“سويقات” المدينة القديمة بمراكش.. حشود بشرية تهدد بظهور بؤر وبائية (فيديو)

خُروج الناس بشكل عادي في بعض الأحياء الشعبية بمدينة مراكش قصد التبضع في “السويقات”، يثير تخوفا كبيرا للتسبب في تفشي فيروس كورونا، خاصة وأنه تم تسجيل إلى حدود اليوم 470 حالة مؤكدة بعد ظهور بؤر تجارية ومهنية بالمدينة الحمراء.
وحسب ما عاينته جريدة “العمق”، في منطقة سيدي يوسف بن علي، من تحركات بشرية كبيرة مقارنة مع باقي أحياء مراكش، قد يفاقم عدد الإصابات بها، خاصة وأن وضع الأحياء والدروب ضيقة وتمارس فيها أنشطة تجارية لبيع الخضر والفواكه وتتجمهر الساكنة فيها دون احترام التباعد الآمن والمطلوب.
“ضامة بالبخوش”
ظهر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، صوّر بأحد “السويقات” الشعبية على مقربة من مقبرة باب غمات، وهي مملوؤة عن آخرها بالمواطنين، بمختلف أعمارهم وأجناسهم، يتجولون كأن الحياة عادية وأن كورونا اللعين مجرد فيروس لو كان قويا لأظهر نفسه.
سلطات المدينة الحمراء، حلت اليوم الإثنين، بالسويقة المذكورة، لكن تدخلاتها تبقى غير كافية، فبالرغم من حضور رجال الأمن والسلطات المحلية، وتفريقهم الناس ومراقبة من لا إذن له بالخروج، لم تعطي أكلها. فكلما فرقوا جماعة وقصدوا أخرى، ظهرت جماعات بشرية مثيلة أو أكثر سوءا، وتظهر الساحة كما عبر عنه المثل الشعبي كأنك “لاعب ضامة بالبخوش”.
هروب إلى الدرب
ربما لولا تواجد هؤلاء الباعة المنتشرين بين دروب سيدي يوسف، لما خرج الناس بتلك الأعداد المخيفة، ولما جلس صديق البائع بجواره مقدما له يد المساعدة مجانا، لأنه وفر له شغلا يبقيه في الشارع لمراقبة تطورات الفيروس.
يقول عماد، (اسم مستعار)، وهو ابن سيدي يوسف، إن “العديد من الباعة الذي يعرضون الخضر والفواكه في دروب سيدي يوسف بن علي، كانوا يشتغلون في الأسواق، وفور إغلاقها بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية لجؤوا إلى الأحياء، والتي يفرّون منها عند تدخل السلطات إلى الدروب”.
وأضاف المتحدث أنه “نظرا لإغلاق بعض السويقات، وبعد الأسواق الأخرى عنهم، يفضل سكان “الدرب” التبضع من عند هؤلاء، وبما أنهم يبيعون بالتقسيط ولا يتوفرون على سلع كثيرة، فإننا نضطر للخروج يوميا من أجل شراء ما نحتاج إليه”.
خُضر هنا وهناك
جولة في بعض دروب سيدي يوسف بن علي، تكشف حقيقة تواجد العديد من بائعي الخضر يفترشون الأرض ويعرضون منتجاتهم، وأن النساء أغلب الزبائن، يبيعون بترقب وحذر من مجيئ السلطات التي لم تعد تتساهل معهم.
وفي حوار مع أحد المارين، بدأ حديثه “لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا الحي من دون أحياء مراكش؛ الكل خارج إلى الشوارع، رغم ارتفاع عدد المصابين فيه بكورونا”.
وتابع القول، أن بعض الباعة الجائلين، “الله يهديهم، حصلوا على الدعم الذي أعطته الدولة لأصحاب راميد والمياومين الذي فقدوا الشغل، إلا أن منهم من ما يزال يزاول أنشطته التجارية بشكل عادي”.
لماذا لا نلتزم بالحجر ؟
في سؤال وجهناه للأستاذ الجامعي بجامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الجليل أميم، حول عدم التزام البعض بالحجر الصحي، أجاب قائلا: “لا يجب الجزم بأن ما نراه ليس التزاما بالحجر الصحي”، معتبرا خروج المواطنين للتبضع سلوكا قانونيا تسمح به الورقة التي منحتها السلطات.
وأضاف أميم في تصريح له لجريدة “العمق” أنه “يجب مراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، التي تعيشها ساكنة المدن القديمة والأحياء الشعبية، عكس باقي الأحياء الراقية أو تلك التي تقطن بها طبقة الموظفين وغيرهم”.
وزاد موضحا، أن “هناك العديد من الناس يشتغلون مياومين ولا يملكون مدخولا قارا، يخول لهم اقتناء حاجياتهم لمدة طويلة، وبالتالي يضطر إلى شراء ما يحتاجه كل يوم بيومه، وهذا ما يؤدي إلى عدم الالتزام بالحجر الصحي الإحترافي”.
ولم ينفي الأستاذ الجامعي وجود “نزعة عند بعض الشباب، خاصة الذين مروا بظروف تأزمت بسببها حياتهم، يسعون إلى التمرد على القوانين، محتجبين بغطاء “لن يصيبنا إلا قدر الله”، في حين أن غايتهم التمرد على القوانين التي وضعتها الدولة، لأنهم يعتقدون أنهم يعيشون ظروفا قاسية بسببها”.
اكتظاظ له عوامله
كما أرجع الأستاذ، الاكتظاظ الظاهر في بعض الأحياء الشعبية ودروب المدينة القديمة بمراكش، لعدة أسباب منها؛ “تنظيم الأسواق خلال مدة زمنية محددة، مع ما تعرفه هذه الأحياء من كثافة سكانية، ووجود عدد محدود من المحلات التجارية”.
وتابع أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بمراكش، أن “المدينة القديمة معروفة بعدد كبير من المنازل، ومنها المعدة للكراء، وقد تجد عائلات كثيرة في منزل واحد، كما أن هناك بيوت مقسمة على غرف معدة للكراء”.
كما استحضر الأستاذ الجامعي المذكور، طبيعة العمران بالمدينة القديمة، معتبرا إياه “عاملا مهما يجب أخذه بعين الاعتبار، نظرا لضيق الدروب وقلة المداخل والمخارج لكونها محصورة داخل سور، عكس باقي الأحياء بالمدينة التي يمكن الخروج منها من طرق مختلفة”.
فترة لإيقاظ القدرات
واعتبر أميم، أن الحجر الصحي “بمثابة إجراء وقائي يهدف إلى حمايتنا من هذا الفيروس الذي انتشر عالميا، وإذا رافقنا هذا الإجراء ببرامج يومية داخل البيت لن يكون الحجر في المنزل صعبا، خاصة إذا كان خروجنا قبل الجائحة إلى الشارع يحصل عند الضرورة”.
وقال في ذات التصريح إن “الحجر سيكون صعبا على من كان يقضي وقته كله في الشارع حتى تطبع بعادات أصبحت متحكمة في شخصيته، كما سيستصعبه من لا يملك برامج داخل البيت مع عائلته”. مضيفا أن فترة الحجر الصحي “إذا ما تمت مجاهد النفس فيها؛ سيكتشف كل شخص شخصيته الجديدة، وأنها فترة لإيقاظ القدرات والمعارف بشكل مهم جدا”.
اترك تعليقاً