مجتمع

رمضان في زمن كورونا.. صيام بطعم العزلة وفرصة للتعبد الفردي

هاجر شريد – صحفية متدربة

حل رمضان هذه السنة في أجواء استثنائية غلب عليها الانعزال والتباعد الاجتماعي بسبب الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار وباء “كورونا”، وكان لذلك أثر على العديد من المجتمعات بما فيها المغاربة الذين عاشوا الشهر الفضيل هذه السنة في ظروف مغايرة لما اعتادوا عليه خلال السنوات السابقة.

وساهمت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من قبيل حظر التنقل ليلا، وإغلاق المساجد، ومنع التجمعات بين الناس، في خلق تحول شبه جذري في نمط الحياة الرمضانية للمغاربة هذه السنة.

اختفاء عادات وطقوس

تحكي نهيلة وهي طالبة صحافية من مدينة بوجدور جنوب المغرب، عن الأجواء الجديدة “حرمنا هذه سنة من الأجواء الرمضانية، المتمثلة في اجتماع العائلة والأصدقاء على مائدة الإفطار”، متابعة بصوت متحسر “أشعر بخيبة أمل لأنني لا أستطيع الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة التراويح، فلقد أصبح العالم مختلفا بسبب كورونا، لكن  ليس لدينا خيار سوى تقبل الوضع، والتزام بقواعد التباعد الاجتماعي من أجل الحفاظ على أرواحنا”.

وأبرزت نهيلة في حديثها لجريدة “العمق” أنها اعتادت في السنوات السابقة على تناول وجبة الإفطار خارج المنزل رفقة أصدقائها لكسر الروتين، وعيش أجواء رمضانية بطريقة مختلفة، لكن هذه السنة الوضع تغير وأصبح مستحيلا بسبب الوباء

وأكدت  أن رمضان يحمل مكانا خاصا في قلبها، ولطالما كانت تنتظر قدومه بكل حماس وشغف، فهو بالنسبة إليها فرصة لإعادة تجديد علاقتها مع الله، مضيفة أن الأجواء الرمضانية لهذه السنة يغلب عليها طابع العزلة والحزن، بسبب الحجر الصحي الذي فرض على الناس المكوث في المنازل، وأداء صلاة التراويح بالبيت.

وتقول نهيلة التي بدت حزينة “إن الشوارع عادة ما تكون مليئة بالحركة طلية أيام رمضان، خاصة بعد أداء صلاة التراويح، بإضافة إلى مراكز التجارية التي تعج بالمتسوقين، لكن كل هذه المظاهر اختفت، فلا شيء يوحي بأننا في رمضان”، لتختم حديثها قائلة  “أطلب من الله أن يرفع عنا هذا البلاء قبل قدوم عيد الفطر، من أجل عودة الحياة إلى طبيعيتها”.

وبالنسبة لمحمد، موظف بالقطاع الخاص، فإن الجو هذا العام “ليس رمضانيا على إطلاق”، لأنه اعتاد على زيارة العائلة وتبادل أطراف الحديث على مائدة واحدة وسهر حتى ساعات السحور.

وقال محمد في تصريح لجريدة  “العمق”، إن “رمضان هذه السنة حل غريبا علينا، فلا تجمعات عائلية، ولا شعائر الدينية التي تمتثل بالنسبة لي طقسا مهما خلال هذا شهر”.

وتابع بالقول “لا أستطيع تصور رمضان بلا صلاة تراويح، فهناك فرق شاسع بين أدائها بالمسجد وفي المنزل، مهما حاولنا أن نقول عكس ذلك”، وتأسف أن “فيروس كورونا أفسد كل مخططاته لهذا الشهر الفضيل”.

ويشرح محمد أنه في السنوات الماضية كان يختم القران لعدة مرات في رمضان، لكن اليوم في ظل الظروف النفسية التي يمر بها بسبب الحجر الصحي يجد صعوبة في ذلك.

غير أنه اعتبر البقاء في المنزل خلال رمضان فرصة للتفرغ للأسرة، والتقارب بين أفرادها، وتركيز على ختم القران الكريم، وأن التكنولوجيا بإمكانها تعويض ما حرم الحجر الصحي الناس منه في التواصل مع أقاربهم وأصدقائهم، وبإمكانها تخفيف وطأة العزلة.

وعبر محمد عن أمانيه من أن “يلتزم الجميع بالإجراءات الوقائية، من أجل رفع الحجر الصحي قبل عيد فطر”.

فرصة للتعبد الفردي

“رمضان هذه السنة أتى في ظروف استثنائية أفقدته أهم مميزاته وطقوسه، واقتصر الأمر على التعبد الفردي مع الأسرة داخل البيت بدلا من التعبد الجماعي”، يقول الباحث في الفقه الإسلامي محمد عبد الوهاب رفيقي الذي يرى أن التعبد الفردي “أفضل وأكثر أجرا من التعبد الجماعي، خاصة فيما يتعلق بالنوافل كصلاة التراويح”.

وشدد رفيقي في تصريح لجريدة “العمق”، على أن “تجربة التعبد الفردي ستكون فرصة ليتعود الناس على ممارسة العبادات بشكل فردي، لأن العبادة القصد فيها علاقة بين الخالق والمخلوق، وغير مرتبطة بالآخرين أو الجماعة”.

وبخصوص تسبب “كورونا” في حرمان المسلمين من أداء التراويح في المساجد على غرار السنوات الماضية، اعتبر رفيقي أن “صلاة التراويح ليست سنة حتى نضخمها كل هذا التضخيم، هي مجرد بدعة ابتدعها عمر ابن الخطاب، ولم تكن معروفة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام”.

وأشار أنه مازلت هناك فئة من الناس تعتقد انه لا يمكن إغلاق المساجد، وإلغاء صلاة التراويح رغم تفشي الوباء، وهو أمر يتنافى مع الشريعة الإسلامية”، مؤكدا أن هذه الفئة “تشكل نسبة صغيرة، ولم يكن لها صدى كبير لأن غالبية من مواطنين تفاعلوا مع الإجراءات الاحترازية بطريقة إيجابية”.

وشدد رفيقي على أن صحة الإنسان مقدمة على كل شيء، وأنه يمكن تعطيل كل الشعائر والعبادات حفاظا على أرواح الناس وصحتهم، كما اعتبر أن التقرب من الله يمكن للإنسان تحقيقه تحت أي ظرف، وفي أي مكان وليس بضرورة في المسجد، وأن هناك عدة طرق ووسائل يستطيع الفرد من خلالها التقرب من الله.

وختم رفيقي حديثه بالقول “نحن اليوم في ظرف خاص، وأمام فيروس قاتل، وملزمون بهذه الإجراءات حفاظا على صحة الناس، مع كل الأمنيات بأن ينتهي هذا الوباء  في أسرع وقت”.

رمضان أصعب في زمن “كورونا”

الباحث في علم الاجتماع يونس حياني يقول إن “المغاربة هذه السنة يفتقدون العديد من الطقوس، والممارسات الاجتماعية بسبب الحجر الصحي، مما قد يرفع من منسوب الضغط والتوتر، وحدة المشاكل الأسرية”.

ويوضح حياني أن طقوس رمضان ليست  دينية محضة، وإنما أيضا اجتماعية وثقافية وفنية، تسمح للأفراد بخلق أجواء استثنائية خاصة بعد إفطار، ليضيف قائلا “أن  هناك الكثير من الأنشطة تتكرر بشكل خاص في رمضان نظرا لما يتيحه من أجواء مناسبة التي تخلق إمكانيات متعددة لراحة، والتخفيف من ضغط المشاكل اليومية المصاحبة لصيام والعمل اليومي”.

ويتابع في تحليله للظاهرة في اتصال مع جريدة “العمق”، إن “رمضان في أيام الماضية كان يسمح بطرق متنوعة لتمضية الوقت، والتنفيس والترفيه عكس ما يحدث اليوم، فالفراغ والملل يزيد من حدة الاضطرابات ومشاكل الأسرية”.

مضيفا أنه يمكن استغلال رمضان لبناء علاقات أفضل، وجعله فرصة لتقييم الأخطاء السابقة، إلى جانب استثمار القيم الدينية التي تدفع نحو التماسك الأسري، فهي تلعب دورا مهما في تحقيق التوازن والاستقرار النفسي والاجتماعي.

ويقول حياني “تبقى تجربة رمضان بين جدران البيت صعبة، خاصة بالنسبة الأسر التي تتوفر على فضاءات سكن ضيقة بحكم ظروفها الاقتصادية والمادية الهشة، الأمر الذي سيؤثر لا محالة على طبيعة العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، مما يؤذي إلى نشوب خلافات ومشاكل تكون في غالب الأحيان لأسباب  بسيطة”.

ويختتم حديثه قائلا “لقد وضعنا فيروس كورونا أمام اختبار حقيقي لكل ما كان سائدا في الماضي من قيم وسلوكات يومية و تواصل بين أفراد الأسرة، الأمر الذي له انعكاسات الاجتماعية، يمكن ملاحظة البعض منها في هذه الظرفية، وبعض الأخر بعد انتهاء الحجر الصحي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *