حوارات، لنا ذاكرة

باحث: هذه أشكال الحجر الصحي في تاريخ المغرب.. وهكذا تعامل المغاربة مع الأوبئة

يرى البعض أن جائحة كورونا سابقة في تاريخ البشرية والمغرب، لكن بعض النبش في التاريخ يبدد هذا الاعتقاد، حيث عرف العالم والمغرب على وجه الخصوص الكثير من الجوائح والأوبئة، وحدثت اضطرابات وتغيرت الكثير من سلوكات الناس وتدخل المخزن.

فما هي أخطر الأوبئة التي عرفها المغرب في تاريخه الحديث؟ وهل استعمل المغاربة الكمامة كما هو الحال اليوم؟ وهل لجأ المخزن قديما إلى فرض الحجر الصحي؟ وما هي أبرز تدخلاته وسلوكات السكان؟ وما علاقة الأوبئة بالمجاعات؟

هذ الأسئلة نقلتها جريدة “العمق” إلى  عبد العزيز الطاهري، أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، ليجيب عنها في هذا الحوار.

ما هي أخطر الأوبئة التي عرفها المغرب خلال تاريخه الحديث؟

ليس المغرب حديث عهد بالأوبئة كما يظن كثير من الناس الذين فاجأهم وباء كوفيد 19. فقد عرف تاريخه العديد من الأوبئة، من بينها الطاعون والكوليرا، المعروفة عند المغاربة ببوكليب أو بوكليب الكحل، والتيفوس والجذري… لكن أخطرها بالتأكيد هو الطاعون الذي كان يقع بشكل دوري بمعدل يقارب مرتين إلى ثلاث مرات في القرن، إضافة إلى الكوليرا التي ظهرت خلال القرن التاسع عشر وأصابت المغرب خمس مرات.

وإضافة إلى المصادر التاريخية وكتب الفقه والتراجم والسير والكتابات والوثائق الأجنبية التي تضمنت معلومات عن الأوبئة في المغرب، فقد أنجزت أبحاث ودراسات تاريخية راهنة، بعضها عبارة عن أطروحات جامعية، تناولت هذا الموضوع يمكن العودة إليها لمزيد من التفاصيل، من بينها أوبئة وجوائح المغرب خلال عهد الموحدين للحسين بولقطيب، والأوبئة والمجاعات في مغرب القرنين 16 و17 لبرنار روزنبرجي وحميد التريكي، وتاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لمحمد أمين البزاز، والطب الكولونيالي الفرنسي بالمغرب 1912 – 1945 لبوجمعة رويان…

إذا أردنا مقارنة جائحة كورونا من حيث الخطورة مع جوائح أخرى عرفها المغرب، في أي مرتبة يمكن أن تصنف؟

يصعب على الباحث القيام بمقارنة حاسمة ونهائية بخصوص درجة الخطورة بين وباء كورونا الحالي والأوبئة التي عرفها تاريخ المغرب، وأقصى ما يمكن الوصول إليه هو بعض الفرضيات فقط. والأمر راجع إلى الاعتبارات التالية:

– النقص في المعلومات: فالدراسات التاريخية التي خصصت للأوبئة في تاريخ المغرب، على أهميتها القصوى في التعريف بها وتفسيرها، قليلة وتعد على رؤوس الأصابع. أما وباء كورونا فمازال يخفي الكثير من الأسرار، فكثير من حقائقه الطبية والصحية وأسباب وقوعه وانتشاره ما زالت خافية حتى على المتخصصين في علم الأوبئة والطب، فما بالك بالباحث في التاريخ.

– إشكالية الإحصائيات: المعلومات والإحصائيات التي ترد في المصادر التاريخية المغربية تتسم بعدم الدقة ويغلب عليها الطابع الوصفي الأدبي أكثر من الطابع الرقمي الدقيق، أما الكتابات الأجنبية، وخاصة آداب الرحلات وما كتبه بعض التجار الأوربيين والتقارير القنصلية، فتتسم أرقامها وإحصائياتها عموما بالمبالغة. أما بالنسبة للوباء الحالي، فرغم أننا نتوفر على إحصائيات في ما يخص عدد الإصابات والفتك وحالات الشفاء والتي تنشر يوميا على وسائل الإعلام، فإنها إحصائيات مؤقتة ونتائج الوباء غير نهائية وحجم ومدى تداعياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لم يتضح إلى حد الساعة بشكل دقيق.

– اختلاف السياق: يتميز السياق التاريخي الماضي، خاصة في فترة ما قبل الحماية، بدولة تقليدية محدودة الوسائل الإدارية والتقنية والمالية والمادية والاقتصادية، وعدم قدرتها على فرض هيمنتها الدائمة على مناطق التراب المغربي، وكثرة الصراعات السياسية والحروب الداخلية، وتميز المغرب آنئذ باقتصاد الندرة وضعف المعرفة الطبية. وبالتالي فالتدابير التي تتخذها الدولة والمجتمع على حد سواء لمنع دخول الوباء إلى المغرب وتفشيه ومواجهته ظلت محدودة الفعالية مما كان يزيد من خطورة وانعكاسات الوباء والجائحة. أما الدولة الحالية، الدولة الوطنية الحديثة التي ترجع أصول نشأتها إلى فترة الحماية، فهي تتميز بجهاز إداري ضخم، وبأدوات الإكراه الشرعي التي تفرض هيمنتها على كل مناطق المغرب، وسهولة التنقل ووفرة وسائل النقل المواصلات، ويضاف إلى ذلك أن الاقتصاد، بفعل الاندماج في السوق الرأسمالية، بدأ يجنح نحو الخروج من طابع القلة، ويدعم ذلك التطور الطبي الهائل الذي يعرفه عالم اليوم، وبالتالي فتدخل الدولة يتسم بفعالية في الحد من الخطورة بالمقارنة مع الأزمنة الغابرة.

تجعل هذه الأمور المقارنة أمرا صعبا، فإذا نظرنا إلى كل وباء في حد ذاته وحسب طبيعته الصرفة فيصعب المقارنة بين خطورة الأوبئة لأن هذا الأمر موكول لعلماء الطب والفيروسات والوبائيات، وإذا نظر إلى الوباء أثره الواقعي باستحضار الإمكانيات التقنية والعلمية والطبية والمؤسساتية والاقتصادية التي تتخذ لمواجهته فيبدو وكأن الأوبئة الماضية أشد خطورة، وتكفي الإشارة إلى أن عدد الوفيات التي سجلت في المغرب إلى حد الساعة، أي 206 وفاة، كان يسجل في الماضي، حسب المصادر والوثائق التاريخية، أحيانا في يوم واحد وفي مدينة واحدة. لكن يمكن أن نتصور حجم الخطورة التي كان وباء كورونا سيكتسيها لو ظهر في الفترة ما قبل الاستعمارية. وبالتالي فكل وباء خطير، ويجب مقارنة حجم خطورته ليس مع وباء آخر، ولكن مع سياقه وخصائصه ووسائل التدخل لمواجهته.

متى عرف المغاربة شيئا اسمه الحجر الصحي، وكيف تم تطبيقه؟

عرف تاريخ المغرب أشكال من الحجر الصحي، خاصة وأن في الثقافة الإسلامية ما يدعو إليه، فأحد الأحاديث النبوية يدعو الناس إلى عدم الخروج من المناطق الموبوءة أو الدخول إليها. كان المصابون بالجذام مثلا خلال عهد الموحدين يوضعون في العزل الصحي بحارات خارج مراكش وفاس لتفادي انتشار العدوى بين الناس. ونجد في الحقبة الحديثة والمعاصرة أمثلة على الحجر الصحي، فبعد أن انتقل الطاعون الذي كان متفشيا في الاسكندرية منذ 1783 إلى تونس والجزائر أقام السلطان سيدي محمد بن عبد الله نطاقا عسكريا على الحدود الشرقية مع الجزائر لحماية المملكة من الوباء. وبعده أصدر المولى سليمان ظهيرا، بعد تدخل الهيئة الدبلوماسية الأوربية بطنجة، لفرض الحجر الصحي على السفن القادمة من وهران وشل جميع المواصلات القارية في الحدود الشرقية. وبفضل هذه التدابير ظل المغرب في مأمن من الوباء. وبعد انتشاره سنة 1818 اتخذت السلطات، بمساعدة الهيئة القنصلية، عدة تدابير مثل الحجر الصحي على مليلية وأحزمة صحية على طنجة والعرائش وتطوان. وكثيرا ما كانت الهيئة القنصلية والمجلس الصحي الدولي يفرضان الحجر الصحي، بموافقة السلطات المغربية، لمدة أيام أو أسابيع على السفن القادمة من المغرب الكبير والمشرق الإسلامي وأوربا، وطرد تلك الموبوءة أو المشكوك فيها، سواء في حالة انتشار الطاعون أو الكوليرا. وكان بعض السلاطين يصدرون أوامرهم لعمالهم على المراسي بتطبيق هذه التدابير…

كيف كان يتعامل المخزن، قبل مرحلة الاستعمار، مع الجوائح والأوبئة؟

كان الناس يرون في المخزن عامة، والسلطان خاصة، الملاذ والحصن المنيع الذي يتطلعون إليه خلال فترات الجوائح والأوبئة. وإضافة إلى الإجراءات السابقة المتمثلة في الحجر الصحي، اتخذ المخزن عدة تدابير للتخفيف من تداعيات الجوائح، ومن بينها تخزين الحبوب في أهراء كبيرة تحسبا للأوقات العصيبة حيث يتم تزويد السوق بها لسد الخصاص الغذائي، ومن هنا جاءت كلمة المخزن التي تدل على الوظيفة الاجتماعية التي ارتبطت بالتخزين. ومن نماذج ذلك المخزنين الكبيرين اللذين أقامهما المولى إسماعيل قرب صهريج السواني بمكناس. وكان المخزن يتدخل أيضا لتحديد الأسعار تفاديا لارتفاعها، خاصة أسعار المواد الغذائية، ومحاربة الاحتكار، وتوزيع الطعام على الفقراء، واستيراد الحبوب من الخارج، وإعادة توزيعها حسب المناطق، وإلغاء بعض الضرائب أو تأجيل سدادها مراعاة للظرفية الصعبة. ورغم التدابير التي اتخذها المخزن فإن فعاليتها ظلت محدودة للأسباب التي ذكرناها سلفا، ولأسباب أخرى تتعلق بالتدخل الأجنبي في القرن التاسع عشر الذي استنزف ميزانية الدولة… كما أن المخزن كان يتسبب أحيانا في انتشار العدوى عن طريق الحرْكات السلطانية، أي تلك الجولات العسكرية التي كان يقودها السلطان أو من ينوب عنه، لفرض الأمن الداخلي مواجهة القبائل المتمردة. ومن الأمثلة على ذلك مساهمة حركة السلطان مولاي سليمان نحو الجنوب قصد إخضاع قائد عبدة وآسفي في انتشار طاعون 1798-1800، فقد مرت الحركة من الرباط والدار البيضاء وآسفي والصويرة ومراكش ثم عادت إلى مكناس وفاس. وكانت مسؤولة عن تفشي الوباء بهذه المناطق، ويقول المؤرخ الضعيف الرباطي بأن عددا من المناطق لم يكن بها الوباء حتى دخلها جيش السلطان.

ماهي أبرز العادات الاجتماعية التي رافقت والجوائح؟

كان للجوائح وقع على التمثلات والسلوكات الفردية والجماعية. فقد كان كثير من الناس يرون فيها عقابا سماويا بسبب الفساد والمعاصي والمنكرات مثل انتشار الزور والبهتان والخمور وإهمال الشعائر الدينية والفتن والحروب الداخلية… وكان بعضهم يحمل المخزن أحيانا مسؤولية ذلك بسبب عدم منع هذه المنكرات، والتجأ الخطاب السلطاني إلى الأمر نفسه، كما هو شأن المولى سليمان الذي كان يرى في الجائحة والوباء عقابا إلهيا بسبب معاصي الرعية ومفاسدها.

وقد انقسمت النخبة المثقفة في تفسيرها للأوبئة وكيفية التعامل معها. فبينما حاول البعض أن يلتمس لها تفسيرا علميا مثل ابن خلدون الذي ربط الطاعون بفساد الهواء وكثرة انتشار العفن لكثرة العمران، وابن سينا الذي أرجعه إلى مادة سُمِّية تحدث ورما قاتلا، جنح البعض الآخر لما عجز عن إيجاد تفسيرات مادية إلى ربطها بالخرافات أو الغيبيات أو العقاب الإلهي… وفي حين دعا بعض الفقهاء إلى التسليم بالقضاء والقدر في مواجهة الجائحة، قال البعض الآخر إن تعاليم الإسلام تدعو المؤمنين إلى اتخاذ الأسباب والتدابير الاحترازية للوقاية من الأوبئة.

وكان الناس يقبلون على الإكثار من الصدقات وعلى المساجد والأضرحة والتضرع إلى الله لرفع البلاء. وفي سلوك مناقض، كان البعض منهم ينغمس في الملذات والخمر فرحا بالنجاة من البلاء، كما فعل بعض من جند العبيد الذين عمدوا بعد إقلاع الوباء إلى حارة اليهود بفاس فنهبوها وسبوا النساء وافتضوا الأبكار وشربوا الخمر في رمضان خلال المرحلة المعروفة بالفترة والتي تميزت بالصراع على السلطة بين أبناء المولى إسماعيل بعد وفاته.

وإضافة إلى ذلك، كانت تنتشر أجواء الاضطراب والإحساس بالقلق واليأس والإيمان بقرب نهاية العالم، والحنين إلى ظاهرة المهدي المنتظر الذي يخلص الناس، والفرار نحو المجهول، والظلم والطغيان واللصوصية وقطع الطرق، وبيع الأطفال والنساء ووأد الأبناء والبغاء، والارتداد من الدين خاصة بالنسبة لليهود الذين كانوا يعلون إسلامهم لنيل ما يمكنهم من النجاة من الوباء من طعام وغيره.

وكانت ظروف المجاعات والأوبئة تدفع الناس إلى أكل النباتات مثل الدغفل والخروب والنبق والبلوط والدوم وأكل الجراد، وافتراس الحيوانات الأليفة في حالات مثل القطط والكلاب وأكل الخنزير والجيف، بل وحتى أكل الجثث الآدمية، وهناك فتاوى فقهية أباحت ذلك في حدود الضرورة.

وكما أنه كانت للجوائح ضحايا كثر، خاصة في صفوف الفقراء، فقد كان البعض يستفيدون منه لمراكمة الثروات عن طريق الاحتكار ورفع الأسعار وشراء أمتعة وممتلكات الفقراء الذين كانوا يضطرون لبيعها بأثمنة بخسة جدا بسب الجوع ولإنقاذ حيواتهم. وقد ساهم ذلك في توسيع شقة التباينات الاجتماعية.

وبحكم الخبرة التي تكونت لدى الناس بفعل توالي الجوائح، خاصة المجاعات والأوبئة، فقد كانوا يلجؤون أيام الرخاء إلى الادخار وتخزين الحبوب في المطامير أو المخازن الجماعية المعروفة بإكودار وذلك تحسبا للأيام العصيبة، كما كانت تنتشر في المجتمع مختلف مظاهر التضامن الاجتماعي والإحسان والصدقات والتبرع المالي للمساهمة في التخفيف من وقع الجوائح على الفقراء والمعوزين على الخصوص….

كيف كانت البلاد تنتصر على الأوبئة أو بالأحرى كيف كانت الأوبئة تختفي، خصوصا الطاعون الكبير والكوليرا التي عرفت بـ”بوكليب”؟

لم تكن الإجراءات والتدبير التي تتخذها الدولة والمجتمع تفي للقضاء على الأوبئة. كما أن تأخر المعرفة الطبية، خاصة في القرون الأخيرة، ساهمت في ذلك، رغم أن تاريخ المغرب عرف أطباء ذاع صيتهم في المغرب والعالم، وعرفوا بحنكتهم في المجال الطبي حسب معايير تلك الفترات، وكانوا يعملون من أجل معرفة طبيعة الأوبئة وإيجاد أدوية لها، ومنهم من كان يشتغل في القصور السلطانية. وقد كان الناس يلجؤون إلى استعمال بعض الوصفات الطبية والشعبية والأعشاب لمواجهة الأمراض والأوبئة. كما كانوا يسلكون سبل الروحانيات مثل الإكثار من الدعاء والصلوات والصدقات والنهي عن المنكر لرفع البلاء. ويلتف الناس في فترات الأوبئة والأزمات حول الأولياء والصلحاء ويلتمسون بركاتهم ودعواتهم وكراماتهم لرفع الوباء. لقد تميز الوباء عموما، خاصة الطاعون، بموسميته، إذ غالبا ما يأتي في الشتاء وينتهي في الصيف، ويفسر بعض الباحثين ذلك بعامل المناخ، حيث أن الجرثومة التي تسبب الوباء لا تعيش إلا في درجة حرارة معتدلة ما بين 15 و20 درجة وفي رطوبة عالية، وهو ما يفسر ظهور الوباء في فصل الشتاء وذروته خلال فصل الربيع ونهايته في فصل الصيف. كما أن شدة الجفاف وارتفاع الحرارة بالمناطق الصحراوية وشدة البرودة في المنطق الجبلية جعلهما من بين المناطق الأقل عرضة للإصابة به…

استعمل عدد من أطباء أوروبا في القرن الرابع عشر إبان الطاعون الأسود “قناع المنقار”، هل سبق أن استعمل المغاربة في تاريخهم ما يقوم مقام القناع أو الكمامة لمكافحة الأوبئة؟

كان يتم استعمال الكمامات والأقنعة الواقية في بعض الحرف والمهن كالخبازة وغيرها لأغراض متصلة بالنظافة وحماية الصحة، لكن لم أقف على استعمالها من عدمه في مواجهة الأوبئة.

هل سبق للمخزن في تاريخ المغرب أن اتخذ إجراءات احترازية من وباء ما كالتي تمت في زمن كورونا، من قبيل إغلاق المساجد وتقييد حركة المواطنين؟

في يتعلق بالمساجد، يمكن أن نورد مثالا أشار إليه المؤرخ القادري في كتابه نشر المثاني، حيث يقول إنه تم إغلاق جامع القرويين بفاس وتعطلت فيه صلاة الجمعة والتروايح سنة 1631 في أواخر عهد السعديين، ولم يكن ذلك نتيجة قرار سلطاني أو فتوى فقهية، وإنما لخشية الناس على حياتهم بسبب الفتن والصراعات السياسية وانتشار الوباء. وقد سبقت الإشارة من قبل إلى تدابير العزل الطبي والعزل الصحي وإقامة نطاقات عسكرية لمنع انتشار الوباء، كما كان يتم في بعض الحالات عزل مدن أو مناطق، وكان أحيانا يتم منع القادمين من مناطق موبوءة، سواء من عامة الناس أو من الجند، من دخول بعض المدن لمنع انتشار الوباء فيها.

هناك ارتباط بين الأوبئة والمجاعات في تاريخ المغرب، ففي كثير من الأحيان تأتي الأوبئة بعد سنوات من الجفاف كما هو الشأن مع التيفوس، ما الذي يفسر هذا الترابط؟

يلاحظ عموما أن هناك ارتباطا بين الأوبئة والمجاعات في تاريخ المغرب وليس التيفوس فقط. يأتي الوباء مباشرة بعد المجاعة أو يتزامن معها. وهذا يدل على أن البنيات الجسدية التي أنهكتها المجاعة تكون على استعداد للإصابة بالوباء بكل سهولة. كما يدفع الجفاف بعض الحيوانات التي تحمل الجراثيم الوبائية إلى الاقتراب من المناطق السكنية المأهولة بحثا عما تقتات به. وقد تؤدي كثرة الأمطار أحيانا إلى استفحال الأوبئة والأمراض، ونموذج ذلك أن السنوات المطيرة تتسم بارتفاع أعداد الإصابة بحمى المستنقعات بسبب التكاثر الكثيف للبعوض الذي يتسبب في هذا المرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *