لنا ذاكرة، ملف

هكذا دخل التبغ للمغرب زمن السعديين.. وهذه قصة “السبسي” و”الشقف”

الدخان والتبغ والطبغ وطابة والطابغة والتوبغة.. تعددت الأسماء و”العشبة” واحدة. نبتة يتنفس العديد من المغاربة دخانها منذ أكثر من أربعة قرون، وفي سبيل نشوتها الساحرة استعملوا عُدّة قوامها “السبسي” و”الشقف” و”المطوي”، فكيف دخلت الطابغة للمغرب أول مرة ومتى بدأ المغاربة استعمال “الشقف” (الغليون) و”السبسي”؟

فيلة السودان

لم يكن السلطان السعدي المنصور الذهبي يعلم أنه سيفتح حناجر العديد من الغاربة لدخان “عشبة” التبغ، عندما قرر إرسال القائد العسكري الباشا جودر عام 1591، لفتح بلاد السودان المعروفة حاليا بالسودان الغربي الذي يضم حوض نهر السنغال وحوض النيجر. إذ جاء قرار المنصور إثر شعوره بالقوة بعد الانتصار في معركة وادي المخازن.

يحكي المؤرخ المغربي أحمد بن خالد الناصري في كتاب “الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى”، أن طابة وعادة التدخين دخلت للمغرب أول مرة من بلاد السودان في العام الهجري 1001 (الموافق للعام الميلادي 1593) بعد أقل من ثلاث سنوات على فتح السودان.

ويقول الناصري “وفي سنة إحدى وألف أتى الفيلة من بلاد السودان إلى المنصور، وكان يوم دخولها لمراكش يوما مشهودا. برز لرؤيتها كل من بالمدينة من رجال ونساء وشيوخ وصبيان”، موضحا أنها جلبت الدخان للمغرب.

ويسترسل الناصري أن بسبب دخول الفيلة إلى المغرب ظهرت “هذه العشبة الخبيثة المسماة بتابغ لأن أهل السودان الذين قدمو بالفيلة يسوسونها قدموا بها معهم يشربونها ويزعمون أن فيها منافع فشاعت منهم في بلاد درعة ومراكش وغيرها من بقاع المغرب”.

الناصري، الذي أشار إلى تعارض فتاوى العلماء بشأن “العشبة”، لم يتردد في تحريمها قائلا “من تأمل أدنى تأمل في قواعد الشريعة وآدابها علم يقينا أن تناول هذه العشبة حرام، لأنها من الخبائث التي حرمها الله على هذه الأمة المطهرة”.

وبخصوص مصدر التبغ فأهل السودان بدورهم جاءهم من أوروبا عبر تمبوكتو في مستهل القرن الحادي عشر (أواخر القرن السادس عشر ميلادي)، فحملها السودانيون الذين رافقوا الفيلة إلى مراكش ثم دخلوا بها إلى فاس، حسب ما يقول محمد حجي في كتابه “الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين”.

“السبسي”

ظل المغاربة لسنوات يصنعون لفائف التدخين من نبتة التبغ نفسها دون استعمال أي مادة أخرى، إذ لم تظهر السيجارة إلا في أواخر القرن التاسع عشر، لكن المغاربة استعملوا قبل ذلك بسنوات “السبسي” و”الشقف”، رغم أن هاتان الكلمتان في الثقافة الشعبية لهما ارتباط وثيق بنبتة “الكيف” على وجه الخصوص، حسب الأركيولوجي أحمد أشعبان.

وأوضح أشعبان في مقال له بعنوان “مشاكل تاريخ الدخان والتدخين بالمغرب : تاريخ استعمال الغلايين الفخارية نموذجا”، أنه خلص بعد دراسة لمجموعة القطع الأثرية للغلايين” (جمع غليون ويقابله في الثقافة المغربية “شقف”) إلى أن تاريخ ظهور هذه الأداة يعود إلى الفترة الواقعة ما بين القرنين السابع عشر والثامن عشر.

ورجح الباحث الأركيولوجي أن صناعة الغلايين بالمغرب لم تكن محلية بل مستوردة، “وربما يجب انتظار القرن التاسع عشر للوقوف على غلايين مغربية، تنحو في أحجامها نحو الصغر وتتسم في صناعتها بجودة أقل”، مشيرا إلى أن أكبر عدد من الغلايين بالمغرب عثر عليها بمدينة تطوان “القريبة للساحل ولأهم الموانئ المتوسطية”.

أشعبان وصل لهذا الاستنتاج بعد إجراء دراسة على العينات من الغلايين الفخارية، التي سبق له العثور عليها خلال بعض أعمال التنقيب الأثري الميدانية في مختلف مناطق المغرب، ومن هذه المناطق مقبرة باب الجياف بمدينة تطوان.

ولفت الباحث الأركيولوجي إلى أنه لم يكن معروفا بالضبط الأسماء التي كانت تسمى بها “الغلايين” في وقتها، و”التي قد لا تكون بالضرورة هي نفس الأسماء المتداولة حاليا، والتي لا نتوفر على معلومات بشأن بداية تداولها في الوسط الشعبي المغربي ونقصد على الخصوص: السبسي الذي يدل على القناة الخشبية أو القصبية والمعدينة أحيانا، والشقف أي الغليون، والمطوي وهو كيس جلدي يضم السبسي والشقف معا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *