منتدى العمق

تجديد مفهوم المرأة وسط المجتمع الإنساني

 

كيف يستقيم المجتمع الإنساني، إذا مازلنا نسمع بجملة، ناقصات عقل ودين؟ وكيف لهذا الدين الذي أعطى مكانة للمرأة وقدرها أحسن تقدير أن يَكنَّ ناقصات عقل ودين؟ وكيف بالحديث الذي استعوجه الناس وخدروا بها معظم الأصناف أن نبني مجتمعا متماسكا متراصا، كما أقامه النبي عليه الصلاة والسلام معهن في بيت الزوجية، وتعامل مع جل نساء بلدته، ورفع من شانهن، وأعلى درجتهن، وقال “استوصوا بالنساء خيرا”، أن يوصفن بناقصات عقل ودين؟ فلن نطيل الكلام، لأن هذا الدين دين حي، احترم المرأة، وأعطى لها مكانة سامقة، مكانة قد لا يتضلع لها أحد، ففجر الإسلام بدأ بالمرأة وأرسى قواعده بالمرأة.

إن هذا الامر مؤلم حقا، فبمجرد تصفح ورقات أعمال وأفعال النبي عليه الصلاة والسلام، لن تجد ولو ذرة تفضيل الرجل عن المرأة في مسألة العقل، فلنبحر ولو لدقائق في رقائق أمهاتنا الصحابيات، زوجات النبي المغوار، كيف كان يعاملهن، ويستشيرهن، ويمزح معهن، ويلاعبهن ويحاورهن حوارا تطبعه الابتسامة واللطافة والجو الهادئ، ولنا في خديجة بنت خويلد إسوة حسنة في قوة الفهم، وقوة التعبير، وقوة الخطابة، فهي من أعظَم النساء جمالا وحسنا، وتبعلا لزوجها الكريم، الذي ينسل منه العسل من بين ذقنيه، وتشتم رائحته من طيب كلامه وحسن أقواله، فالصحابية خديجة طمأنت النبي وهدأته لما جاءها ليخبرها بخبر نزول الوحي عليه قائلا: “لقد خشيت على نفسي”، وكان جواب أم المؤمنين قطعة أدبية، وإدراكا حسيا، وموقفا شجاعا، حين خاطبته قائلة: “والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصْدُق الحديثَ، وتحمِل الكَلّ، وتَكسِب المعدُوم، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وتؤدّي الأمانة”، أوليست هذه إشادة بليغة من أمنا المقدامة؟ التي تحدثت بلغة المودة، ولغة الرحمة والسكينة، ملؤها الايجاب والجذب باللين، لطريقة تفاعلها مع الموقف، حتى صنفت قصتها مع الرسول الأكرم بأعظم قصة في التاريخ.

ولنقف مع الصحابية عائش العالمة الكريمة، المميزة بخصلة طيب المعاملة وحسن العشرة.

يوما ما حصل لها مع موقف ودي، مع قرينها محمد صلى الله عليه وسلم، لما قالت له: “كيف حبك لي؟ قال كعقدة الحبل لا تفك، فتضحك عائشة الصديق رضي الله عنها، فكل مرة تسأله وتقول: كيف العقدة يا رسول الله؟ فيقول على حالها”، فتابعوا هذا التمثيل الحقيقي لشدة الوثاق، وشدة الوصال، الذي يريح الضمير، ويرينا كيفية الحوار، وكيفية استقبال الرسالة، وكيفية ردها بالبشاشة، التي كانت تطفو على وجه أعظم خلق الله.

فالإسلام منح للمرأة حريتها في الاختيار، وأهدى لها قيمة داخل عش الأمة، فالكثير من القضايا، والحكايا، والقصص، والدرر الجليلة تروى، وقد خلدها نبينا صلى الله عليه وسلم رفقة زوجاته الإحدى العشر، فهي بمثابة صورة نصف المجتمع، فبها تكتمل حركة الحياة، وتدور عجلة الدواسة المجتمعية، فالمرأة لها هوية، وأصالة، وتسعى جاهدة لإثبات وجودها وهي موجودة، أوليس هي ربة البيت؟ التي تعمل وتكد وتجد لتربية الأبناء على القيم والمبادئ، وإطعامهم وإسعادهم، وكسوتهم، ففي الواقع هناك قسم لا يعترف بكل هذا الجميل، ومعظم الرجال يظن زوجته لا تعمل شيئا، تظل جالسة طوال النهار، حيث يتعرض الرجل غالبا لأسئلة تضايقه، حول مهنة زوجته، وتكون الإجابة بكل برودة دم، ” بدون ” أو شيء من هذا القبيل، فهذا مثال كحبة رمل وسط صحراء مليئة بالصراعات الزوجية والتحقير إلخ.

وبالتالي فالأمر يتطلب إعادة إعمال العقل، فالله تعالى خلق المرأة وهيئها في أحسن تقويم، لتكون من رواد الأمم، وتعين المجتمع في قراءتها للواقع، وتطويره بالفكر والعلم.

وسنختم برسالة امرأة، ساعدت زوجها برأيها ومالها، ليبلغ بذلك مبلغا شريفا عظيما، جعله يتميز بعلو الهمة والرفعة، نتحدث عن زوجة “يوسف بن تاشفين”، الأم “زينب النفزاوية”، التي قال عنها “أحمد بن خالد الناصري” في كتابه، *الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى*، “كانت بارعة الجمال والحسن، وكانت مع ذلك حازمة لبيبة، ذات عقل رصين، ورأي متين، ومعرفة بإدارة الأمور، حتى إنه كان يقال لها الساحرة”، وكثيرات هن من وضعن قدما لصناعة الأجيال، وبرزن مواهبهن في شتى المجالات، وربوا الناشئة.

فلنأخذ بزمام العظيمات، التي زرعن أوسمة في أوساط البيوت الأسرية، ونحتن أسماءهن بمداد من ذهب، ونقشن نقوش لا يستوعبها إلا العارف بحقهن، وبآثارهن الخالدة في التاريخ، والماهر في استبصار منابعهن العذبة التي يرتوي منها كل ظمآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • حسناء
    منذ 4 سنوات

    حقا إن الإسلام أعطى مكانة عالية للمرأة و قدرها أحسن تقدير و الدليل على ذلك أن الله سبحانه و تعالى قد خصص لها سورة كاملة من القرآن الكريم و سماها سورة النساء. كما أن هناك سورة أخرى لأخذ العبرة و القدوة الحسنة و هي سورة مريم، التي تعاملت مع المواقف التي مرت بها بكل حكمة و عقلانية. كما أن الدراسات العلمية أتبثت أن المرأة تستطيع التركيز مع أكثر من موضوع واحد في نفس الوقت، في خلاف الرجل الذي لا يستطيع التركيز إلا مع موضوع واحد فقط