لنا ذاكرة، منوعات

“شلخ كلخ”.. حكاية أغبى ثائر في تاريخ المغرب اشتق “الكلاخ” من اسمه

وصفه أحمد بن خالد الناصري في “الاستقصا” بـ”الصعلوك”، وسماه العباس بن إبراهيم السملالي صاحب كتاب “الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام” بـ”الدعيّ”، وظن نفسه “ثائرا” وادعى أن له كرامات، واعتبره السلطان محمد بن عبد الله “موقظا للفتنة”، لكن المغاربة اكتشفوا أنه كان “ساذجا” و”مكلخا”، إنه “عمر شلخ كلخ”.

لم يكن يعلم “شلخ كلخ” وهو يقود “ثورة” أواخر القرن الثامن عشر ميلادي، زمن السلطان العلوي محمد بن عبد الله، أنه كان بصدد إضافة كلمة إلى معجم المغاربة، الذين تحيل عندهم كلمة “مكلخ” أو “الكلاخ” على السذاجة والغباء، منذ ثورته الفاشلة.

وتعود قصة عمر “الغبي” إلى أواخر القرن 18 عشر عندما قاد حشدا كبيرا من الحمقى والدراويش بعدما وعدهم بالذهب، فجال بهم في شوارع مدينة مراكش وأسواقها، قاصدا “القصبة السلطانية”، حيث كان يقيم السلطان العلوي محمد بن عبد الله، وهم يرددون وراءه “شلخ كلخ الوقت جابنا، ببركة بويا رحال”.

يحكي صاحب كتاب “تاريخ الضعيف” أن “كلخ” اختار ليلة أحد أيام شهر صفر، أيام حكم السلطان محمد بن عبد الله، ليحل بشكل مباغث بمدينة مراكش قائدا ثورة لم تستمر إلا لحظات من الزمن حتى أخمدت “.. قبل الفجر بيسير وقعت الزلزلة.. ثار بحوز مراكش القائد المرابط الكلخ من أولاد سيدي رحال (البودالي) وكان صاحب سحر، تتبعه القبائل برجالها وصبيانها ونسائها.. وكان يتبعه البقر والغنم والإبل وغير ذلك من المواشي”.

ويتابع محمد الضعيف الرباطي أن “الكلخ” كان يدعي أنه “من أهل الحال، فكان يجذب هو ومن معه قائلين: (شلخ كلخ الوقت جابنا، ببركة بويا رحال)”، فعاث أتباعه في المدينة فسادا ونهبا وتخريبا، فأثارت هذه “الفتنة” قلق السلطان الذي كان بمراكش التي اتخذها عاصمة لحكمه، فأرسل له قاضيا يسمى عبد العزيز فأقنعه الأخير بالمجيء إلى السلطان ليأمر “بإلقائه على ظهره ورمى على بطنه البومبة فزهقت روحه وصار رميما”.

صاحب موسوعة “أعلام المغرب” وصف هذه الواقعة بـ”فتنة عمر الرحالي شلخ كلخ”، قائلا: وفيه (عام 1181 هجرية) كانت دعوة شلخ كلخ، واسمه عمر، فقبض عليه وقتل وسكتت تلك الفتنة، وهو من أولاد الشيخ سيدي رحال الوالي الشهير”.

وكان “هذا الدعي”، يقول صاحب “الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام”، يُظهر “للعامة الكرامات الكاذبة وتبعه السواد الأعظم من جهلة البادية.. وعدهم بأن يفتح لهم بيتا يهيلون منه الذهب والفضة هيلا من غير ممانع”.

وحسب “الاستقصا” فإن هذا “الصعلوك” استقطب الناس وهرعوا إليه “وتقدم لمراكش فدخلها في عالم من الأوباش شعارهم هاتان الكلمتان شلخ كلخ رافعين بها أصواتهم وهم كالسيل المنحدر من عل، فوقع الهرج بالمدينة وغلقت الأسواق، واتصل الخبر بالسلطان وهو بداره ولما صار في أيديهم فر من كان معه من الطغام وساقوه إلى السلطان فقتله وسكنت جعجعته للحين”.

ومنذ هذا التاريخ الذي صادف عام 1767 اشتق المغاربة عموما والمراكشيون على وجه الخصوص من اسم “شلخ كلخ” كلمات “مكلخ” و”كلاخ” و”تكليخة” وغيرها، للدلالة على الغباء والسذاجة، وعندما يصف أحدم شخصا بـ”المكلخ”، فكأنما يشبهه بـ”الغبي” “شلخ كلخ” الذي قاد ثورة فاشلة واحتال عليه السلطان بسهولة بالغة، أو ربما يشبهه بأتباعه “الأغبياء” الذين صدقوا “كراماته” ووعوده وظنوا أنه قادر على قيادة ثورة.

الكلمة خرجت للوجود قبل أكثر من قرنين من الزمن، وهي مدة كافية لأن تتلاشى فيها قصة “شلخ كلخ” لو لم تحفظها بعض كتب التاريخ، لكن كلمة “الكلاخ” ظلت صامدة، كثيرة الاستعمال في اللسان المغربي الدارج باشتقاقاتها الكثيرة “مكلخ، كلاخ، تكلخ، تكليخة…” وغيرها من الكلمات المشتقة من الجذر اللغوي (ك ل خ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *