وجهة نظر

رهاب فيروس كورورنا بين الكوتش والواعظ‎

للحجر الصحي الذي يعيش العالم في كنفه لمواجهة مرض كوفيد 19 الذي يتسبب فيه فيروس كورونا، نتائج ظاهرة يعمل الجميع على مواجهتها بكل ما أوتوا من عزم وقوة وإرادة صلبة. ونتائج خفية لا تحظى بالعناية والاهتمام، وفي المقابل فإن التدخلات المسجلة لحد الآن، إما أنها لا تستهدفها بالمرة، أو تواجهها بارتجال وبعيدا عن اية استراتيجية تعمل على رصدها، وتقييمها واقتراح الحلول الناجعة للحد منها، أو القضاء عليها.

بالنسبة للآثار الظاهرة، والتي تمس جوانب مهمة وحساسة من حياتنا، منها ما هو اقتصادي واجتماعي، وحتى السياسي. فإن أغلب دول العالم عملت بحزم من الحد من مخاطرها. وبلدنا كان في مستوى الحدث باستباقه الجائحة باتخاذ إجراءات وقائية، روعي فيها التدرج، طُبعت بالحكمة والاستشعار. مما مكن المغرب من تجنب اﻷسوإ.

لكن هناك مخاطر أخرى غير مرئية تهم الجانب النفسي. لا تعفي أيا كان من آثارها. وإن اختلفت حدتها. تتسبب فيها العزلة التي يحسها المرء الذي يجد نفسه مرغما على البقاء في بقعة محددة هي بيته. إذ أصبح عليه ممنوعا من مغادرة بيته، إلا للضرورة. وحتى في هذه الضرورة، يكون عليه إثبات حسن نيته بحمله ترخيصا استثنائية يبين الضرورة التي من أجلها خرج. واﻷهم من كل هذا الإحساس الذي يراود المرء نوعان من الشعور. هما الخوف والملل. شعوران قادران على خنق من يتربصان به. كل منهما يشكل منبعا للشقاء. حسب أبيقور وشوبنهاور.

ما علاقة الحجر الصحي المفروض لمواجهة فيروس كورونا، بتلبس الخوف والملل الإنسان؟

يأتي الخوف من الرغبة في المعرفة والتأكد، وفي السيل الهادر من المعلومات، المتناقضة أحيانا. ويأتي احيانا من التوهم بظهور أعراض خاصة بفيروس كورونا. ويأتي الملل من برنامج يومي يتكرر على مدى أيام الحجر الصحي. خاصة مع أناس لم يكن برنامحهم اليومي يتضمن عادات يمكن ان تسعفه في هذه الأيام، من قراءة، أو كتابة، أو متابعة لأفلام.

للأسف ذلك الكم الهادر من المعلومات، لا يشتمل فقط على معلومات عن الفيروس وكيفية انتشاره، وطرق الوقاية منه، بل يتضمن نصائح وتوجيهات للرفع من منسوب اﻷمل لدى من لديهم جرعة زائدة من الخوف والملل. شيء جميل أن يتلقى المرء نصائح تعينه على مواجهة هذه الظرفية الحرجة في مثل هذه الظروف. لكن اﻷجمل منه أن تأتي من أهل الاختصاص أولا. وأن يكون الهدف منها تقديم دعم نفسي يقدم العون لمن هم في حاجة إليه. لكن اﻷمور لم تسِرْ على هذا المنوال. بل تحولت إلى تسابق محموم حول الحصول على ربح قد يكون ماليا، وقد يكون لانتزاع قدر أكبر من المشاهدات واللايكات، وربما لاستثماره مستقبلا بعد انقشاع غيوم كوفيد 19.

أطراف هذا التسابق هما الواعظ والكوتش. فهذا ينصحك بدعاء لمواجهة الفيروس. واﻵخر يقترح خطة للتفكير خارج الصندوق. بعيدا عن المنطق السليم وأسس التفكير العلمي القويم.

سأترك قضية مواجهة الآفات بالتواكل والابتعاد عن كل ما هو عملي في مثل هذه الظروف، وقد أقف عندها في مقال لاحق، وسأقف عند ظاهرة الكوتش التي أصبحت اليوم سوقا رائجة، يختلط فيها الحابل بالنابل بشكل يجعل المرء يقع في حيرة من أمره، ويتساءل هل هو أمام واعظ عارف بمجاله، يقدم النصح لمن يطلبونه. إذ النصيحة تُطلب. أم هو أمام كوتش يطبق مبادئ مجال له خصوصياته ومجالات اشتغاله وطرقه المختلفة كليا عن الوعظ والإرشاد، وهو مجال له رجاله وطرقه، وتقنياته.

أول مرة أتعرف فيها عن الكوتشينغ كان سنة 2005 بعد التحاقي ببرنامج ALEF الذي أشرفت عليه الوكالة الأمريكية للتنمية والتعاون بشراكة مع وزارة التربية الوطنية.

وبعد أول عرض خرجت بملاحظة تقاسمتها مع المشرف عن التكوين. مفادها أن ما سمعناه لا يختلف عما عثرت عليه منذ ثمانيات القرن الماضي في كتاب ذاع صيته.

وقرأته مرات ومرات، وهو كتاب “كيف تكسب اﻷصدقاء وتؤثر في الناس” لصاحبه دايل كارنيجي. لم يعلق المحاضر كثيرا على ملاحظتي هاته. وواصل موضوع ورشته الدي كان هو كيف نجعل الأساتذة في المؤسسات التي نعمل يقبلون فكرة إدماج تقنيات الإعلام والاتصال في التدريس. الورشة دفعتني إلى البحث أكثر، والمشاركة في ورشات مشابهة، لكنها عن بعد. وتعميق قراءاتي في الموضوع. ولم يكن هدفي بالمرة الحصول على شهادة في الموضوع، أو أن أصبح “كوتش”. بل كل ما كنت أهدف إليه، هو تعميق معارفي في موضوع بدا لي جديدا. الآن، ولدى مجموعة من الناس. أصبح الأمر جد مختلف. وما نراه في لقاءات تنظم هنا وهناك. في كبسولات فيديو تعرض على موقع اليوتوب. ما تم إغراقنا فيه من بث مباشر على هامش جائحة كورونا. جعل العارف بحقيقة الكوتش يقول كفى من هذا الهراء. أصبحت مهنة الكوتش لدينا، وفي مناطق شبيهة، مهنة النصب بامتياز يمتهنها كل من لا مهنة له. وهي كذلك مهنة غير منظمة يمتهنها أناس انتظموا في دورات تكوينية ينظمها كوتشات سبقوهم للمهنة ويحصلون منهم على شهادات غير معتمدة ويحصلون معها على ثقة مبالغ فيها في أنفسهم ويعيدون تكرار ما تلقوه ممن سبقوهم على الملتحقين الجدد دون فائدة واقعية تذكر. من غريب ما صادفت في هذا المجال، كوتش تنظم لقاء في قاعة فسيحة. بحضور جمهور محترم، تدعي أنها نظمت لقاءات هنا وهناك، مركزة على عواصم عربية معينة. تحس بحرج عندما يقوم أحد الحاضرين بتصويرها باستعمال الهاتف النقال. وتصرح بذلك للجمهور بلا مواربة. داعية إياهم إلى زيارة قناتها على اليوتوب إذا أرادوا الاطلاع على فيديوهاتها. يا للغرابة؟ كيف ستساهمين في مساعدة الحضور على تجاوز ما يشعرون به من مشاكل، وأنت ليست لديك القدرة حتى على مواجهة الكاميرا بالشجاعة المطلوبة.

أنا لا أعمم، فكما أن هناك من نبتوا كالفطر من الكوتش لا تستطيع أن تميز بينهم وبين الواعظ. هناك من يحترمون أنفسهم ويقرون أن الكوتشينغ هو فن المرافقة الشخصية، ليس لاقتراح الحلول. بل للوصول مع المعني، فردا، على المكانيزمات التي خلقت مشكلا ما. والوصول معه وعبره إلى ما يمتلك من قدرات واستنهاضها من أجل الوصول إلى مبتغاه. وذلك لا يكون بالطبع بالتعميم، وحفظ كلمات تعاد في كل المناسبات. إذ ما يجدي نفعا مع هذا، قد لا يجدي مع الآخر. وهذا ما يؤكده الرواد اﻷوائل للكوتشيغ. من دايل كارنيجي الذي يرى أن السعادة لا ارتباط لها بمن تكون ولا بم تملك، بل بالطريقة التي تفكر بها. أما أنطوني روبنس، فهو يشير أن كل إنسان ناجح كان له حلم وتابعه إلى نهايته، ويؤكد كذلك، أنه بداخل كل إنسان قوة معينة، بإمكانها حين تتحرر من تحويل كل حلم ورؤية او رغبة إلى حقيقة. فلا وصفات جاهزة للسعادة ولا لطرد الخوف. ودور الكوتش هو المرافقة لاكتشاف دينامية سيطرة الخوف على صاحبه، ومن تم تحريك دينامية اخرى في الاتجاه المعاكس. لإكساب المرء توازنه المطلوب. والساحة مفتوحة للكوتش الحقيقي. ولباقي المتدخلين في الصحة النفسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *