وجهة نظر

ليبيا ومخططات إضعاف المغرب العربي

الأزمة الليبية

نود في هدا المقال التطرق إلى الواقع الليبي، ومحاولة فهم ما يجري في محيطنا الجيو- سياسي واستخلاص الدروس والاستفادة من الوضع ،وفهم ما قد يحاك ضد المغرب في الخفاء. خصوصا تسارع الأحداث الأخيرة في ليبيا واحتمال التقسيم لا قدر الله في الجارة ليبيا،بعد انقلاب “حفتر” ومن وراءه الدول الداعمة له كفرنسا والإمارات ومصر وروسيا وتنصله من نتائج مؤتمر الصخيرات، فهناك من دهب إلى أن قرار التنصل منه هو موجه إلى المغرب ومحاولة إبعاده عن أي دور يمكن أن يلعبه في محيطه المغاربي. مؤتمر الصخيرات لعب فيه المغرب مجهودات جبارة لإرساء السلام في دولة عربية قريبة من المغرب وتداعيات ما يجري فيها له انعكاسات على المغرب، خصوصا ودخول أطراف دولية متصارعة فيما بينها.

الواقع الليبي موضوع حساس للخارجية المغربية ويتطلب تعاملا ودراسة خاصة ، حيت أن جل الدول المتدخلة في الشأن الليبي لنا علاقات معها، وبالتالي أي خطوة مغربية هي خاضعة لحسابات رياضية أو بتعبير أخر مقدار الربح والخسارة من كل موقف، وهو ما أوصينا به في هدا المنبر بالذات حول ضرورة إنشاء مراكز دراسات متخصصة،ممولة من الدولة لاستشراف أحسن السياسات وأنجعها خصوصا مع دول المحيط.

تدخل المغرب أصبح ضرورة وخصوصا الدعم الدبلوماسي للشرعية المعترف بها دوليا المتمثلة في حكومة الوفاق وما نتج عن مؤتمر الصخيرات من توصيات ، ،ومحاولة نسج علاقات مع مختلف القبائل والمكونات الأخرى ومحاولة تقريب وجهات النظر بين الفرقاء قدر الإمكان.

نعتقد جازمين أن دول المغرب العربي هي القادرة على تقديم الحلول للشعب الليبي الشقيق، فلا مطامع حدودية ولا رغبة في استغلال ثروات الغاز والبترول، عكس الدول الأخرى التي لها مطامع اقتصادية وإستراتيجية، فمصر تدخلت في ليبيا لدعم حفتر بالسلاح بتمويل تحالف السعودية والإمارات فالإمارات والسعودية تحتاج مصر حاليا فقط لان السيسي محارب للإسلام السياسي وكابح الديمقراطية في مصر ، بمباركة الغرب الذي ساعده على الانقلاب على إرادة أول شعب عربي انتخب رئيسه انطلاقا من الصندوق.

فمصر لم تساعد تحالف عاصمة الحزم في اليمن عسكريا ولكن تدخلت في ليبيا بشكل كبير طمعا في تنصيب ديكتاتور أخر لمطامع في البترول والغاز الليبي ،بالطبع تحت ذريعة محاربة الإرهاب والإسلام السياسي،وهو مطمع تاريخي للجيش المصري ، حيت أن لكل دولة جيش إلا مصر فالجيش له دولة ، حيت يتحكم حتى في الاقتصاد وهو ما جعله يلعب دورا للحصول على حصة وأسعار تفضيلية من ثروات البلد الجار عبر بوابة تنصيب جنرال موالي للقاهرة ،وهو ما قامت به مصر سنة 1977 عندما شنت مصر غارات على ليبيا ،حيت بررها السادات بتكديس ليبيا الجارة لكثير من الأسلحة السوفيتية ،وهو مبرر واهي لان الهدف هو البترول والتوقف كان نتاج عدم مباركة الأمريكان لهاته الخطوة ،كما تتشارك مصر مع دول كثيرة متدخلة ميدانيا في ليبيا لمنع وصول تركيا إلى الضفة الأخرى من شرق المتوسط وبالتالي محاصرة تركيا ،وفق اتحاد شكل من مصر وإسرائيل واليونان لمد أنابيب الغاز عبر شرق المتوسط.

فكل الدول تجعل من التطرف ومحاربة الإسلام السياسي مبرر وذريعة للتدخل ولكن الهدف هو وئد الديمقراطيات والإبقاء على التحكم في الخيرات والمقدرات، رغم أن حكومة الوفاق هي من قاتلت وحررت مناطق من قبضة الجماعات المتطرفة وحفتر تحالفه مكون من إسلاميين سلفيين من طائفة المدخلين ومرتزقة من تشاد ودارفور وتحالف أعيان وبقايا النظام السابق. فالخوف هو أن تنتقل موجات الديمقراطية ولو بنسبة قليلة إلى دول أخرى، فالكل أشاد بدول المغرب العربي على الاستقرار بعد الربيع العربي وخصوصا النموذج التونسي ،حيت أصبح الصندوق هو الحكم رغم محاولات الغرب وقوى عربية التأثير في الانتخابات خوفا من رئيس دو يعكس إرادة الشعب وإذا بالنتائج تقول شيء أخر ،وهو ما لم يعجب أطراف تعتقد نفسها وصية على إفريقيا وهنا نقصد فرنسا وهو ما يدفعها إلى مساندة حفتر خوفا من نتائج الصندوق ،لان تنصيب ديكتاتور يعنى بقاء السيطرة والاستفادة الاقتصادية لتلك الدول .

أما الإمارات التي أصبحت تلعب دورا أكبر منها فمخططاتها أصبحت تثير الريبة ومن يقف وراءها بالطبع هي التى تصدر لها السلاح . فكيف لدولة صغيرة لا تملك غير عقارات و أموال بترول أن تتجه سياستها حول تدمير الشعوب العربية بدءا من التدخل في السودان واليمن وليبيا عبر حفتر الذي كان يستمد بعض الشرعية انطلاقا من برلمان طبرق ولكن سرعان ما انقلب عليه عندما فوض نفسه حاكما لليبيا في مصادفة وتزامن مع إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي لليمن، المدعوم إماراتيا في خطوة غريبة لتقسيم اليمن .

أما روسيا التي يقينا تتوجس من الديمقراطيات وعدوى الانتقال إليها،خصوصا ومستوى الحريات لديها ، فتدخلها في ليبيا ارتكز على دعم حفتر، رغم أنها لا تتق فيه وتحبذ ابن القذافي، وتتهم حفتر بأنه جاسوس وعميل أمريكي في المنطقة بحكم قضائه سنوات في أمريكا. دعم الروس لحفتر تجلى بمرتزقة روس للقتال والتدريب ، الدافع الأكبر لها هو فقدانها لمشاريع ضخمة من أيام العقيد، فهي تريد أن تضع قدما بليبيا لمحاصرة النيتو جنوبا والتحكم في سوق الغاز المورد الرئيسي لها، والتحكم في وفود المهاجرين وابتزاز فرنسا وإيطاليا ناهيك عن صراع الغاز وتمريره في شرق المتوسط.

أما تركيا فقلبت كل الخطط في ليبيا بذكاء عبر توقيع اتفاق أمنى مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليا وفكت محاولة تطويقها بحرا عبر شرق المتوسط ،فأصبح هناك شريط ممتد من شواطئ تركيا إلى الغرب الليبي، وبالتالي التحكم في أي أنابيب لتسويق الغاز عبر البحر ، ففي سابقة أصبحت تركيا الصناعية تصدر المعدات الطبية إلى كل العالم في زمن كورونا،وطائرات الدون وأنظمة التشويش هي من قلبت موازين القوى في الغرب الليبي ، وبالتالي تكتيف التعاون مع تركيا القوة الصاعدة والكارهة للانفصال وهي نقطة نتشاركها معها، يمكن أن يخدم المغرب عبر التعاون الاقتصادي والعلمي معها، والمغرب أكبر من أن تفرض أي دولة طبيعة العلاقات التي ننسجها مع الدول. فالعالم بعد كورونا لا يؤمن بالأحلاف الدائمة ولكن المصلحة قبل كل شيء.

* باحت في تقنيات الإعلام والاتصال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *