وجهة نظر

في الرعاية الاجتماعية المنفتحة..

كاتب رأي

العولمة جعلت مناهج التسيير تتكامل فيما بينها، ولذلك أصبح التحول الاجتماعي في الخدمات يتجه نحو الرقمنة ،باعتبارها خيارا فرض نفسه ، حتى على الدول التي تعاكس الشفافية والانفتاح، ورغم ان الرقمنة ليست هي الغاية من هذا التحول ، بقدر ما ان الغاية هي الوصول الى الانصاف أو المساواة في الرعاية والخدمة العمومية.

ولذلك بينت الدراسات التي أجريت في عدد من الدول المتقدمة أن 70 بالمائة من المعطيات العمومية التي كانت موضوعا لمعاملات تجارية، كانت تحصل عليها وتستعملها جهات عمومية أخرى.

وهذا ما تلاحظه الحكومة الفرنسية في خارطة الطريق التي رسمتها في مجال فتح وتقاسم المعطيات العمومية، إذ تقول”: يجري إنتاج المعطيات العمومية في إطار مهام المرفق العمومي، الذي كثيرا ما يكون أول مستفيد من فتح تلك المعطيات”.

والرهان بالنسبة للمغرب في قطاع تكنولوجيات المعلومات خلال السنوات المقبلة ،لا يقتصر على المحافظة فقط على المكتسبات ، بل يتعلق الأمر على الخصوص، بتمكينه من الاندماج في الاقتصاد العالمي للمعرفة من خلال الادماج المكثف والتعميم الواضح لتكنولوجيات المعلومات ،على مستوى جميع الفاعلين في المجتمع: الدولة والإدارات والمؤسسات.

ونظرا لما للرعاية الاجتماعية من أهمية باعتبارها الآلية الأساسية في الامن الاجتماعي ، لما تقدمه من خدمات تخلق نوعا من التوازن خصوصا في ظل الازمات الاجتماعية ، والمغرب بدأ منذ الاستقلال في مأسسة الرعاية الاجتماعية ، بما يضمن حفظ كرامة الانسان التي هي من الكليات الأساسية والحقوق الكونية العالمية.
لذلك يبقى سؤال الرعاية الاجتماعية المنفتحة يحدد المصير المشترك في دعم قيم التضامن والتعاون والرعاية ، بما يضمن حفظ الحقوق وتشجيع المبادرة والإحسان ، باعتبار ان مبادئ الرعاية الاجتماعية المنفتحة ، تتأسس على مرجعية عالمية وممارسة تأخذ من مبادئ التدبير الجديد والتي نجملها في أربعة مبادئ أساسية وهي:

-امبدأ لإدارة الالكترونية و مبدأ الحق في الوصول للمعلومة ومبدأ الشفافية والمحاسبة والمبدأ الأخير المرتبط بالمشاركة المواطنة.
في الخدمة الاجتماعية الرقمية العالم الان أصبح رقميا في الخدمات العامة و الاجتماعية، بما يجعل من اللازم أن ندخل غمار هذا التحول ، بإعداد الشروط والمتطلبات الضرورية لهذا التغير، وهنا نبدأ بالحديث عن مدى الجاهزية للرقمنة في المجال الاجتماعي ، والتي أصبحت في حاجة الى هذا التطور.

وقد أعدت وزارة المالية –قطاع اصلاح الإدارة دراسة هامة حول حصر الخدمات الالكترونية وتقييم نضجها حيث استنادا الى الدليل المرجعي للدراسة، فانه قد وضع مجموعة من التعاريف المنهجية للخدمة الإدارية بصفة عامة أي التي تقدمها الإدارة. وأهمية هذه الوثيقة المرجعية أنها ستساعدنا في تصنيف الأعمال التي تقدمها الإدارة وتصنيفها كخدمة إدارية مرفقية ، بالإضافة الى أنه سيساهم في تتبع مسار ومستوى تطور تقديم هذه الخدمات على المستوى الالكتروني كما ونوعا.

ويعرف الدليل المنجز الخدمة الاجتماعية، على أنها خدمة إدارية مرفقية تتسم بطابع اجتماعي وتقدم بناء على طلب أو بدون طلب من المرتفقين ، من أجل تلبية حاجياتهم وتمكينهم من الحصول على القيمة النهائية للخدمة ، سواء كانوا أشخاصا ذاتيين او معنويين، عبر مختلف قنوات تقديم الخدمة، سواء بطريقة مباشرة)الحضور الشخصي للإدارة ( أو عبر قناة الكترونية، وذلك بشكل كلي او جزئي.

وقد نص القانون 65/15 في المادة 2 والمادة 5 على أنها مجموعة من الخدمات التكفلية التي تتخذ صبغة اجتماعية ، لكن هاته الخدمات لا تقدمها الإدارة بطريقة مباشرة، ولكن تقدمها مؤسسات الرعاية الاجتماعية وهي خدمات اجتماعية، وتشرف الإدارة الوصية على الترخيص لهاته المؤسسات والجمعيات المسيرة لها.

وتصنف هاته الخدمات الى خدمات اجتماعية أساسية أي مرتبطة بالاختصاص سواء كانت الإدارة هي التي تقدمها : مثل التكفل بالغير والذي هو مصطلح عام، يشمل سلة من الخدمات التي هي ورش اجتماعي يمكن ان يساهم في تجويد صنف الخدمة الاجتماعية بالمغرب ،لأن المستفيد الأول منها هم فئة من الفئات الأقل والأضعف والذين هم في وضعيات هشة أو إعاقة أو عنف أو تهميش اجتماعي .

ويمكن تصنيف الخدمة الادارية الاجتماعية حسب الأهمية ، حيث انه سيتم استخدام هذا التصنيف للتمييز بين الخدمات الأكثر أهمية، وهي الخدمات الأساسية والفرعية والتكميلية ، وعلاقتها مع الخدمات المرتبطة بها وتحديد الخدمات المكملة للخدمات الأساسية.

-الخدمة الاجتماعية الأساسية: وهي خدمة نابعة من اختصاص المؤسسة، والتي لها علاقة بإحدى الجوانب التالية :

• التنظيمات (التراخيص، الاعتمادات، الشهادات، التصريحات…)
• إدارة السجلات (سجل)…
• إدارة الأموال العامة (الرعاية الاجتماعية)..
• منح الإعانات والدعم الحكومي (منحة، مساعدة، إعانة)..
• منح المزايا (في المجال الاجتماعي)..

-الخدمة الاجتماعية الفرعية :

وهي خدمة مرتبطة بوجود الخدمة الاجتماعية الأساسية ، وتتطلب أحيانا مدخلات مختلفة، ولكنها تمكن المستفيد أو المرتفق من الحصول على نفس النتيجة النهائية للخدمة الأساسية.

– الخدمة الاجتماعية التكميلية :

وهي خدمة متعلقة بمهمة المؤسسة أو الإدارة تتعلق بأحد الجوانب التالية:

• إصدار شهادة من سجلات الإدارة
• طبع مستخرج أو نسخة من السجل
• تحديث البيانات الشخصية أو المهنية

المستفيدون من الخدمة الاجتماعية :

وقد نص القانون 65/15 على أصناف من المؤسسات التي تتعامل مع فئات بعينها وتقدم لهم خدمات اجتماعية محددة بنص المادة 2و5ولذلك يجب التمييز بين ثلاث فئات من المستفيدين:

الفئة الأولى :من المؤسسة الى الفرد المستفيد من الخدمة الاجتماعية وهو المواطن أو الفرد، ويدخل فيهم حسب المادة 3الاطفال المهملين والأطفال في وضعية صعبة والمتمدرسين والأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص في وضعية تشرد والنساء ضحايا العنف والأشخاص المسنين.

امثلة على الخدمات الاجتماعية: الحصول على شهادة الإعاقة.

الفئة الثانية : من المؤسسة الى المهني: سواء كان شخصا ذاتيا أو مهنيا ويدخل فيهم الجمعيات أو العاملين الاجتماعيين أو شركات الاستثمار ومن الخدمات المقدمة

–تقديم الاعتماد /تقديم الترخيص /تقديم الدعم والمنح.

الفئة الثالثة :من المؤسسة الى المؤسسة: المستفيد من الخدمة الاجتماعية هو الإدارة –التعاون الوطني والوزارة، المعهد الوطني للعمل الاجتماعي –امثلة: المراسلات الإدارية، تدبير نظام الاعتمادات، تدبير نظام الرخص …

الرعاية الاجتماعية المنفتحة:

جسد تقرير 2013 بداية لتغيير مسار الرعاية الاجتماعية خصوصا فيما يتعلق بورش الحكامة، ولذلك سؤال الشفافية والتدبير المنفتح لمؤسسات الرعاية الاجتماعية يقتضي التوفر على تصور واضح للتحول الى الرقمنة، وامام الفجوة الرقمية بين قطاعات انخرطت في التحول الرقمي يبقى هذا االمجال بحاجة الى التحول السريع في الرقمنة، خصوصا وان ازمة كورونا بينت انه اصبح من اللازم ان تصبح الرقمنة خيارا لا رجعة فيه، بما يضمن قوة في التدبير وشفافية في التسيير وانفتاح في المعطيات واشراك للمواطن في سلة الخدمات وتجويدها بما يضمن تماسكا وقوة لهاته المؤسسات التي أصبحت تشكل هوية في التضامن والتعاون المغربي .

فقانون 65/15 هو بداية تصحيح المسار ، لكن تنزيله وتفعيله رهين بإخراج نصوص تطبيقية اذا لم تؤسس على الخيارات الرقمية في التدبير، تبقى سرعة التحول بطيئة، ولذلك فقواعد الحكامة تتأسس على التوفر على اطار تدبيري يستعمل التكنلوجيا والمعلوميات في تخزين البيانات وتحيينها باعتبارها معطيات تؤرخ لعمل مؤسسات الرعاية الاجتماعية.

ولذلك هناك مستويين في العمل:

مستوى مرتبط بالوزارة الوصية على الرعاية الاجتماعية فيما يخص تدبير الرخص وورش الملاءمة القانونية.

ومستوى ثاني يتعلق بالجمعيات التي تسير هاته المؤسسات

-نظام تدبير رقمي منفتح :

من شأن هذا النظام ان يساهم في تجويد عمل هاته المؤسسات، وكذا سهولة التعرف على الخريطة القانونية للمؤسسات الخاضعة للقانون، والتي هي بحاجة للملاءمة وكذا المؤسسات التي هي في وضعية صعبة أو مخالفة للقانون.

وهذه البيانات يتم معالجتها بشكل دوري من طرف لوحة قيادة مركزية تتولى تسيير هذا النظام.

ويساهم هذا النظام في التوفر على معطيات تتعلق بكل مؤسسة على حدة سواء كانت مختصة في مجال الرعاية للأشخاص في وضعية إعاقة أو لفائدة المسنين او لفائدة الأطفال أو لفائدة نساء ضحايا العنف.

ومن شأن هذا النمط المنفتح في التدبير للمؤسسات الاجتماعية ، أن تساهم في التعرف على الكلفة المالية للدعم والتسيير للمؤسسات من طرف الدولة، وهاته الكلفة تشكل قوة في تطوير مؤشرات الأداء والتدبير المبني على الشفافية ومبادئ الحكومة المنفتحة.

* رئيس مؤسسة تراحم للدراسات والأبحاث الأسرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *