مجتمع

من المغرب المنسي لعاصمة الأنوار.. “مقصيون” يحكون آثار إلغاء مباراة توظيف

سعيدة مليح

“انهار الحلم بقرار إلغاء الوزارة، وتوديع شبح البطالة بات بالنسبة لي كابوسا يرعبني، ورحلاتي من قرية صغيرة نواحي ميدلت، إلى العاصمة الرباط، كانت متعبة ومكلفة جدا”، هكذا استرسلت نوال، موظفة جديدة “مقصية”، في سرد معاناتها وألمها بعد الأمل.

ذرفت نوال دموعا حارقة، وجاريناها أمهات من داخل القاعة، لتردف بالقول: “درست لسنوات، وفي أي عطلة متاحة كنت أوفر مال قضاء حوائجي الأساسية، بالعمل في جني التفاح”، وأشارت إلى فرحتها العارمة بنجاحها في اجتياز المباراة، وإحساسها بالخيبة جراء خبر قرار الإلغاء.

بعد 52 يوما من احتجاج المعروفين إعلاميا باسم “الموظفين الجدد”، بسبب القرار القاضي بإلغاء مباراة وزارة الشباب والرياضة، لـ95 موظفا ناجحا، بعدما اجتازوا كلا من الاختبارين الكتابي والشفوي والإعلان عن النتائج النهائية يوم 4 أكتوبر 2019، نظمت أمس الجمعة، ندوة صحفية في موضوع “إشكالية الموظفين الجدد وكرونولوجيا الإلغاء بين المقاربة القانونية والآثار السيكواجتماعية”.

الندوة التي أقيمت بالمقر المركزي في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، ناقشت بشكل تفصيلي مخلفات قرار إلغاء الموظفون الجدد بوزارة الثقافة والشباب والرياضة، قطاع الشباب والرياضة، برسم السنة المالية 2019، ودلالاته من الزاوية القانونية والاجتماعية والنفسية،على الموظف المقصي وعائلته.

الموظفون الجدد المنتمين لربوع المملكة، يقولون إنهم مقصيون من التعيين بقرار وزاري، بعد استفادتهم من دورة تكوينية بمقر وزارة الشباب والرياضة لأسبوعين، وخضوعهم للفحص الطبي يوم 8 نونبر 2019، مشيرين إلى استوفائهم جميع مساطر إجراءات التوظيف، بالإضافة إلى تقديم البعض لاستقالاتهم من مهنهم الحرة والخاصة والعمومية بطلب من الوزارة ومديرة الموارد البشرية، من أجل إتمام إجراءات التوظيف.

وأعلن الموظفون المذكورون أنهم “فوجئوا بقرار إقصائهم بعدما حددت الوزارة تاريخ التعيينات يوم 2 دجنبر 2019، في وقت سابق وبعد تأجيلات متكررة غير معللة”، وفقا لشكواهم في الندوو الصحفية.

وقال عبد الباسط سيبا، موظف “جديد مقصي”: “إننا فقدنا الثقة في القرارات الإدارية، بعد إعادة تصحيح الأوراق بدون قرار وزاري معلن عليه في موقع الوزارة”، ويضيف “أرسلنا للإدارة المعنية أكثر من 30 مراسلة قصد فتح حوار حول أسباب هذا الإلغاء، ننل سوى التماطل والصمت”.

وأردف سيبا “توصلنا ببلاغ غير متناسق ولا مفهوم، فوقعت لأغلبنا حالات انهيار، في مساء محطم لآمالنا جميعا”، مشتكيا بالقول “لا يمكن بناء علاقة تواصل وتشارك مع الإدارة في ظل وجود مثل هذه القرارات، من وزارة هي الأقرب للمجتمع المدني من باقي الوزارات”.

ويختم سيبا: “مستمرين في احتجاجنا، بعد أن خضنا إضرابا إنذاريا عن الطعام ليوم واحد، قصد الاستمرار في الاحتجاج بشكل سلمي وحضاري، وكلنا ثقة في القضاء الإداري، رغم أننا للأسف الشديد بدأنا نفقد توازننا النفسي”.

من جهته، عبد الحميد بلقاسم موظف جديد، تحدث بالتفصيل عن الآثار السيكواجتماعية التي خلفها “القرار المشؤوم”، ويؤيد المتحدث السابق في مسألة فقدان الثقة في الإدارة، ويشدد على أن “أكثر من 80 في المائة من الموظفين الجدد، فقدوا الثقة في الوزارة، والدليل على ذلك رفضنا لاجتياز المباراة من جديد بعد الامتحان الكتابي، والشفوي، والفحص الطبي، والتكوين”.

وفي سياق سرده للآثار النفسية لقرار إلغاء المباراة، أشار عبد الحميد لحالات “تزوجت بعد إعلان النتائج، لتبدأ حياة بمسؤولية، وحالات لأشخاص آخرين قدموا استقالاتهم من القطاع العام والخاص، فضلا عن سيدة أجهضت وليدها لتصاب باكتئاب صدمة ما بعد البلاغ”.

واعتبر عبد الحميد أن “هذا بلاغ كارثي، بل هو البؤس بعينه، نحن الآن في مغرب الديمقراطية التشاركية، واستحضار الانسان في القرار”، مضيفا أن “هذا القرار يضرب كل توجهات المغرب انطلاقا من مقتضيات دستور 2011، لا يمكن ضرب الفساد بضرب ولاد الشعب، أين هي ربط المسؤولية بالمحاسبة”.

ووجه عبد الحميد كلمة للوزير المعني، باسم الموظفين الجدد بالقول “السيد الوزير إلا لقيتو مشكل في الأوراق، فلكم أن تحاسبوا اللجنة المسؤولة عن للتصحيح، ماشي حنا، ليس لنا ذنب، ما هكذا يعامل المواطن السيد الوزير “.

وأردف المتحدث نفسه بالقول: “لا نود الشكوى، ولا الظهور في موقع المظلومية، لكنه الواقع”، متسائلا: “كيف تقوم يا الوزير بإلغاء المباراة بناء على 60 شكاية من المترشحين، من أصل 935 مترشح للوزارة وتلغي على ضوئها 95 موظفا”.

وأعرب محمد الأزهري، وهو فاعل حقوقي بالعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، عن تأثره بقرار إلغاء المباراة بالقول: “شيء مؤثر ومحزن أن نكون في دولة فيها هذا العبث، هناك أعطاب كبيرة في تدبير المرافق العمومية في المغرب”.

وأضاف الأزهري “حين يأتي وزير ويلغي ما تم في عهد الوزير السابق، يجب استدعاء الوزير السابق والكاتبة العامة ومديرة الموارد البشرية أمام المحكمة، لأنه رغم كل شيء، ليس له الحق في إلغاء المباراة، بل له الحق في محاسبة المسؤولين”، مشددا على أنه “يجب التراجع عن قرار الإلغاء، وتقديم اعتذار لكم عن الآثار النفسية التي تعانون منها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *