أدب وفنون، رمضانيات

كتاب “نظام التفاهة”: هكذا يتجسد النموذج المركزي للتفاهة في “الخبير” الأكاديمي (8)

في عمق الأزمة الإنسانية التي نكابدها، تشتد الحاجة إلى أنيس يسافر بنا بعيدا، لمعرفة كيف يمضي العالم اليوم، وكيف تمتزج السياسة بالاقتصاد والإعلام، لتولد مضامين، تعمل على تشكيل وتسيير كافة جوانب عيشنا المجتمعي. لهذا اختارت جريدة “العمق” القراءة في كتاب “نظام التفاهة”، عبر حلقات يومية طيلة الشهر الفضيل، تلخص المضمون، وتحافظ على عمق المعنى

قراءة ممتعة…

الحلقة الثامنة: 

يقول آلان دونو، مؤلف كتاب “نظام التفاهة” أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامة كيبيك في كندا، إن “الخبير” الأكاديمي، يُمثل النموذج المركزي للتفاهة، إذ إن “تفكيره لم يكن بالأمر الخاص به قط، وإنما هو نظام منطقي تُمليه مصالحُ خاصة، فوظيفة الخبير هي تحويل الاعتبارات الإيديولوجية والأفكار الصوفية إلى عناصر معرفية ذات مظهر نقي”، ولهذا “لا يمكننا أن نتوقع منه أن يقدم لنا مُقترحا  قويا أو أصيلا”.

ويزيد آلان، بكون “الخبير” يعتمد على الحجج العقلية المقبولة ظاهرا والمغلوطة واقعا، يُدفع له لكي يُفكر بطريقة معينة، إذ أنه قد لا يكون  مُهتما بما يتحدث عنه، وإنما يتصرف في إطار ميكانيكي بحت، مستشهدا بما كان قد قاله “إدوارد سعيد” مُؤلف العديد من الكتب حول الأوضاع العربية وسياقها الكولونيالي، “إن الخطر الذي يتهدد مثقف اليوم، في كل أنحاء العالم، لا يكمن في الجامعة، ولا في الأحياء المحيطة بالمدينة، ولا في التسليع الشنيع للصحافة ودور النشر، وإنما في موقف عام وشامل سوف أسميه بـ”المهنية”.

سمات التفاهة

يردف آلان، كاشفا عن سمات التفاهة، بأن الخبير “يتصرف دائما وفق ما يُعتبر سلوكا مناسبا، مهنيا، فلا يُربك الأمور، ولا يُشرد بعيدا عن النماذج والحدود المقررة، مع جعل نفسه قابلا للتسويق، وقبل كل شيء صالحا للظهور، ومن ثم غير مثيرٍ للجدل، وغير سياسي، وموضوعيا، لمن هم في مواقع السلطة”، مشيرا بأن “الإنسان التافه هو الشخص المُعتاد الذي يستطيعون نقل تعليماتهم من خلاله، بما يسمح ترسيخ نظامهم”.

وفي السياق ذاته، يستشهد آلان، في بسطه لـ”سمات التفاهة” بما قاله الصحافي الأمريكي كريس هيدجيز، بأن “الأكاديميين هم المسؤولون عن عللنا الاجتماعية”، مستطردا “كلما حاولنا فحص أسباب مخاطرنا الجمعية درسناها ونحن مقطوعو الصلة بالعالم، متخصصون في مجالات معرفية فرعية متناهية الصغر، فاقدون للقدرة على التفكير النقدي، مهووسون بالتطور الوظيفي، وموالون لشبكاتنا الاجتماعية من الزملاء”.

ويضيف آلان، قائلا “تحت رعاية التفاهة، يشنق الشعراء أنفسهم في زوايا شققهم الفوضوية، يُقدم العلماء ذوو الشغف إجابات عن أسئلة لم يسألها أحد، يبني الصناعيون اللآمعون معابد خيالية، فيما يناجي العِظام من راسمي السياسات الكبرى أنفسهم ف أقبية الكنائس، بل أسوأ من ذلك إن السلطة تعرف بالكلمات التي تشعر نحوها بالقدر الأكبر من الرعب، كالابتكار، التعاون، الجدارة، والالتزام، وكل من لا يُشارك في هذا الفكر سوف يُواجه بالنبذ والإقصاء”.

ويؤكد آلان، المعروف بالتصدي للرأسمالية المتوحشة ومحاربتها على عدة جبهات، خاصة فيما يتعلق بصناعات التعدين والجنان الضريبية، بأن “التفاهة تشجعنا، بكل طريقة ممكنة على الإغفاء، بلا من التفكير، وإلى النظر إلى كل ما هو مقبول وكأنه حتمي، وإلى كل ما هو مُقيت، كأنه ضروري، إنها تحولنا إلى أغبياء”، مشيرا إلى أن تعبير “نظام التفاهة”mediocracy  فقد المعنى الذي كان له في الماضي، عندما كان يصف قوة الطبقة الوسطى، وصار الآن يعني سيطرة الأشخاص التافهين، باعتبارها حالة سيطرة خلقتها الأشكال التافهة ذاتها”.

يُتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *