سياسة

جطو يفتح “الصندوق الأسود” لبرنامج مدن بدون صفيح بعد 16 سنة على إطلاقه

قال المجلس الأعلى للحسابات، إن الأهداف التي وضعها البرنامج الوطني “مدن بدون صفيح” يصعب تحقيقها بالنظر إلى تعقيد الظاهرة، مشيرا إلى أن أحياء الصفيح ظاهرة راسخة يصعب استئصالها، وأن تحسين الظروف المعيشية للأسر الفقيرة، نهج غير متكامل يركز بشكل رئيسي على السكن.

التقرير الذي قدمه رئيس الغرفة الثالثة بالمجلس الأعلى للحسابات، كمال الداودي، أمام لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، الثلاثاء، بحضور الرئيس الأول للمجلس إدريس جطو، أشار إلى أن الهدف الأصلي الذي حدده البرنامج هو معالجة 270 ألف أسرة في 70 مدينة ومركزا حضريا سنة 2004، ووصل هذا العدد في 2018 إلى 472.723 في 85 مدينة ومركزا حضريا، أي أن هناك تغييرا متكررا في أهداف البرنامج.

فشل في تحقيق الأهداف

سجل التقرير الذي أعده فريق من أربعة قضاة مختصين، عدة ملاحظات منها، وجود مشاكل وصعوبات في البناء الذاتي لبقع إعادة الإيواء، والفشل في تحقيق الأهداف المتوخاة من عمليات إعادة الهيكلة، إضافة إلى وجود ثغرات في عمليات إعادة الإسكان، خاصة في تدبير ما بعد الترحيل.

وبخصوص العمليات المنجزة في برنامج “مدن بدون صفيح”، فقد تم تسجيل بطء كبير في تجهيز وبناء بعض العمليات، وتحويل بعض عمليات إعادة الإيواء إلى أحياء صفيح جديدة، بينما بعض عمليات إعادة الإيواء تنجح في احترام الضوابط المعمارية الخارجية.

تقرير مجلس جطو، أشار إلى أن التدابير والإجراءات المتخذة في إطار هذا البرنامج غير كافية للسيطرة على انتشار أحياء الصفيح، إضافة إلى غياب إطار قانوني مناسب لمكافحة انتشارها، وعدم فعالية أجهزة الوقاية.

وسجل المصدر ذاته، محدودية آليات إنتاج السكن الاجتماعي الموجه للأسر الفقيرة، وكذا ضعف الانسجام بين أدوات التدبير الحضري وسياسات الإسكان، وعدم ملاءمة المساعدات العمومية وأدوات التمويل.

برنامج غير واضح

من الملاحظات التي سجلها المجلس، أيضا، عدم رسم حدود للبرنامج وضعف في ضبط مدخلاته، وغياب تعريف موحد لأحياء الصفيح، وعدم تحديد معايير الأهلية ومساطر تخصيص المنتجات للأسر المستفيدة.

وعاب مجلس جطو، على البرنامج، اعتماده طرق تدخل تقليدية تفتقد إلى الابتكار، وهيمنة طريقة إعادة الإيواء، إذ تم تخصيص إعادة الهيكلة (بنسبة 32.3%) لمدن الصفيح الكبيرة والمتوسطة التي يمكن دمجها في النسيج الحضري، وتم تخصيص طريقة إعادة الإسكان بنسبة (22.5%) لمدن الصفيح المتواجدة في التجمعات الكبيرة والمتوسطة.

في حين، يضيف التقرير ذاته، خصصت إعادة الإيواء (بنسبة 45.2%) للأسر في مدن الصفيح الصغيرة والتي لا يمكن دمجها في النسيج الحضر، حيث ثبت أن هذا المنطق غير مناسب للحاجيات الحقيقية ولم يتم احترامه دائمًا.

التقرير الذي قدمه رئيس الغرفة الثالثة بالمجلس الأعلى للحسابات، كمال الداودي، أشار إلى أن برنامج “مدن بدون صفيح” يرتكز على افتراض أن تحسين الظروف المعيشية لسكان أحياء الصفيح يقتصر حصرا على الحصول على سكن لائق، لافتا إلى أنه نادرا ما تم النظر في الجوانب الاقتصادي والاجتماعي على الرغم من الوعي بأهميتها.

وأردف، أن البرامج المحلية لا تقدم أجوبة للعجز الاجتماعي الذي يعاني منه سكان أحياء الصفيح المهمشة والذين يفتقدون بشكل كبير الى الخدمات العمومية (التعليم، الصحة، …)، مضيفا أن مسألتي التشغيل والإدماج المهني لسكان هذه الأحياء لا تؤخذان بالاعتبار في العمليات التي تدخل ضمن البرنامج.

كما سجل أن نظام المساعدات العمومية يركز حصرا على اقتناء سكن جديد، إضافة إلى وضع قطاع الإسكان كمسؤول وحيد عن المشكلة مع ضعف مشاركة المؤسسات العمومية ذات الصبغة الاجتماعية، في إنجاز المرافق الاجتماعية والاقتصادية على مستوى الأحياء المعنية.

أما فيما يخص نجاعة البرنامج، فقد سجل التقرير فشل المخطط الأولي لتمويل البرنامج المعتمد أساسا على مساهمات المستفيدين، إضافة إلى وجود تركيبة ملاية عشوائية للعمليات، لافتا إلى أن هناك سوءا في ضبط الدعم المقدم من طرف صندوق التضامن للسكن والاندماج الحضري، وتضارب بين تكلفة البقع الأرضية المخصصة لإعادة الإيواء وثمن بيعها.

وأشار إلى أن مخطط التمويل بلغ حدوده، إذ سجل التقرير تدهورا في مؤشرات صيغة الموازنة كركيزة للتمويل، وصعوبة في تحصيل مساهمات المستفيدين، وانخفاض الموارد الرئيسية لصندوق التضامن للسكن والاندماج الحضري، مع تراجع الحصة المخصصة لبرنامج مدن بدون صفيح.

وبخصوص تدبير الوعاء العقاري، فقد أكد التقرير أنه تم بذل مجهودات عقارية كبيرة لتحقيق أهداف هذا البرنامج، إما من خلال تعبئة الوعاء العقاري العمومي القابل للتوسع الحضري، لصالح البرامج الوطنية للإسكان بين عامي 2003 و2010، أو من خلال شراء أراضي الدولة، أو الأراضي الجماعية، أو الخاصة.

وفي هذا الإطار، سجل التقرير عدم كفاية تعبئة الوعاء العقاري أمام حجم الاحتياجات، إضافة إلى غياب دراسات عقارية استقصائية وتعقيد إجراءات اقتناء الأراضي، واستخدام غير متوازن للوعاء العقاري وعائد اقتصادي ضعيف.

وبالنسبة لنتائج برنامج “مدن بدون صفيح”، فقد أوضح تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أنه تمت عدة مرات مراجعة أهداف برنامج مدن بدون صفيح التي تم تحديدها في بداية البرنامج، والتي أصبحت متجاوزة أمام الزيادة المطردة في عدد الأسر القاطنة في أحياء الصفيح.

توصيات

أوصى المجلس على ضوء نتائج المهمة الرقابية التي شملت فترة من 2004 إلى 2018، معالجة بعض النقائص التي تحول دون التحكم الجيد في البرامج العمومية، خاصة تلك المتعلقة بمحاربة السكن غير اللائق مثل “مدن بدون صفيح”.

وسيتأتى ذلك، بحسب المصدر ذاته، من خلال ضمان ضبط عدد المستفيدين، مع تحديد معايير أهلية موحدة، وقاعدة بيانات موثوقة، ووضع مخطط تمويل واقعي والحرص على احترامه، وتصفية الوعاء العقاري وعقلنة استغلاله، واحترام آجال تنفيذ العمليات، مع تنسيق أفضل وأشمل لها، وضمان تنسيق أفضل للبرامج في شموليتها، مع تحديد واضح لمسؤوليات مختلف المتدخلين.

ودعا إلى اعتماد مقاربة متكاملة للتنمية البشرية تتجاوز هدف “الإسكان” لتشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في مواقع الاستقبال الجديدة من خلال توفير أنشطة مدرة للدخل (كالتجارة، ومناطق النشاط الصناعي …)، والتوفير المبكر قدر الإمكان للخدمات العامة الأساسية في الأحياء الجديدة، لاسيما التعليم والصحة والنقل والأمن.

كما أوصى بالعمل على تطوير العرض من خلال تقديم حلول أكثر تنوعا فيما يخص منتجات السكن أو الدعم المالي والتي من شأنها أن تلبي احتياجات شرائح مختلفة من الأسر، وتأخذ بعين الاعتبار إمكانياتها المالية الحقيقية.

ومن توصيات مجلس جطو، أيضا، التعامل بقدر أكبر من الصرامة مع مكافحة ظاهرة انتشار أحياء السكن غير اللائق عن طريق تعزيز آليات المراقبة والردع، لاسيما على المستوى القانوني والتكنولوجي، و التواصل المناسب لترويج مختلف عروض الدعم العمومي لمحاربة السكن غير اللائق، وبالتالي وضع حد للانطباع السائد والذي يوحي بأن الاستفادة من المساعدة العمومية حق مضمون لكل قاطن بالسكن غير اللائق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *