أدب وفنون، رمضانيات

كتاب “نظام التفاهة” .. هكذا يعيش الطالب الجامعي معاناته في صمت (14)

في عمق الأزمة الإنسانية التي نكابدها، تشتد الحاجة إلى أنيس يسافر بنا بعيدا، لمعرفة كيف يمضي العالم اليوم، وكيف تمتزج السياسة بالاقتصاد والإعلام، لتولد مضامين، تعمل على تشكيل وتسيير كافة جوانب عيشنا المجتمعي. لهذا اختارت جريدة “العمق” القراءة في كتاب “نظام التفاهة”، عبر حلقات يومية طيلة الشهر الفضيل، تلخص المضمون، وتحافظ على عمق المعنى. 

قراءة ممتعة…

الحلقة الرابع عشر: 

يقول آلان دونو أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامة كيبيك في كندا، وأكاديمي ناشط، إن ما تُقدم الجامعة قواعد هي فقط من يفهمها، فيمر الزمن ويقضي الطالب الجامعي الكثير من الوقت كي يتخصص في مجال ضيق جدا، حتى يصل إلى درجة يبدأ معها بالتفكير بأنه ليس فقط أن البحث هو فرصة النمو الوحيدة أمامه، بل هو الطريقة الوحيدة أصلا لتطوير كامل قدراته بطريقة مهنية.

معاناة بلسان طالب جامعي

ويستمر آلان، في سرد معاناة الطالب في فترة دراسته بالجامعة، موجها كلامه بصيغة المخاطب “الآن وقد صرت أسيرا، فلن يمكنه الفرار من جملة من الخطوات التي تمثل جزءا من البرنامج التعليمي، والتي غالبا ما يتكشف كونها إما طقوس إذلال عقيمة، أو ابتزازا مرتبطا بتمويل متدن إلى درجة المجاعة، أو مجرد أشكال رمزية للوضع الاجتماعي”.

ويردف، “عليك أن تشرح في رسائل طويلة سبب طلبك لسنة إضافية لإنهاء أطروحتك، وأن تستجدي قسمك العلمي لإصدار الموافقة، هذه اللطمات المتكررة هي سمة مميزة للفترة التي تفقد خلالها تقديرك لذاتك، هنا أيضا تلاحظ، للمرة الأولى، مظاهر عدم انتظام عملية التوظيف وطبيعتها الاعتباطية، إضافة إلى الجروح المميتة التي يمكن أن تسبب فيها أحيانا”.

ويزيد، “في هذه المرحلة، مدفوعا إلى الحافة وأحيانا شاعرا بالاشمئزاز من نفسك، بل وحتى من ممالك المعرفة والجمال التي قدمت على مذابحها الكثير من التضحيات، تبدأ في رؤية أي عرض للتوظيف وكأنه فضل، سواء تمثل بتدريس مقرر مقابل أجور تصل إلى حد الفقر، أو بالعمل كعريف متطوع في ندوة، مقابل باقة ورد ووعد بأن كل شيء سيتغير”.

ويضيف، بأسلوب المخاطب نفسه “وحيث إنك تحب التدريس والبحث، وحيث أنك على قناعة بأن أحدا لا يمكنه توظيف من يماثلك تخصصا، فإنك تستمر بالأمل في أنه سوف يتم توظيفك في يوم ما، وسوف تُترك إلى أن تنطفئ تدريجيا رغبتك الغامضة في أن تعيد التعلم في مجال آخر”.

ما الهدف من التدريس إذا؟

وعن الهدف من التدريس، يقول آلان، “هو مصالحة الطالب مع ذاك الجزء من نفسه، القادر على القبض على الأسئلة الأولية، أو الأوضاع الجمالية المثيرة للقلق إلى درجة عميقة، إنه ينطوي أيضا على مرافقة الجانب الآخر للطالب، الجانب الذي يجد صعوبة في تحمل وقع النص، وترجمة معناه على الوجه الأكمل من خلال مصطلحات اعتيادية”.

ويتفق آلان، مع طرح الفيلسوف الفرنسي باتريس لورو، الذي يذهب إلى أن الأستاذ ينبغي أن يصدم طلبته إلى حد ما، مهما كان صغيرا، حتى يستفز في دواخلهم ردة فعل حتمية”، مشيرا لمقولة دومينيك بيستر المتخصص في الإبيستمولوجيا “إن الدهشة التي تعتريك عندما ترى عظمة الأشياء، هي شيء يُختبر أيضا في الحقول المعرفية، التي يُظن خطأٌ أنها باردة ورزينة، كالفيزياء مثلا”.

ويذهب آلان، إلى أن المعرفة تتطلب منا، بإصرار، أن نُطور ضربا من الهدوء الذي يسمح لنا بالنظر إلى الموت وقبوله باعتباره أمرا محتما، وإن هذا يعني أن محاولاتنا لأن نعرف وأن نُدرس تحتاج إلى أن تنطوي علاقتنا مع المعرفة على التواضع.

يُتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • يوسف
    منذ 4 سنوات

    عمل رائع وجد متميز يستحق كل التشجيع والتنويه. تصفيقاتي ومودتي