أدب وفنون، رمضانيات

كتاب “نظام التفاهة”: زمن المهرجين والصراع بين الأغنياء والفقراء (28)

في عمق الأزمة الإنسانية التي نكابدها، تشتد الحاجة إلى أنيس يسافر بنا بعيدا، لمعرفة كيف يمضي العالم اليوم، وكيف تمتزج السياسة بالاقتصاد والإعلام، لتولد مضامين، تعمل على تشكيل وتسيير كافة جوانب عيشنا المجتمعي. لهذا اختارت جريدة “العمق” قراءة في كتاب “نظام التفاهة”، عبر حلقات يومية طيلة الشهر الفضيل، تلخص المضمون، وتحافظ على عمق المعنى. 

قراءة ممتعة…

الحلقة الثامن والعشرين:

تحدث آلان دونو، الأكاديمي وأستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامعة كيبيك في كندا، المعروف بالتصدي للرأسمالية المتوحشة ومحاربتها على عدة جبهات، خاصة فيما يتعلق بصناعات التعدين والجنان الضريبية”، في كتابه “نظام التفاهة”، عن “روح الدعابة” بالقول إنها تمكننا من مسح موقف ما وكتابة نص جديد، ويمكن تعرية الوجهاء والشخصيات المرموقة وغمسهم في الفكاهة بشكل قاس، مثلما فعل المخرج بيير فالادرو في فيلم زمن المهرجين، سنة 1985.

واستدرك، “إلا أن الفكاهة سرعان ما يمكن أن تصبح داكنة، من الغريب أن كلمات فالاردو القذرة تقوي من كرامتنا، إننا نفكر فيها في الحقيقة، هي تنقذنا، عندما نرى الأقلية العالمية تستهلك عروضا بائسة بقدر بؤس أكثر البرامج التلفزيونية ابتذالا، هذا هو الوضع، سواء كانوا يقيمون لدى عائلة البليونير ديسماريه في كيبيك، أو يزورون نسخة ترمب البشعة في قصر فيرساي”.

وأضاف “إن كلمات فالاردو، تساعدنا أيضا على أن لا نجفل لدى مشاهدة المشهد المذهل في الفيلم التسجيلي الذي أخرجه أندرياس بيتشلر، متلازمة فينيسيا، الذي يظهر فيه السياح وهم يدمرون أساسات مدينة البندقية فعليا، فيما هم يرتدون ألبسة تعود إلى أزمنة ماضية، لاعبين دور النبلاء في حفلة تنكرية تافهة”.

ووصف آلان، سرد فيلم زمن المهرجين، بالقول “يفعل ما هو أكثر من مجرد إعطاء موقع ذي أفضلية لرؤية المشهد الذي صرنا، للأسف، معتادين عليه، إنه يرينا كذلك الظلم الذي يقع حين يحتقر الأغنياء والفقراء بعضهم بعضا، الابتذال مقابل الابتذال، ويوضح أن الفقراء، عندما يرفضون سحر البرجوازية الغامض، فإنهم كثيرا ما يدفعون الثمن من خلال كرههم لأنفسهم، وإن هذا ليس مجرد ازدراء متبادل بين شخص وآخر، وإنما ازدراء متبادل بين غني وفقير، في موقف يقود فيه هذا الشعور الذي يشتركان فيه إلى الحط من قدر الأخير”.

وأكد، “حتى الأشخاص الذين يقدرون حس الدعابة يمكن سريعا أن يفقدوا إحساسهم بالثقة في زمن مثل هذا، إذ إن شخصية هاينة تصبح أكثر غلظة وأقل دعابة عندما يصف الأثرياء، الذين لا يعون كونهم قد أفسدوا بثرائهم باعتبارهم millionarr وهي كلمة تمزج بين الكلمتين الألمانيتين مليونير، ومغفل narr”.

وفي نفس السياق، فسر آلان، بأن “هذا الضرب من التحرر النفسي ليس محبذا، لأنه لا يعدو أن يكون تحضيرا لتجارب جديدة، وهو نادرا ما يجعلك تعلو من حيث المكانة”، متسائلا “ما الذي تبقى لمنبوذي الدين الروحي؟” ليجيب “يمكنهم أن يكونوا خلاقين، طريفين، فطنين، مبدعين، وغيرها من الصفات التي يمكن النظر إليها بعين الحسد من قبل الذين كان المال يجنبهم الاضطرار إلى تطوير مثل هذه الصفات”.

وزاد، “سوف يتملك أصحاب المال، بعد مدة، ثمار المواقف التي ما طورت أصلا إلا رفضا لهم كأثرياء، وسوف تؤول إليهم حقوق الملكية الفكرية لتصاميم اللباس الذي ابتدعه أناس كان أسلوبهم فيه قد جعل منهم هامشيين في السابق، في الكليات الرفيعة سوف يدرسون الأعمال الأدبية البارعة التي أنتجها من رفضهم المجتمع فكتبوها ضد الأغنياء بصعوبة وغضب، سوف يستحوذون على أحياء كان الفقراء هم من أسبغ عليها العقل والروح بما توفر لهم من وقت قليل”.

وهكذا، أكد آلان، بأن الأغنياء “لديهم خيار شراء الحقوق الحصرية للاختراعات التي ابتدعتها الأرواح الغنية لأناس واجهوا المتاعب واضطروا للتغلب عليها، بذلك، فإن حس الدعابة لديهم، الذي طوروه جيدا، سوف يجعل لهم الضحكة الأخيرة، سوف يدوي صدى ضحكاتهم الثخينة فيما هم ينحدرون بكل هذه الأشكال، التي طورت من دونهم، إلى أن يحيلوها عناصر اللعبة التجارية، هذا هو شغفهم الوحيد، إنهم استعراض القوة المالية، ولا شيء غير ذلك”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *