضعية المدينتين على اعتبار ان المغرب قد اصبح انموذج في السياسات الاستباقية والأمنية للتصدي مثل هاته الإشكالات .

ماذا اعددنا لها ؟

وهذا السؤال الاستراتيجي يجسد بالفعل تشخيص الوضع ويساءل الرسمي وغير الرسمي ،ولذلك لابد ان نعرج على تعريف بسيط للاستعمار ساقه ذ.احمد العماري ،والذي يهدف الى اطلاق للتقنيات وتعتيم للخلفيات .ولذلك يبرز سؤال الاعداد في التوفر على رؤية استراتيجية شاملة والاستعداد بالمفهوم الحضاري الشامل للكلمة ،وهو مصطلح موقف وعليه كانت الامة استعداد تعين عليها التبحر في كل الفنون والعلوم وعليه وداخل الصراع الحربي نشأت الحداثة ،ولكن مفهومها ومضمونها غامض .وهذا الاستعمار هو جزء من الاستعمار العام للوطن العربي ككل،وهوكان يهدف الى اطلاق لبعض التقنيات عن طريق التغلغل في البنية الحضارية الإسلامية وخلخلتها واغراء مثل شعارات –التحضر ،التجدد ،الإصلاح،النظام –وفي معرفة نظرية الغزو الأوروبي للعالم الإسلامي لا بد من فهم تشكل الحداثة كبناء مفاهيمي داخل المنظومة التاريخية للفكر المسيحي ،ولذلك نميل الى الرأي الذي يقول بأن بداية التاريخ الحديث بدأ بسقوط القسطنطينية في يد السلطان محمد الفاتح العثماني سنة 1453 م،أو بسقوط غرناطة آخر معقل إسلامي في الاندلس سنة 1492م،وهو تاريخ اكتشاف القارة الامريكية الجديدة الذي نتج بدوره عن عملية الحصار الذي كان العالم المسيحي قد قرر القيام بها ضد العالم الإسلامي ،فانتهت عملية الحصار هذه بمفاجآت في عملية الكشوفات خلال البحث عن طريق بديل للطريق الذي يمرعبر العالم الإسلامي ،وعليه فالمرحلة الأولى كانت بتوطين الاندلسيين خارج أروبا ،وذلك باستيلاء على بعض الجيوب المغربية البحرية لتكون كأبراج مراقبة لاسبانيا لتحركات المغرب البحرية ،مما نتج عنه استيلاء على سبتة ومليلية وبعض الموانئ البحرية .

وفي تجليات الاستعداد يأتي اطلاق للحريات وقبض على المفسدات وإصلاح للبنيات ،فحينما نتحدث عن اطلاق للحريات نقف على كلمة مازالت راسخة في التاريخ الإسلامي قولة الرسول صلى الله عليه وسلم :”اذهبوا أنتم الطلقاء”،ولذلك فالمفهوم الشامل للاستعداد في جانبه الاستراتيجي يجعل مبدأ الحرية أساسي في الاستعداد لأنه بدون هذاالشرط تصبح جميع البرامج الإصلاحية غير قادرة على الانطلاق ،ولذلك تبقى الحرية عامل أساسي في التغيير بما فيه من إرادة وتحقيق للمطالب المجتمعية .كما ان قبض المفسدات مرتبط بإرادة سياسية لمكافحة كل اشكال الفساد التي تنخر البلاد والعباد ،كما ان اصلاح البنيات مرتبط بتوفر استراتيجية واضحة المعالم لتنزيل حقل الجهوية المتقدمة بما يضمن تنافسية مجالية وتقاسم الثراوات واستثمارها بشكل يساهم في التنمية والرخاء.كما انه يبقى سؤال الانتماء مرتبط بعامل الهوية واستحضار جوانب الثقافة المغربية الحاضرة في المدينتين بما يضمن استمرارية الوجود المغربي الذي تسعى الإدارة الاستعمارية طمسه من الوجود.

لذلك يبقى السؤال مشروعا ويبقى الجواب مفتوحا عىلى التغيرات الجيواستراتيجية لأن قدرة الشعوب لا تقدر ولا يمكن فهم حركيتها ،ولذلك ربما نتحدث عن تاريخ جديد يصنع بالمغرب بنظرة شمولية إصلاحية واسعة تجعل الجارة الاسبانية التي كانت مهيأة من ان تسلم المدينتين في وقت من الأوقات خصوصا وان تكاليف ومالية الحكومة الوطنية على المدينتين اللتان تتمتعان باستقلال ذاتي ازدادت اكثر من اللازم خصوصا مع تزايد الازمة الاقتصادية الاسبانية .

ولذلك اصبح المغرب مهيئا سياسيا ودوليا في ان يجعل هذا الملف يطفو في الساحة على اعتباران طموح وطمع الجيران في المغرب ،يجب ان يواجه بسياسة تتسم بالمرونة والواقعية ،لتبقى القضية الوطنية في ابعادها الحضارية قضية مصير ووجود وانتماء لهذا الوطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *