لنا ذاكرة، منوعات

“بن طريف”.. أمازيغي مغربي ادعى النبوة وعمرت ديانته ثلاثة قرون

ألف قرآنا من ثمانين سورة، مدعيا أنه أنزل عليه، ووضع شرائع وعبادات وحشد أتباعا، وأسس إمارة، وادعى أنه المخلص والمهدي المنتظر وآخر المرسلين؛ هكذا استطاع صالح بن طريف مؤسس إمارة بورغواطة (744 – 1058) أن يؤسس ديانة استمرت لثلاثة قرون واعتنقها آلاف الأمازيغ في منطقة “تامسنا” التاريخية الممتدة على سواحل المغرب على البحر الأطلسي ما بين مدينتي سلا وآسفي.

لا أحد يعرف ماذا كان يدور بخلد بن طريف عندما قرر تأليف ديانته، لكن العديد من المؤرخين كتبوا عنها وعن بعض شرائعها الغريبة، إذ أن جزءا كبيرا منها مستوحى من الإسلام، فالبورغواطية ظهرت في وقت اعتنق فيه جل المغاربة الإسلام.

أمر بن طريف أتباعه بصوم شهر رجب والإفطار في رمضان، وشرع لهم خمس صلوات بالنهار وخمسا بالليل، أما الأضحية ففي الحادي عشر من محرم وواجبة على كل شخص. ووضوء البورغواطيين يكون بغسل السرة والخاصرتين، ثم الاستنجاء والمضمضة وغسل الوجه ومسح القفا وغسل الذراعين والمنكبين ومسح الرأس ثلاث مرات ومسح الأذنين كذلك، ثم غسل الرجلين إلى الركبتين.

يقول أتباع بن طريف بعد كل صلاة “الله فوقنا لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء” ثم يقولون بعد ذلك “مقر باكش” ويعنون بها “الله كبير”، ثم يقولون “أيمن باكش” التي تعني عندهم “باسم الله”، وتتميز صلاة البورغواطيين بالسجود ثلاث سجدات متصلات، ويقرؤون نصف قراءتهم في ووقوفهم ونصفها في ركوعهم.

ظهر صالح بن طريف مباشرة بعدما قضت الدولة الأموية على “الحركة الصفرية” وهي إحدى فرق الخواج، التي ظهرت بالمغرب الأقصى. وكنى بن طريف نفسه بـ”صالح المؤمنين” ووجه أتباعه لمقاطعة المسلمين والامتناع عن الزواج منهم أو تزويجهم بناتهم.

كان البورغواطيون، كما أمرهم بن طريف، لا يغتسلون من الجنابة إلا إذا كانت من علاقة جنسية محرمة ، أما المقربين من “المتنبي” فإن صلاتهم تكون بالإيماء فقط، لا سجود فيها، لكنهم يسجدون في آخر ركعة خمس سجدات، ويفتتحون طعامهم بالقول “باسمك يا كساي”.

يوجد في الديانة البورغواطية أيضا ما يشبه الزكاة في الإسلام، إذ أمر المتنبي الأمازيغي أتباعه بإخراج العشر من كل المنتوجات الفلاحية، وأما الزواج، فقد أحل للرجل من النساء ما شاء شريطة ألا يتزوج من بنات عمه، وأباح لهم التطليق والرجوع عنه ألف مرة في اليوم، دون أن يحرم عليهم المرأة في شيء.

في ديانة بن طريف أيضا بعض الحدود، فمصير السارق في هذه الشريعة هو القتل حيث وجد، فابن طريف أقنع أتباعه أن من سرق لا يطهره من ذنبه إلا السيف، والدية تكون من البقر، ويعتبر البورغواطيون أكل الدجاج مكروها، ومن ارتكب خطيئة أكله فعليه تحرير رقبة.

استطاع بن طريف أن يستقطب الكثير من قبائل مصمودة إلى ديانته، وبجله الكثير منهم وصدقوا نبوته، إلى درجة أنه أقنعهم بلحس بصاق ولاتهم على سبيل التبرك، فكان يبصق في أكفهه ولا يترددون في لعقها، بل إنهم كانوا بنقلون بصاقه لمرضاهم للاستشفاء به.

وألف بن طريف لأتباعه كتابا باللغة الأمازيغية ادعى أنه نزل عليه، يقرؤونه في صلواتهم، وحذرهم من تكذيبه أو الشك فيه حتى لا يقعون في “الكفر”، ويضم هذا الكتاب ثمانين سورة بأسماء: “الجمل” و”الديك” و”الحجل” و”الجراد” و”إبليس” وغيرها.

بعد وفاة صالح بن طريف، تولى ابنه إلياس بن صالح الحكم بعده، ليعلن اعتناقه للإسلام، لكن يونس بن إلياس الذي حكم بعده أحيى ديانة جده من جديد، بل وحارب من أجلها، لدرجة أنه قتل أكثر من 7 آلاف من قبائل الأمازيغ الذين رفضوا هذه الديانة.

وتعاقب على حكم إمارة بورغواطة العديد من الحكام، استمروا كلهم على اعتناق البورغواطية وفرضها على أمازيغ منطقة تامسنا، لتعمر هذه الديانة ثلاثة قرون، قبل أن يتعرض البورغواطيين لهجوم المرابطين الذين قضو عليهم ومحو آثار ديانتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *