أدب وفنون، رمضانيات

كتاب “نظام التفاهة”: “الموضة” قلبت الثقافة رأسا على عقب وجعلتها مجرد ترفيه (9)

في عمق الأزمة الإنسانية التي نكابدها، تشتد الحاجة إلى أنيس يسافر بنا بعيدا، لمعرفة كيف يمضي العالم اليوم، وكيف تمتزج السياسة بالاقتصاد والإعلام، لتولد مضامين، تعمل على تشكيل وتسيير كافة جوانب عيشنا المجتمعي. لهذا اختارت جريدة “العمق” القراءة في كتاب “نظام التفاهة”، عبر حلقات يومية طيلة الشهر الفضيل، تلخص المضمون، وتحافظ على عمق المعنى

قراءة ممتعة…

الحلقة التاسعة: 

قال آلان دونو، مؤلف كتاب “نظام التفاهة” و أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامة كيبيك في كندا، وأكاديمي ناشط، إنه بواسطة ما بات يسمى “الموضة” تم “قلب الثقافة رأسا على عقب، إلى أن تحولت إلى مجرد صناعة للترفيه، واستعمار العقول من قبل الإعلان التجاري، وسيطرة نظام التمويل الدولي على الاقتصاد، وعدم استقرار هذا النظام”.

ويعقب آلان، “كما إن الكتابات الأكاديمية تبالغ أحيانا في التعقيد، حتى كاد الأسلوب الجاف والمستغلق يتحول إلى ما يشبه الموضة في الأوساط الفلسفية، إلى درجة صارت معها الكتابة الواضحة عرضة للاشتباه بالسطحية وغياب أصالة الفكر”.

عن الموضة

وعن أسباب الاستهلاك على الحياة، زاد آلان بأن “ما تم العمل عليه في الجامعات من أبحاث ومن تدريب، هو من ضمن العوامل التي خلقت مشكلات كـ”الاستهلاك المتزايد” المعبر عنه بالتقادم المخطط له، أي أن “يتم طرح المنتج في نقاط البيع، لفترة زمنية محددة، ثم يتم استبداله بمنتج استهلاكي آخر يؤدي نفس وظيفته، عن طريق وقف تسويق الأول، أو أن يتم التوقف عن إنتاج قطع غيار له أو طرح بديل مطور عنه، وذلك من أجل حمل المستهلكين على التغيير وشراء البديل الجديد، رغم كون الأول مازال صالحا للاستعمال، وهي “الموضة” بالنسبة للأجهزة التقنية والملابس”.

وتتمة لبسطه لنظام التفاهة، يزيد آلان، الذي لوحق قضائيا من قبل بعض أقطاب صناعة التعدين عام 2008، بعد أن أصدر كتابا في العام نفسه بعنوان “كندا السوداء: النهب والإفساد والإجرام في إفريقيا”، بأن “التفكير يصبح تافها حين لا يهتم الباحثون بالملاءمة الروحية لمقترحاتهم البحثية، وأن الباحثين حين يوظفون لخدمة الاقتصاد، يبدو محتما على الفكر أن يُجسد، في واقعه، عيوب مؤسسته، إذ على الفكر أن ينتج المعرفة بغض النظر عن التكلفة وعن أثر هذه المعرفة في العالم”.

وأضاف، بأن الوفرة المتعاظمة للوسائط الناقلة للفكر كالكتب والتقارير والأعمال المستندة إلى النظريات، والمفاهيم، والمعلومات الواقعية، حتى أن العقل يجد نفسه مُثقلا وهو يمضي في الطريق الذي يقوده إلى إنتاج أي شيء، غارقا في مدٍ من المنشورات العلمية، إذ يخشى العقل أنه لن ينتج إل محض عنصر آخر يزيد من فداحة الظاهرة.

ويؤكد آلان، بأنه “ابتعدنا كثيرا عن عملية المعرفة، أي العملية التي نكتشف بمقتضاها وعينها وما هو قادر عليه من خلال سعادة الشخص المبتكر بعمله، صغيرا كان أم كبيرا” مردفا “لقد وصلنا إلى درجة الحمولة القصوى، صار الطريق نحو تحقيق الفكر مسدودا، لقد انتصرت النزعة الإنتاجية وما يصاحبها من عمليات تراكمية، فعمل العقل تمت إعاقته بواسطة مراجع متكاثرة، وصارت التفاهة غالبة”.

يُتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *