وجهة نظر

لدغات الأفاعي والعقارب وقرى الموت

في ليلة صيف قائظ، القمر على مشارف وداعه في كبد السماء يرسل لنا نورا خافتا، نحن الصبية نركد ونجري في جميع الإتجاهات نلعب لعبة إنقرضت في زمن الواتساب والفايسبوك وتويتر وهلم جرا …. كانت هي متنفسنا الوحيد في قرية تعيش خارج التاريخ.

هناك بتازطوط بوهاد بوحسوسن نواحي خنيفرة ..الدوار الذي في خاطري الذي كان أنذاك يفقتد للإنارة العمومية ،إعتدنا على الظلام وتعايشنا معه كنا نقرأ ونكتب دروسنا على ضوء الشموع ونمارس جنوننا الطفولي على نور القمر، وحدث ذات ليلة حالكة ،الدوار كعادته يعمه ظلام دامس في كل أرجائه كنا نلعب لعبتنا المفضلة” تسليت” نرمي عصا غليظة في السماء، ونفترق في البحث عنها ومن يعثر عليها مرات يتوج بطلا وعريسا في ليلتنا، التي افتقدنا فيها البدر.

في غفلة من الجميع وبينما نحن منهمكين في البحث عن العصا السحرية بين وهاد دوار لا ينام، صديق لنا يطلق صرخة مدوية أتبعها ببكاء تردد صداه بين الجبال، إجتمع الجميع تحلقنا حوله في دهشة وخوف وهو يردد هي هي هي….. فهمنا الرسالة جميعا عقرب ملعونة فعلت أفاعليها بواحد منا وبينما هو يتألم ونحن في طريقنا جميعا إلى مستوصف الحي الذي يشبه أطلال بقايا حرب مدمرة، المستوصف عبارة عن غرفتين واحدة لإستقبال المرضى والأخرى يسكن فيها ممرض الدوار، طرقنا الباب الخشبي الذي تجمهرنا أمامه خرج الممرض مذعورا إزدادت مخاوفنا على صديقنا الذي دخل حالة الشك، لا دواء مضاد لسم العقارب لا “بنج” ولهم يحزنون ،الممرض بطريقة تقليدية جرح ب”زيزوار” مكان لدغة العقرب في جسد صديقينا النحيف وأخرج من مطبخه “بوطة ” عمل على تنفيسها لكي يتسرب القليل من الغاز رش به مكان اللدغة القاتلة، وبعد هنيهة عادت الروح للطفل النحيف والليل يرخي سدوله على قرية الموت.

وفي طريقنا إلى بيوتنا كان الخوف يستبد بكل واحد منا من تكرار نفس الحادثة التي خلقت لصديقنا فوبيا العقارب، وكلما ذكرها أحد يبدأ يرتجف ولازال يحمل أثار ذلك على نفسيته إلى يومنا هذا.

خطرت على بالي هذه المشاهد المؤلمة من طفولتي بتازطوط مرة أخرى هذه اللحظة، وأنا أسمع خبرا مؤلمًا، طفلا يفارق الحياة، بعد تعرضه إلى لدغة أفعى بمنطقة أيت بوخيو، قريبا من الحي الذي لازالت الذكرى المؤلمة لصديقي تذكرني به كلما مررت من أزقته، الطفل فارق الحياة بسبب عدم وجود المصل المضاد للسم بالمركز الصحي القريب له بقرية مولاي بوعزة، وفي الطريق إلى المركز الإستشفائي الإقليمي وافته المنية بمدخل المدينة.

الحادث ألمني كثيرا، فتولدت لدي أسئلة حارقة حول السبب في غياب الأمصال في منطقة تعيش التهميش والإهمال، فهل تلتفت وزارة الصحة لهذه القرى التي تعيش الموت شتاء وصيفا؟ إن لم تمت النساء الحوامل شتاءً في الجبال بسبب الثلوج، يموت الأطفال صيفًا بسبب لدغات العقارب والأفاعي؟

حال الساكنة التي تعاني الجفاف وتداعيات الحجر الصحي، تردد بالكثير من السخط والألم ” مطلبنا وحيد هو توفير أمصال تبعد الموت عن قرى المنطقة التي تعيش موتا بطيئا طوال السنة؟ فهل من آذان صاغية ياحكومة الكفاءات؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *