وجهة نظر

أي حماية قانونية للسلامة النفسية لضحايا الأخبار الزائفة عقب الجائحة العالمية

لقد أدى تفشي فيروس كوفيد 19 الموصوم من منظمة الصحة العالمية بجائحة عالمية عجزت جل المختبرات الصحية الدولية عن إيجاد مصل مضاد وقاتل للفيروس عدا بعض الأدوية التي تحد منه والمستعملة في علاج الملاريا…أمام هذه الأوضاع سارعت معظم الدول إلى سن مجموعة من التدابير الاحترازية والوقائية بدءا من غلق الحدود وانتهاءا بالحجر الصحي بغية تقزيم رقعة تفشي الوباء على المستوى الجغرافي أي بين الدول أو على المستوى الشخصي اي بين الأشخاص في إقليم معين….

كل هذه التدابير قامت بها البلدان لصالح المجتمع ولغاية وقايتها بموجب الدور المنوط بها دستوريا والمتمثل في حماية المجتمع ودوام امنه واستقراره وسلامة مواطنيه والمقيمين به على حد سواء.

بالنسبة لدول الشمال وبعد أن قامت بالحجر الصحي لم تكن بحاجة لسن قوانين و إقرار مساعدات للفئة المتضررة من آثار الحجر الصحي لتوفرها سلفا وتوقعها في إطار تدبير الكوارث والنجاة منها، على عكس دول الجنوب التي سارعت لسن قوانين حالة الطوارئ والتي تنظم كيفية تدبير السلطات للازمة وكيفية التعاطي معها من جهة، ثم ضخ اعتمادات مالية مهمة لغاية إنشاء مراكز صحية جديدة واغاثة الفئات التي تعاني جراء توقيف انشطتها المعتبرة كمصدر وحيد لموئد رزقها.

غير أن ما يهمنا من خلال هذه اللمحة ليس الخوض في الإجراءات القانونية المتخدة وكيفية تنزيلها والجزاءات المترتبة عنها وذلك لتواثر الدراسات العلمية والمقالات التي تطرقت لها في الآونة الأخيرة، بل سيتم التطرق لمدى الحماية النفسية التي أقرتها الدول بمناسبة هذه الجائحة ،وذلك راجع لاضطراب وخوف جل المجتمعات من تفشي الفيروس، ناهيك عن تصاعد المنابر الإعلامية والتي تخصص جل برامجها للحديث عن الجائحة وليس كلها موثوقة مما يزيد في بعض الأحيان من حدة الصدمات النفسية لمتلقي أخبارها ضاربة عرض الحائط مبدأ الأمانة المعلوماتية والحماية القانونية، مما يجعل مهمة السلطات المختصة صعبة بين محاصرة انتشار الوباء المجهودات المبذولة بغية حد تفشيه، وتسارع وثيرة الأخبار المغلوطة عنه، وإن كانت غالبية الأنظمة القانونية تجرم وتعاقب على ترويج اخبار زائفة أو وقائع غير صحيحة تسبب اضطراب وخوف و هلع أفراد المجتمع بعقوبات مشددة وصارمة، نستحضر القانون المغربي 13_-88 المتعلق بالصحافة ويعاقب في الفصل 72 منه عن نشر معلومات أو اخبار أو ادعاءات أو وقائع غير صحيحة وقد استعملت “عبارة كل” “يعاقب …………..كل من قام” مما يفيد أنه من الممكن إعمال النص على أي شخص متى ما خرق مقتضيات النص بغض النظر عن صفته الشخصية.

صحيح أن النظم القانونية تعاقب بيد من حديد عن فعل ترويج الأخبار الزائفة والتي تمس بامن وسلم المجتمع او بمفهوم شامل تشكل تهديد على النظام العام للدولة، بتشديد العقوبات لاسيما في حالة الطوارئ مثل ما يعيش العالم اليوم إثر الجائحة ،الا انه لا توجد حماية قانونية لضحايا هذه الأخبار والتي عادة ما يتلقاه عدد كبير من الناس وتشكل صدمة نفسية مباشرة أو غير مباشرة متفاوتة الخطورة بحسب تباين الأشخاص وإدراكهم وفهمهم لها ،لتكتفي النصوص القانونية بغرامات مالية وعقوبات حبسية كردع خاص للجاني عن فعله وردع عام وهو الذي يعتبر منه المجتمع بكافة مقوماته حول مآل كل من قام بترويج أخبار زائفة،لكن هل يوجد إطار قانوني خاص يعنى بحماية ضحايا هذه الأخبار وعادة هم مواطنين ومتتبعين للشان العام الداخلي والخارجي ؟ أم أن الجزاءات المقررة تفي بالغرض؟ وكيف سيتم إقناعنا بأن شخص شهر به على أنه مصاب بالفيروس سيجبر ضرره النفسي بعقوبة حبسية لمقترف التشهير ؟ وكيف يمكن وقاية الأفراد من مثل هذه الأخبار المغرضة بالتركيز على الجانب النفسي اكثر من الجانب المادي في جبر الضرر لأن الاول من يقود الثاني ولا يمكن العكس بكافة الأحوال؟

من الصعب الإجابة عن الأسئلة لانها تتطلب الإلمام بعلوم متخصصة نناى بالنفس تواضعا لأهل الاختصاص فيها من علوم نفسية ونفسانية وعلوم اجتماعية تتيح معلومات وافية عن مدى تأثير مثل هذه الأفعال الشاذة على الصحة النفسية لأفراد المجتمع وتغيير سلوكياتهم جرائها دون إغفال كيفية الوقاية من هذه الأخبار وتمحيصها عقب تلقيها وهي مسألة غير متاحة للعوام من الناس والذين هم غالبية المجتمع في البلدان السائرة في طور النمو ،لتتكفل العلوم القانونية بتاطير تنظيمي لما تم التوصل له من دراسات مفصلة في نص قانوني يجيب عن جبر الضرر النفسي لمتلقي الخبر الزائف سواء كان معني به في شخصه و بوصف جنائي ادق ضحية، ام كان من مجموع المتلقين للاخبار المغلوطة.

إن الحديث في هذا الموضوع يقودنا لا محالة لملامسة التخصص القانوني من خلال علم النفس الجنائي وهو أحد فروع القانون الذي حضي باهتمام وعناية اقل نظرا لتشعبه وتداخله مع علوم أخرى ومحددوية نطاقه ومجاله….وقد قام علماء النفس الإيطاليين بإرساء المفهوم المعاصر لعلم النفس الجنائي حول اساس جنوح البشر إلى الجريمة بمنزلة ان الإجرام هو الكيان الخسيس في النفس البشرية حينما يطغى على الكيان السامي فيها ، ولعل أهم اهتمامات هذا الفرع من القانون والمرتبط بموضوعنا متمثل في دراسة الظروف والعوامل في هذا النوع من الجريمة، دراسة السلوك الإجرامي من حيث أسبابه ودوافعه الشعورية واللاشعورية مما يساعد على فهم شخصية المجرم ووضع العقاب والعلاج المناسب،من خلال الاهتمامات المذكورة يتبين أن علم النفس الجنائي لا يكتفي بمعاقبة مرتكب الفعل عن فعله طبقا للقانون بل متابعته نفسيا في فترة آداء العقوبة وبعدها ،فإن كان فعله الإجرامي أدى لضرر نفسي لدى الضحية بنشره اخبار غير واقعية ،فمن المؤكد أن للعقوبة والحرمان من الحرية وقع مدوي ومنحوت في ذاكرة ونفسية مرتكب الجريمة ، هذا إن لم يكن سبب ارتكابه لها في الأصل ناتج عن صدمة عرضية إثر اخبار غير صحيحة أيضا وبه يكون ضحية في نظر نفسه وجاني بالنسبة للمجتمع.

ولكي لا يتيه قارئ هذه السطور وكنموذج حي كما تواترته بعض منابر الإعلام الفرنسية الرسمية ان مواطن فرنسي قام بإهانة طاقم طبي بعدما أدلى هذا الأخير لصحيفة ورقية عقب حوار حصري بإنتشار الوباء بشكل متسارع في البلدة التي يقيم بها بدليل توافد حالات عديدة والتي يعمل لديه بها مزارعون جعلهم الخبريغادرون رغم أنهم حاصلون على تراخيص الخروج للعمل بشكل عادي مع الحفاظ على التدابير الوقائية من وضع الكمامة وغسل أو تعقيم اليدين بشكل دوري ومنتظم وكون ان مكان العمل او البلدة المتواجدون بها لم تسجل الا خمس حالات عن فرنسيين كانوا قد غادرو ايطاليا عقب انباء عن إقفال الحدود ولم يظهر بعد أي حالة كما لم يخالط الوافدين اي من سكان البلدة، وتوبع من محكمة الدرجة الأولى (T.P.I.T,3502,jug3400) بالفعل المشار إليه أعلاه غير انه استفاد من عقوبة بديلة عن العقوبة الحبسية و الغرامة بعد تقديم الدفوعات المشار إليها، وفي مثل هذه الحالة تثور إشكالية الحماية النفسية لمتلقي الأخبار غير الدقيقة مما يجعلهم عرضة لسلوكيات غير سوية قد تؤدي والحالة هاته لعقوبات قضائية تأديبية، وإن كان جل القضايا يتابع اشخاصها بنشر معلومات غير صحيحة فالأصل وليست هناك نسبية في صحتها إلا أن الوطا النفسي للافعال اكبر من التجريم والعقاب المشرع قانونا وبلغة واضحة لا يمكن لما هو مادي أن يحل مكان المعنوي.

ومحاولة في الإجابة عن التساؤلات الواردة لا يوجد إطار قانوني واضح لجبر الضرر النفسي اللاحق بضحايا الأخبار الزائفة سوى ما تعلق منه بتقدير التعويض المدني في إطار السلطة التقديرية الممنوحة للقضاء، ولا يمكن اعتبار بأية حال ان الجزاء الجنائي لمروج أخبار كاذبة جبرا نفسيا كما لا يعقل الاعتماد عليه وجعله مقاربة وحيدة لردع مروجي الأخبار الزائفة ولطالما عوقب العديد من الجناة إثر هذه الجريمة لكنها لازالت مستمرة مما يوحي نوعا ما رغم الجهود المبذولة والمستحسنة لمحاصرة هذا النوع من الجريمة لاسيما في حالة الطوارئ انها مقاربة يعتريها قصور معلل بحالة تصاعد مؤشرات ارتكاب هذا النوع من الجريمة كما أن الدوريات القضائية سواء تعلق الأمر بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية أو رئاسة النيابة العامة في المغرب تشدد على التطبيق الصارم للقانون كلما تعلق الأمر بهذه الجريمة، لكن بالمقابل لا إشارة لأثرها النفسي على المجتمع والاكتفاء بالزجر والتعويض كأساس للجبر بنوعيه المادي والمعنوي، وفي اعتقادنا ان الأشخاص ضحايا الأخبار الزائفة لا يعقل أن يكون التعويض المدني المتمثل في مبلغ مادي كافي لإعادة التوازن النفسي لهم، وتبقى العقوبة نسبيا تشفي غليلهم من الفعل المقترف وترسخ لديهم مبدأ الإنصاف والعدل بمجتمعاتهم، ولغاية الوقاية من مثل هذه الجريمة نقول لا يكفي إعمال المقاربة الزجرية لسببين ، الاول متعلق بتدبير الاعتقالات واكتظاظ السجون وإثقال القضاء بالقضايا ذات البعد النفسي المحض لمرتكبيها ، والثاني لان عقوبتهم السجنية تثقل كاهل الدولة والمرحلة الراهنة أولى بترشيد النفقات لكل ما يخدم الصحة العامة الوطنية أولا وتجاوز كل ما يعيقه أو يضعفه، ووجب بالموازاة معها إعمال المقاربة التوعوية النفسية وذلك من خلال:

ا- العمل على برامج إعلامية موازية للبرامج التحسيسية بخطورة الفيروس تهم حصص نفسية يلقيها المختصين النفسيين لصالح المواطنين

ب- تمكين جمعيات المجتمع المدني من العمل على طمانينة المجتمع من خلال منابرها في الوسائط الإعلامية أو الاجتماعية المنتشرة بكثرة

ج- قامت الدولة بمجهودات جبارة لاحتواء الآثار الناجمة عن الجائحة من خلال التمكين المادي للفئات الهشة من خلال إنشاء صندوق خاص لمكافحة الكوفيد المستجد، والآمال معقودة على المسايرة او المصاحبة المعنوية من خلال العمل على نشر الطمأنينة في تدبير الأزمة وعدم الركون فقط للشق الامني لمحدوديته.

ج- تفعيل بدائل العقوبات بخصوص مروجي الأخبار الزائفة إن لم تكن تلك الاخبار تهدد الأمن العام بمفهومه الضيق والناتج عنه زعزعة النظام العام وسلم المجتمع وخاصة العمل لأجل المنفعة العامة

د- التركيز على الصحة النفسية للمواطنين دون سلوك نظرة تفائلية مبالغ فيها ودونما حاجة لتهويل الوضع المفضي للوسوسة وبعض الأمراض النفسية التي قد تسببها طريقة تقديم الأخبار عن الوضع الصحي للمواطنين، وإنما عن طريق تكثيف الحملات التحسيسية الاطباء النفسيين عبر الوصلات الإعلامية .

إلى جانب كل ما تم ذكره وجب التنويه بالمجهودات التي تقوم بها السلطات المغربية في تدبير الأزمة تبعا للرعاية المولوية والقيادة الرشيدة لعاهل البلاد الملك محمد السادس الذي كان سباقا لإنشاء صندوق خاص تضخ فيه مبالغ مالية مهمة من كل مقومات الدولة لفائدة صندوق تدبير جائحة كورونا ناهيك عن التعليمات السامية لإنشاء مستشفيات عسكرية ميدانية تعمل إلى جانب نظيرتها المدنية، والعمل على تصنيع آليات طبية مغربية محلية تمكن من تغطية الحاجيات المتوقعة من كمامات باثمنة رمزية، وصنع أجهزة تنفس طبية محلية، وتمكين العاملين المهيكلين من مبالغ مالية كمساعدات مرحلية إثر توقف أنشطتهم في الوضعية الآنية، وأيضا تمكين الأسر العاملة في القطاع غير المهيكل من نفس المبالغ المالية في مرحلة ثانية، ثم أصدر عفوه الكريم عن5654 نزيل بالمؤسسات السجنية، لتتضح من خلال المؤشرات التالية ان نشر الاخبار الزائفة التي من شأنها أن تثير حساسية لن تلقى إقبالا أمام هذه الإنجازات و المجهودات الجبارة التي كانت موضوعا فخريا لصحف أوروبية وأمريكية، وبه وجب التركيز على تحصين السلامة النفسية للمواطنين من خلال برامج التوعية من طرف المختصين في المجال النفسي مما يسهم في التفاعل الإيجابي لمجموع المواطنين وتقييد وعزل اصحاب الأخبار المغرضة ليسهل إعمال التدابير القانونية في حقهم دونما حاجة لتشويش التركيز الوطني المنصب حول المسؤولية والالتزام للوصول لبرالأمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *