منتدى العمق

وباء العصر والنظرة الايجابية

زمن الوباء طفح فيه إناء الإنسان، وقدح بشتى ما قد يدور بمخيلته من أفكار، هي أحلام تساوره منذ أيام، خصوصا مع تعاقب الأزمنة الثلاثة الماضي، والحاضر، والمستقبل….

علق البلاغ وأصدر رسميا، امكثوا في منازلكم، وخذوا جميع الاحتياطات اللازمة، هذا الوباء ليس بالهين، ولا بالسهل مقاومته، فتعاونوا، واستعدوا وكونوا جديين له، فنادت كل الألسن، وهتف كل إنسان،

(“كلس ف دارك”. “بقا ف دارك تحمي نفسك وعائلتك ووطنك…”)

إلى غير ذلك من الشعارات، التي تؤكد على ضرورة اتخاذ جميع التدابير الاحترازية، لكي نقف سدا منيعا أمام هذا المرض الخطير، الذي اجتاح جميع أنحاء المعمور، ولكيلا ينتشر عندنا، مثل ما انتشر في باقي البلدان الأوروبية بشكل مرعب.

توقفت حركة الإنسان، وصار يفكر ويسأل وينظر في نفسه، محيطه، معيشته، سبيله، وعائلته…، ما هذا؟ الأزقة والشوارع بدأت تفرغ من كثرة الرواح، والأحياء انعدم فيها صوت الطفل، الذي ينشر البسمة والفرح، وفي بعض الأحيان صراخه وغضبه وشدة قسوته، التي تمنحه الشجاعة وبناء الشخصية…، عدم الخروج هو المصير، إلا إذا كانت ضرورة ملحة، كاقتناء الحاجات الضرورية والأساسية، لاستمرار المعيشة، أو الخروج للعمل وللقمة الحياة، مع لزوم إخراج الورقة الاستثنائية المبرهنة على ما قد سلف، وفي المقابل يلزم على كل رب أسرة يعمل، تأبط شهادة العمل الضرورية.

فرغت الملاعب من النشوة، التي تحييها نهاية كل أسبوع، أطفئت إبداعات ونيران الجمهور على المدرجات في جميع أنحاء العالم، صعقت الجمعيات من الأنشطة، وجمدت البرامج السنوية، التي تعمل بها مع أطرها وأطفالها وشبابها، حتى اللقاءات السياسية، والثقافية، والإعلامية، أبت إلا أن تتم أشغالها عبر المباشر وعن بعد، لنقل الأخبار ومسايرة الواقع، وكشف ستار المنازل آنئذ باجتماعات عائلية.

مر يوم، ويومين، وثلاثة أيام، وأربعة أيام على الحجر الصحي، الذي وضعه الكل، وهو الجلوس والقعود في البيوت إلى إشعار آخر، وإلى أجل غير مسمى، وكأننا نمثل نصيحة النمل لأصحابها، حين قالت لهم في الآية 18، من سورة النمل، “أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون”، وفي المقابل يمثل لنا بالقول “ادخلوا مساكنكم لا يضربنكم الوباء ولن يبقى فينا سليم”.

نشرت المواقع الرسمية والجرائد، هذا الخبر بالبلاغات والإخبارات، لكي يتابع الجميع عن كثب، ولمعرفة خطورة كوفيد 19، بالمباشر والغير المباشر، وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي والواتصاب، وكل الأمكنة المتاحة لتواصل الإنسان بأخيه الإنسان، ووجدت الاذان الصاغية، وطبقت تقريبا جميع التعليمات الصادرة من الجهة المسؤولة، منذ الوهلة الأولى، رغم التفاقم والزيادة التي يعرفها الوباء في وطننا، دقيقة بعد دقيقة، وساعة بعد ساعة، وأكدت على وجوب إغلاق جميع المحلات، باستثناء المحلات التي تزود الزبون بالمواد الأساسية، والتي لا يمكن أن تتوقف، لتدور العجلة الاقتصادية بالبلاد.

صرنا نسمع الأذان يرفع والمساجد خالية، كلٌّ يصلي في بيته رفقة أبنائه، وعائلته، رافعين أكف الضراعة للعلي القدير ليعجل بالفرج، صمت ساد لبرهة من الوقت، ورعب الدواخل كتم بين أفراد العائلات لكيلا يتم تهويل الأمر، لأن شبح الخوف والهلع والترقب الدائم، أخطر على نفسية الإنسان من أي وباء.

ما هذا السبيل؟ وإلى أين المصير؟ وإلى متى يا رحيم…؟

نفكر، هل الإنسان يصلح حاله وعلاقته مع ربه، ونفسه، وأهله، وأصحابه، وجيرانه؟، بدأنا نتماشى مع كل نبأ آت من التلفزيون، أو عبر الهاتف، كأن الإبرة خمدت في عقولنا، وأنه هذا هو زماننا، وهذا هو عصرنا، وكل التنبؤات الماضية، صارت اليوم حقيقة تكتب وتعاش، وليس فقط مجرد أوهام.

مر أسبوع وساعات، شرعنا في غمار المستجد، وكشرت أنياب الإنسان، فمنهم من جعل لنفسه مكان للاسترخاء، واسترجاع الذات، بالقراءة واستغلال كل وقته في مكتبه، حتى يسترجع عهده ويملأ فراغه ويشغله بأعظم كلمة أخرجت للناس وهي اقرأ، والآخر تجده يلعب مع أبنائه ليطور من مهاراتهم، وينضج لديهم الحس الإبداعي وينشط حياتهم، و قد تنزع سقف البيت وترى عائلة مجتمعة على طاولة نقاش حميمي، كل يطرح فكرته حول الموضوع الذي اقترح للحوار الأسري، وقد تطل على نافذة، وتقف على إنسان يضرب خديه لما آلت إليه الأوضاع، بمرِض شديد، وتكسير وصراخ وألم، مع أن عقارب الساعة لا تسكت، وفجأة سأله العقرب: أهكذا الحال يا بني البشر؟

(‘صبر ومايجيك غير الخير، ونتا معصب مقلق وعائلتك تتجبدها معاك لما لا يحمد عقباه’، ومالك وهذه الحالة الكئيبة والحياة جميلة).

أنعم بدارك ففيها وجوه صادقة وأنس وألفة أخوية؟، وقد تصنع في منزلك وبيتك ما لم تصنعه خارجه، أم أنك وطدت صلتك بالآخرين، وما عدت ترى لنفسك راحة نفس؟

وبعضهم في المواقع يلعب ويشغل عقله ويسبح في خيالاته، منها التي تبني، ومنها التي تدمر، كل وسبيله وألعابه وعائلته ومحيطه، هل هناك مراقبة لحظة بعد لحظة؟، أم هي أيام اللعب والضحك، وافعل ما تشاء، إلى أن يستقر الوضع، ويأتي الفرج ونعود للحقيقة؟، بل وهناك من يكسر الملل، باللعب مع الأصدقاء من بعيد إما بالصور، أو بالفيديوهات، أو بالبارتشيسي، أو ما شابه ذلك من الألعاب الإلكترونية، والقليل من الكثير ذكر.

وخلاصة القول، كل يغني على ليلاه، وكل ينشد لحياته بما يحب.

في الضفة الأخرى، معلم يفكر كيف يوصل الرسالة، التي بعث لها، ليوصلها لتلامذته، كي يتابعوا الدراسة، لكون هذه الأيام ليست بعطلة، وإنما استمرارية للعمل والعلم عن بعد، ريثما ينكشف ضوء الداء، وتخف الأمور، وترجع حليمة إلى سابق عهدها، بالقديم أو بالجديد، والنظر إلى الأمام، كون حركة الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، لا تتوقف إلا بتوقف الزمن.

ومن جهة، دكتور ظل يراجع مساره، وأوراقه، وتاريخه، للبحث في سبل التجديد في مواضع العلم، وهل من ثغرة يزال الغبار عنها للاستزادة في المعرفة؟، وفي هذه الدنيا التي خلقنا فيها أجمل جميل، وأودع فيها القرآن الكريم، للتدبر، والتفكر، والتفكير، والتعقل.

وأعين اختارت وضع الهاتف على المباشر، للحديث عن هذا الوباء، أو الكلام عما يريح الضمير، من دورات تكوينية، وألعاب ومعامل يدوية، وإبداعات شخصية، وكثير ممن سار على هذا المنوال، لأن الجميع يشاهد، كم وصل الرقم؟، وإلى أين؟، ومتى؟، وما هو المصدر الجديد؟، حتى زرعت فينا النقطة، التي تتكلم دون وعي عن المبادرة، والتحسيس، والتوعية لكيلا نجتر مع واد كرونا اللعين.

هرعت السفن والبواخر والسيارات لتستقر في مكانها، والعقول تفكر ولازالت تفكر، وتحكي أنفاسها، بل وأعوانها، وأصحابها، وستحكي ما دامت الثواني تتكتك، ويدق الناقوس الإنساني: استمر وخط دائرة الآمن، واطلب السلامة لتنجو.

في الأخير هي أقدار الحياة، وهي أمور لابد وأن نلتزم بها، شئنا أم أبينا، لكي نحمي وطننا ونشرع من جديد، للتضحية من أجله، لبنائه على الأسس والقواعد النبيلة، التي تجعله يرفع رايته في كل مكان، بشرف ومسؤولية، وما كورونا إلا نقطة من فيض، سبيلها الذوبان، والتحلل والنهاية، إذا شددنا أيدينا، وقويت عزائمنا، وكنا صفا واحدا، وبنيانا مرصوصا، يشد بعضه بعضا، وأحسسنا بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقنا، وقلنا لا بديل عن الالتزام لكي ننجح جميعا.

فعش أيامك وطب لنفسك مقام الطبيبين، وأخرج زبدة، وعصيرا، وفاكهة، وزيتونا نقيا، تحيا به في القطار الذي تركبه، واسع لتزرع شيئا جميلا، وأنت في هذه الظرفية، أولا لترك بصمة ندية وثانيا ليكون لعطائك عنوانا، وقال تعالى: “بلدة طيبة ورب غفور”، ولنكن واثقي الخطى ولنغرس فسائل الخير التي في جعبنا، وسنخرج لندق الطبول في الحارات، ونفرح بالأعراس، وننشط الأطفال، وتعود قصة لاعب كرة القدم العاشق الفنان، وهو يتابع نشاطه ورياضته في الأسطح، وفي فناء الدار طيلة هذه الفترة، من أجل صقل الموهبة، واسترجاع اللياقة البدنية، وسننقر دفوف السلام والوئام، وتستمر الأيام مع حكاية كل إنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • حياة شيبي
    منذ 4 سنوات

    فعلا وتستمر الأيام مع حكاية كل إنسان...