أدب وفنون، رمضانيات

كتاب “نظام التفاهة”: تحول العمل بالجامعة من منتج للمعرفة إلى تاجر فيها (3)

في عمق الأزمة الإنسانية التي نكابدها، تشتد الحاجة إلى أنيس يسافر بنا بعيدا، لمعرفة كيف يمضي العالم اليوم، وكيف تمتزج السياسة بالاقتصاد والإعلام، لتولد مضامين، تعمل على تشكيل وتسيير كافة جوانب عيشنا المجتمعي. لهذا اختارت جريدة “العمق” القراءة في كتاب “نظام التفاهة”، عبر حلقات يومية طيلة الشهر الفضيل، تلخص المضمون، وتحافظ على عمق المعنى.

قراءة ممتعة …

الحلقة الثالثة:

إن أبرز ما ناقشه آلان دونو أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامة كيبيك في كندا، مؤلف كتاب نظام التفاهة هي مسألة “تسليع المعرفة الأكاديمية، وبيعها للجهات الممولة للجامعات، من خلال سلسلة تبدأ أولى حلقاتها في سعي الأستاذ الجامعي للحصول على المنح من هذه الجهات الممولة، وهكذا ينحدر العمل بالجامعة إلى درك التفاهة، فتتحول فيه من منتج للمعرفة إلى تاجر فيها، يعمل في وسط من الاعتبارات الكمية والقيم الزبائنية”.

ويرى آلان، على لسان المترجمة مشاعل عبد العزيز الهاجري دكتورة في القانون الخاص، بجامعة الكويت، أن المبالغة في الإكثار من خلق التخصصات الجامعية الدقيقة، سببا آخر للتفاهة، فـ”الجامعات الآن تُسطح المعارف من خلال اهتمامها بتعميقها بدلا من توسعتها، فلا تُعنى بترسيخ القيم العلمية في طلبتها من تفكير نقدي والوقوف على العلاقات بين الموضوعات المتفرقة والفضول المعرفي”.

واستشهدت المترجمة، بما قاله المفكر المغربي عبد الله العروي حين سُئل عن نصيحته للطلبة، إذ قال “لا تتخصص، تسلح باللسانيات والفلسفة والأدب بجانب التاريخ، وخد التاريخ مأخذ الجد ولا تتخذه هواية، إن كنت مؤرخا فسوف تكون مؤرخا سيئا، يوجد في المغرب تخصص زائد عن الحد في المنظومة التربوية المغربية، يقضي الطلبة سنوات في دراسة التاريخ وحده، القديم والوسيط والحديث، والمعاصر، لكن كيف يمكن أن تفهم الثورة الصناعية من دون اقتصاد؟ وكيف يمكن أن تفهم أدب العصر الوسيط من دون لسانيات؟”.

تاريخ ظهور لعبة التفاهة

ظهرت إرهاصات لعبة التفاهة، وفقا للمؤلف آلان دونو، مع حكم التكنوقراط الذي بدأ عهده مع تقلد مارغريت تاتشر رئاسة الوزراء في بريطانيا، فعندها تم نقل فكرة “الحوكمة” إلى المجال السياسي واستبدل الحوكمة بالسياسة، ففُرغت السياسة بذلك من الأفكار الكبرى كالحق والواجب والعمل والالتزام والقيمة والصالح العام، واستعيض عن ذلك بمفهوم الحوكمة، وتم استبدال مفاهيم الإرادة الشعبية، والناشطون السياسيون، والمواطن، والمريض، بمفاهيم المقبولية المجتمعية، واللوبيات والشريك.

ويشير الكتاب، بأن لنظام التفاهة “أداة لغوية هامة هي اللغة الخشبية، أي النطق بتحصيل الحاصل الذي يقوم على الحشو أو مجرد التكرار بألفاظ مختلفة، وكأن في الأمر قضية جديدة تدفع بمعرفتنا إلى الأمام، والمقصود منها كسب الرهان بإيقاظ اهتمام الرأي العام”.

ويزيد الكتاب عن “تحول الاهتمام بالصالح العام من شأن سياسي قيمي إلى مجرد إدارة عملية، فخلال العمل العام من منظومات الأخلاق والمفاهيم والمثل العليا والمواطنة والالتزام، وصار الهم العام هو الخصخصة وتحويل المشروعات العامة إلى القطاع العام، بهاجس تحقيق الربح فقط، وكأن الدولة محض شركة تجارية”.

ويؤكد آلان في نفس السياق بأنه “حول العالم ما ازداد استخدام كلمات مثل الحوكمة والشفافية والمساءلة مثلما انتشرت الآن، ومع ذلك، لم يسبق لظاهرة الفساد أن ازداد حجمها مثلما ازداد الآن، ولا أن بلغت هذه الأبعاد المخيفة، ويبدو لي أن محاولات العالم للالتفاف على القيمة، والاستعاضة عنها ب”الحوكمة” ليست مجدية، ولكن البشرية لا تتعلم إلا بالطرق الصعبة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *