وجهة نظر

انحطاط أخلاقي وسياسي في لحظة وداع رجل دولة

لماذا كل هذا التحامل على الراحل عبد الرحمان اليوسفي ؟! أين أنتم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساوئهم”، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا” لا طالما كنتم تمارسون السياسة بالدين فأين هي أخلاقكم الدينية ؟!!

أين يكمن العيب إن ودع المغاربة الأحرار من كل الأطياف السياسية زعيما ومناضلا وأحد أهم رجالات الدولة المغربية بطريقتهم تعبيرا عن احترامهم وتقديرهم لعطاءه سواء كان صائبا أو خاطئ ؟!!!

هل تدركون أنه لولا ظروف حالة الحجر الصحي ببلادنا لخرجوا المغاربة بالآلاف مشيعيين جنازته، ولكن ارتأو أن يعبروا عن حزنهم وعزائهم من خلال تدوينات وتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي تنعى الراحل وتذكر بمواقفه، وذلك في جنازة جماعية افتراضية شاركت فيها مختلف الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات و كل القوى الحية بالبلاد في وقفة وداع أخيرة لرجل دخل القلوب بصدقه وبمشواره السياسي النبيل العفيف.

هل تعلمون لماذا هذا الرجل يحظى باحترام المغاربة ؟ لأنه عندما تقلد مهام الوزير الأول لحكومة التناوب و في سياق زمني صعب، رغم محدودية صلاحياتها الدستورية، و التي كانت تعمل بمقتضيات دستور 1996 الضيقة جدا وكانت البلاد في وضعية اقتصادية متأزمة…..الرجل عمل على حل مشاكلها بعيدا عن المزايدات السياسية وفي صمت تام لم يكن مهتما أكثر بشعبيته وشعبية حزبه، وكأن الوطن مختزل فيهما…الرجل لم يتشبت بالكرسي حتى ينقلب على المبادئ التي كان يتبجح بها وبالدفاع عنها، ولمن يشك في ذلك، فليتذكر مقولة:”عفا الله عما سلف”…..الرجل لم يهدد يوما بالنزول إلى الشارع للضغط على الدولة التي هو رئيس حكومتها المخالف لكل الأعراف الديمقراطية والأبجديات السياسية…..الرجل لم يجمع يوما بين مهام مؤسستين دستوريتين لا يستقيم، سياسيا وأخلاقيا ومنطقيا، الجمع بينهما أي بين الحكومة والمعارضة….الرجل لم يحمل مسؤولية فشله في بعض الملفات للتماسيح و العفاريت…..الرجل كان يشتغل بصمت وبدون بهرجة إعلامية….الرجل لم يزايد يوما ولو مرة بأسلوب فيه التعالي والعجرفة، وكأن الشعب المغربي هب عن بكرة أبيه يوم 25 نونبر 2011، طالبا، راغبا في تقلده لأمر شؤونهم رغم أنه لم يصوت عليهم سوى مليون ونصف مقابل 35 مليون لم نسمع لها صوت….الرجل لم يعمل على التسويق الإعلامي ( حملة انتخابية متواصلة ) لأشياء تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع….الرجل لم يعمل على تلميع الصورة ودغدغة العواطف لاستمالة الناخبين المفترضين، مستقبلا، ولو بالتدليس والكذب، وركوب صهوة الشعارات الجوفاء والوعود…..الرجل كان يعمل أكثر مما يتكلم، وشتان بين من يعمل وبين من يقول بأنه سيعمل…..الرجل زهد في امتيازات المنصب، ولم ينبطح يوما متمسكا بالمنصب رغم أن الشعب بوأه الصدارة خلال الإنتخابات البرلمانية لسنة 2002 ولم يتم تعيينه وزيرا أول والذي شكل نكسة حقيقية في الإنتقال الديمقراطي….الرجل كان يهتم بالوطن، بقدر ما يهتم بشعبيته وبحزبه……الرجل الذي تزعم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان يقود تجربة التناوب لم يعمل على تسويق منجزاتها إعلاميا للاستفادة منها انتخابيا أو لصالح حزبه وذلك احتراما لحلفائه ولشركائه في التدبير، فاستمر الاشتغال في صمت….الرجل كان يخدم لمصلحة البلاد وبدون مَنٍّ لا على الوطن ولا على المواطنين….وسأختم قولي بشهادة الراحل الملك الحسن الثاني في حق عبد الرحمان اليوسفي الذي كان يعد من أكبر المعارضيين السياسيين التاريخيين له ، مخاطبا إياه : “إنني أقدر فيك كفاءتك وإخلاصك، وأعرف جيدا منذ الاستقلال أنك لا تركض وراء المناصب بل تنفر منها باستمرار، ولكننا مقبلون جميعا على مرحلة تتطلب بذل الكثير من الجهد والعطاء من أجل الدفع ببلدنا إلى الأمام”………انطلاقا مما سبق يتبين لنا الفرق بين رجال الدولة وبين محترفي السياسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *