مجتمع

حين تحجر الضحية مع جلادها .. حكاية نساء يعانين العنف في زمن كورونا

هاجر شريد – صحفية متدربة

غالبا ما تخلق الأزمات الكبرى ضغوطا متزايدة، خصوصا على بعض الفئات من المجتمع، فالإجراءات التي اتخذتها الحكومة للحد من تفشي فيروس كورونا في البلاد، من قبيل حظر التجوال وتقييد حرية التنقل والتزام المنازل، أدت الى طرح تساؤلات حول مصير النساء المعنفات خلال هذه الفترة الإستثنائية.

وفي وقت أصبح من الضروري بقاء الأفراد في منازلهم من أجل الحفاظ على السلامة العامة، تجد العديد من النساء أنفسهن محتجزات في المنازل مع رجال لهم سوابق في العنف الأسري، الأمر الذي قد يؤدي إلى تزايد حالات العنف المنزلي الممارس ضدهن.

“البقاء في المنزل مغامرة خطيرة”

إذا كان الأديب التشيكي الشهير فرانس كافكا قد كتب يوما أن “الخروج من البيت مغامرة خطيرة”، فإن الأمر بالنسبة لإيمان، وهي طالبة في كلية العلوم القانونية والاقتصادية بالرباط، عكس ذلك تماما، حيث إن بقائها في المنزل لفترة طويلة يشكل خطرا عليها، إذ ومنذ بداية الأسبوع الأول للحظر، وهي تعاني من سوء معاملة من قبل أخيها الأكبر، فبعد قيامها بالمهام المنزلية وتلبية طلبات أخويها ووالدتها، يبدأ شقيقها الأكبر بشتمها والصراخ عليها، ونعتها بالساقطة، كل هذا لأنها نسيت ترتيب خزانته.

وتتابع إيمان في بوح لجريدة “العمق”: “طوال هذه الفترة، وأنا أتعرض إلى الإهانة والضرب الشديد على يد أخي، فمرة صفعني فقط لأنني لم أقم بتنظيف غرفته جيداً، ومرة أخرى لم احضر الغداء في الوقت المحدد فكاد أن يكسر ذراعي، فهو يعنفني لأسباب في غالب الأحيان لا أعرفها، كما أنه يرى أن الحجر الصحي فرصة لإعادة تربيتي من جديد”.

وتشرح إيمان أن شقيقها لطالما كان يعطي نفسه الحق في التحكم المطلق في حياتها، وبما أنه كان يعمل في مدينة أخرى وصار لزاما عليه اليوم البقاء هنا، قائلة: “لقد تحولت حياتي إلى جحيم خلال فترة وجيزة، أشعر أنني سجينة لكوني أواجه العنف بمختلف أشكاله فلقد كانت الجامعة هي متنفسي الوحيد، فعلى الأقل كان لدي هامش من الحرية حتى وإن كان ضيقا مؤقتا”.

وتؤكد أنها بحاجة إلى دعم نفسي من أجل إعادة التوازن لحياتها، مشددة على أنها لا تستطيع تحمل شهرا آخر داخل البيت، مبرزة أن العنف الذي تتعرض له يمكن أن يدفع بها إلى كسر الحجر “فحياتي معرضة للخطر داخل المنزل”، وفق تعبيرها.

بدورها “نسرين” وهي متزوجة، وأم لطفل لا يتجاوز عمره تسعة أشهر، تؤكد أنه منذ بداية الحجر الصحي وهي تتعرض للإهانات والإذلال والعنف الجسدي واللفظي من قبل زوجها. وتتابع: “كنت بالأساس أعاني من العنف، واليوم ازداد الوضع سوء. أعيش في ضغط مستمر، زوجي لايهتم بي ولا بطفله، ولا يتوقف عن السخرية من شكلي وجسدي، وينتقد كل تصرفاتي، لا أعلم لماذا يتعامل معي بهذه الطريقة”.

وتقول “لا اعرف كيف يمكن أن تعايش وجها لوجه طيلة هذه الفترة، خاصة أن مساحة البيت ضيقة، حتما حياتي أنا وطفلي سوف تتحول إلى كابوس أكثر مما كانت عليه”.

و”لحسن حظها” كما وصفت نسرين، فإن زوجها كان يغيب طوال النهار و لا يأتي حتى منتصف الليل، لكن مع بداية الحجر أصبح متواجدا أغلب الوقت، فبات الوضع فوق طاقتها لأنه يتدخل في كل شئ، ودائما ما يختلق مبررا لتعنيفها.

وتشرح نسرين أنه منذ إعلان حالة الطوارئ، وهي تتعرض إلى العنف بمختلف أشكاله من قبل زوجها، فهو ينهال عليها ضربا إذا بكا صغيرها، أو لعب أو قام بشئ طبيعي لمن هم في عمره”.

وتتابع: “كنت أظن أن زوجي سيمنحني المودة والرحمة، لكنني لم أذق طعم الإهتمام والحنان طوال مدة زواجي به، بل وجدت نفسي ضحية لعنف نفسي وجسدي واعتداء جنسي لا يحتمل”.

وتضيف بحسرة “أجد نفسي اليوم غير قادرة على الهرب من زوجي، فعلى الأقل في الأيام الماضية كنت أستطيع الذهاب إلى منزل والدي”.

ورغم العنف الممارس على نسرين من طرف زوجها، فإنها لا تفكر في طلب الطلاق لأنها تنتمي إلى عائلة محافظة لن تقبل بهذا القرار، بالإضافة إلى نظرة المجتمع الدونية للمرأة المطلقة، حسب قولها.

وتختم حديثها بالقول “لم أعد أشعر بالأمان مطلقا، أخشى أن يتسبب لي زوجي في أذى أكبر، والمشكل أنني غير مستقلة ماديا، عملي الأول والأخير هو الطبخ ورعاية الأطفال، وليس لدي خيار سوى تحمل العنف”.

ثقافة ذكورية

الباحث في علم الإجتماع مهدي جعفر يقول إن “العنف ضد النساء موجود في سائر الأيام، ولا يظهر فقط في أوقات الأزمات، فهو ظاهرة عالمية وتاريخية، فقط ترتفع أو تنخفض حسب ظروف إلا أنها دائما حاضرة للأسف على مسرح المجتمع الإنساني”.

واعتبر جعفر في تصريح لجريدة “العمق”، أن العنف الممارس ضد المرأة، هو نتيجة ثقافة ذكورية وقيم اجتماعية جعلت من الرجل وصيا على المرأة، وأباحت له الحق في “تربية المرأة” و”إصلاح سلوكها”، مما يفتح الباب أمام العنف، الذي يعتبره الرجل وسيلة لتأدية واجبه الذكوري أمام المرأة.

وأضاف أن “هناك بعض المرجعيات الثقافية الأخرى التي تتضمن بشكل صريح الدعوة إلى التعنيف، وضرب المرأة من طرف زوجها. ومما لا شك فيه فإن الحجر الصحي شكل فرصة لتنشيط هذه النزعة الذكورية، عند الكثير من الرجال.

و كما هو معلوم، يضيف جعفر، فإن الأيام العادية يقضي فيها الرجل ساعات أطول في العمل، مما يقلل الإتصال بين الزوجين، أما في فترة الحجر التي يكثر فيها الاحتكاك بين الرجل والمرأة فمن الطبيعي أن يفضي التوتر إلى فتور وأعمال عنف، خصوصا وأن الإنسان تكون حالته النفسية مهزوزة ومضطربة، وأعصابه مشدودة مع الحجر الصحي الذي يعيشه العالم حاليا.

ويختم حديثه بالقول: “ظاهرة العنف ضد النساء تتسبب فيها الكثير من العوامل، التي لايسع المجال هنا لذكرها كلها، لكن يمكن القول إن فترة الحجر الصحي مناسبة لإجتماع هذه العوامل، وتفاعلها بشكل كبير لأن أطراف هذه العوامل وهم الرجال والنساء يحتكان ببعضهما البعض في هذه الفترة أكثر مما هو الحال في الأيام العادية، الشئ الذي يؤدي إلى ارتفاع نسب العنف”.

خطر العنف كخطر الوباء

الأمم المتحدة كانت حذرت من ارتفاع نسب العنف الأسري والمنزلي خلال فترة الحجر بسبب انتشار فيروس كورونا في العالم. وأطلق الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس نداء عالميا لحماية النساء والفتيات من العنف المنزلي، وشدد على ضرورة إشعارهن بالأمان في ظل هذه الازمة العالمية.

وفي المغرب، يؤكد تقرير فدرالية رابطة حقوق النساء حول حصيلة العنف ضد النساء خلال الحجر، حيث سجلت ارتفاعا بنسبة 91,7 في المائة بخصوص نساء اللواتي تعرضن العنف الزوجي، و4,4 في المائة بنسبة للعنف الأسري.

وفي هذا الصدد تؤكد سميرة موحيا، نائبة رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، أنه منذ إعلان المغرب حالة الطوارئ الصحية، شرعت الفدرالية في تقديم خدمات الاستماع عن بعد عبر الهاتف بهدف مساعدة النساء المشتكيات ضحايا العنف، وذلك عبر مراكز “شبكة رابطة إنجاد ضد عنف النوع”.

وتقول إن “النساء اللواتي يعانين من العنف الأسري بالفعل محاطات اليوم بالخطر، لأن وجودهن لفترات أطول مع المعنفين، يزيد فرص الاحتكاك، وبتالي ارتفاع معدل العنف”. وتابعت أنه “خلال هذه الفترة تلقينا اتصالات من قبل النساء المعنفات اللواتي يتواصلن مع المستمعات والمسعفات الاجتماعيات العاملات في شبكة إنجاد”.

وأشارت إلى أن الفدرالية قامت بتقديم الدعم المادي للنساء من فئة معيلات الأسر اللواتي يشتغلن في قطاعات غير مهيكلة ويعشن ظروفا اقتصادية صعبة.

وأضافت أن “عضوات الفيدرالية رغم الحجر الصحي إستطعن أن يقدمن الدعم المادي لمئة امرأة من حساباتهم الشخصية، إلى جانب تبرع الفيدرالية لصندوق تدبير جائحة فيروس كورونا”.

وأرجعت سميرة سبب تزايد العنف الأسري في هذه الفترة إلى ظروف الحجر وفضاءات السكن الضيقة عند بعض الفئات الهشة التي تساهم في توليد الضغط والتوتر والعنف النفسي والجسدي.

واعتبرت المتحدثة، أن اعباء النساء تتضاعف خلال الحجر، خاصة مع إغلاق المدارس ووجود الأطفال في المنزل الذين يجب الاعتناء بهم وضمان تعليمهم عن بعد، إلى جانب الأشغال المنزلية التي غالبا تكون من نصيب المراة فقط، سواء كانت ربة بيت او عاملة، وهذا يرجع إلى الثقافة الذكورية التي تجعل من الرجل لا يتقاسم مع المرأة أشغال البيت، بل يعتبرها واجبة عليها.

وفي محاولة لطمأنة النساء المعنّفات والجمعيات، أعلنت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة في بلاغ لها عن اتخاذ تدابير عدّة، منها إطلاق عملية الدعم المالي لمبادرات الجمعيات وشبكات مراكز الاستماع، بهدف مواكبة النساء اللواتي يعشن أوضاع صعبة خلال هذه المرحلة الحرجة، وتطوير الخدمات عن بعد، ومساعدة النساء المعنفات في كلّ أنحاء البلاد عن طريق الاستماع والدعم النفسي والتنسيق مع المصالح المختصة لحماية الضحايا، والإرشاد نحو الخدمات.

* الصورة من الأرشيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • ولد الدار
    منذ 4 سنوات

    عار ألا تبرزوا من دور الأسرة إلا موضوع (العنف ) ....أم أنكم مصابون بالعمى الأسود .... لولا مؤسسة الأسرة من كان سيحتضن هذه الملايين بل قل المليارات من البشر في أمن وسلام ووئام ولأشهر متواصلة ...