منوعات

“خويا براهيم”.. من قاطع طريق إلى “ولي صالح” يستقطب ضريحه الزوار

مصطفى ملو

عند قدم جبل بوكافر الذي كان مسرحا لواحدة من أشهر المعارك في تاريخ المغرب، والتي كانت بين قبيلة أيت عطا من جهة وفرنسا التي استعملت فيها أطنان القنابل والرصاص وآلاف الجنود والطائرات من جهة أخرى، وعلى مقربة من مكان يسمى أنقجي، يتربع ضريح الولي الصالح “«خويا براهيم»” الذي لم يكن سوى قاطع طريق لا يرحم قبل أن يخرجه الله من الظلمات إلى النور.

تلخص الروايات الشفوية المتداولة، المتفقة في المضمون والمختلفة فقط في بعض التفاصيل الثانوية قصة «خويا براهيم» المنحدر من قبيلة أيت بوداود العطاوية في أنه كان قاطع طريق من الدرجة الممتازة وكان أكبر ضحاياه من الرحل العزل.

ذات يوم وبينما كان «خويا براهيم» يتنقل في تلك الفجاج باحثا عن ضحية جديدة إذا به يسمع صراخ رضيع يبدو أنه ولد لتوه مع رائحة كريهة تزكم الأنفاس.
قصد «خويا براهيم» الخيمة التي صدر منها عويل الرضيع ليستكشف الأمر، يتلصص، فإذا به يرى من ثقب في الخيمة امرأة نفساء ومعها رضيعها وهي تشوي جلدا يستعمل للجلوس يسمى محليا(تاهيطروت=الهيدورة) لتسد رمقها وتكبح غريزة الجوع فيها وتروي عطشها للحم المشوي (في رواية أخرى كانت تشوي جلدا يستعمل لخبز الخبز ويسمى أكليم).

رق قلب «خويا براهيم» لحال المرأة الحديثة الوضع فخرج يبحث عن كبش سمين ليطعمها منه، ولأنه لص خبير، فإن الأمر لم يصعب عليه كثيرا، إذ سرعان ما عاد محملا بالخروف، و سرعان ما ذبحه وسلخه وبسرعة البرق بدأ بتقديم أسياخ الشواء للمرأة الجائعة حتى نالت الشبع.

مع كل “سفود” يقدم لها، كانت المرأة النفساء تدعو الله أن يجعل قبر «خويا براهيم» بعد موته روضة تزار وينبت الزهر عليه ويجعل عصاه التي يتوكأ عليها جالبة للبركات دافعة للمضرات.

بعد تلك الحادثة قرر «خويا براهيم» أن يتوب إلى ربه توبة نصوحا بعد حياة الظلم واللصوصية والعجرفة فعبرت شهرته الأفاق وانتشرت أخبار توبته لتملأ الدنيا وتشغل الناس، فصار مصلحا تقيا ورعا مهمته نشر الخير وإصلاح ذات البين بين المتنازعين والدعوة للمهمومين والمكروبين.

بعد وفاته أقام له أتباعه ضريحا في سفح جبل بوكافر تحول فيما بعد إلى مزار تفد إليه الحشود من أيت عطا وغيرها من كل فج عميق، بين عاقر تنشد ولدا وعانس ترجو زوجا ومريض يطلب شفاء.

إلى «خويا براهيم» كانت تساق العجول والأكباش، حيث يتصادف موسم الزيارة الرسمية مع ليلة القدر من كل سنة، بينما الزيارات العادية لا تنقطع على مدار العام، من تازارين وتافيلالت ودرا. . . يحج الحجيج فتذبح القرابين على باب بيته الذي من دخله كان آمنا ويطعم الجائع والمسكين وابن السبيل.

تقتضي طقوس الزيارة نزع الحذاء عند مدخل الضريح مع حضور النية والإيمان الذي يجب ألا تشوبه ذرة شك من أن الحاجة والغرض الذي جيء من أجله مقضيان لا ريب، أما إن ساورتك الشكوك فأنت خائب من البداية، ثم يقصد الحاج أو الحاجة عصا «خويا براهيم» التي هي السر في جلب تلك الوفود.

إذا كان سيدنا موسى قد شق بعصاه التي كان يهش بها على غنمه البحر، كما أنها تحولت إلى ثعبان مبين سبب الذعر لفرعون كما كانت له فيها مآرب ومعجزات أخرى، فإن عصا «خويا براهيم» لا تقل قداسة وغرابة عند المؤمنين ببركته، فبعض الروايات الشفوية تقول إنه بمجرد دخول الزائر الذي ينوي ما ينويه في قلبه ترتفع العصا بمحض إرادتها دليلا على أن غرضه الذي جاء من أجله مستجاب، أم إذا لم تتحرك العصا في اتجاه الأعلى فإنه من الخائبين.

أما روايات أخرى فتقول بأن على الزائر أن يضع كوعه على الأرض عند رأس القبر ثم يحاول رفع العصا نحو الأعلى، فإن هي ارتفعت فهو من المحظوظين وإلا فإن حاجته غير مقضية أو مؤجلة إلى زيارة أخرى لأن”النية” مازالت تنقصه أو لأن ذنبا أو دينا مازال على عاتقه !!

اليوم أصبح ضريح «خويا براهيم» معرضا للإهمال وجنباته مسكنا للفئران وبنايته توشك على الانهيار كما قلت الزيارات إلا من زوار أغلبهم شباب يقودهم الفضول لاستكشاف ما كان عليه آباؤهم الأولون أو أطفال ومراهقون من المنازل والدواوير المجاورة يقتنصون فرصة خروج أحدهم للهجوم على صندوق توضع فيه قرابين عبارة عن دريهمات أغلب الظن أنها تستثمر في شراء سيجارة !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *