وجهة نظر

وجه الغرب “البشع”

تصادفنا في أحيان كثيرة العديد من الأقلام والأصوات التي تطالب بإعادة النظر في مضامين بعض المقررات الدراسية، خاصة المتعلقة بالتربية الإسلامية والعلوم الشرعية.حيث دأبت العديد من الجمعيات والهيئات على تدبيج بيانات وتنظيم ندوات للمطالبة بتنقيح المواد والمضامين التي من شأنها تغذية التطرف وقيم العنصرية والإرهاب وإعادة الاعتبار لدرس الفلسفة والعلوم الإنسانية، وايلائها العناية اللازمة بالانتصار لقيم التنوير، انطلاقا من الرؤية النمطية إلى المجتمعات العربية والإسلامية باعتبارها مجتمعات عنفية وعنصرية، داعية إلى الاقتداء بالتجربة الغربية المتمثلة لحالة الأنوار والعقلانية والكونية…وما إلى ذلك من المفاهيم البراقة.

لكن هذه الأصوات تصاب بالخرس حين يتحرك العالم لنقد قيم العقلانية الغربية، وإعادة النظر في شروط الإنتاج الفكري لرواد الأنوار وحقائقهم التي أسست للغرب البشع. الغرب النموذج الذي يظهر الحرية ويمارس الاستبداد والتحكم، ويسوق الديمقراطية لشعوبنا ويفرض عليها الاحتلال الفعلي أوعبر الوكالة، وهو الغرب نفسه الذي مازال يجثم على عقولنا وصدورنا منذ نهضته التي كانت على أشلائنا. لا اختلاف بين من وضع الأساس النظري ومن نقل ذلك إلى الممارسة.

منذ أن أثير موضوع قصة (تين تان في الكونغو) والتي حملت في ثناياها الكثير من المفاهيم العنصريةفي المحاكم الفرنسية، حيث تعالت المطالبات بسحبها من الأسواق، بدأ النقاش المدني والأكاديمي حول ضرورة تنقية المناهج الدراسية من العديد من النصوص الكلاسيكية التي تنشر القيم المخالفة للقانون من العبودية واحتقار النساء والمسنين والمعاقين…مما أثار الحديث عن مصداقية “نجوم العقلانية” الذين قدموا للعالم على أنهم حملة الفكر الإنساني المتقدم والمتنور.

وقد أعيد النقاش في الصفحات الأكاديمية الغربية على إثر تساقط الرموز وإسقاط تماثيلهم بعد حادثة فلويد. لكن الباحث المفكك لأسطورة التفوق العقلاني الغربي سيفاجأ بأن جل ما تختزنه كتب الفلسفة والفكر يحتاج إلى تنقيح وإعادة نظر. وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى. فكانط الذي تصدح به كتبنا الدراسية على أنه زعيم العقلانية الأوربية وأحد الأساطين المرجعية في التراث الفلسفي كان لا يمنح لكل الأعراق القدرة على التفكير المجرد والنظر العلمي. حيث وضع سلمية عرقية يتصدرها الإنسان الأبيض رأس الهرم مانحا إياه مواصفات التميز والكفاءة الجينية، يليه الهنود، والزنوج، وفي آخر السلم سكان أمريكا الأصليين العاجزين عن التعلم والبيان.

ولذلك قدم نصيحة لسادته بالقول: “إن السود(…) ثرثارون جدا فلا حل معهم لعزل بعضهم عن بعض وتفريقهم سوى باستعمال العصا”. وكانط ليس استثناء. فهيجل يعتبر “الأسود يمثل الإنسان الطبيعي في أوج بربريته وفي مرحلة غياب الانضباط”. ومؤسس المدرسة اللائيكية جول فيريرأى أن “دور فرنسا هو تمدينالسلالات الدونية”. وفي مجال الأدب يمكننا اقتباس نماذج كثيرة. فرائد الحركة الرومانسية فيكتور هوجو يتصور إفريقيا ليست إلا “جدارا من الرمل” و”لا وجود لإفريقيا إلا بلمسة الإنسان الأبيض”.

وفولتير الذي قدم لنا باعتباره أحد، بل أهم، المدافعين عن الحريات المدنية  وأحد مراجع عصر الأنوار يرى:”الإنسان الأبيض أسمى من هؤلاء السود، كما هم السود مقارنة بالقردة وكما هم القردة مقارنة بالمحار.” ولو تتبعنا نصوص أدباء الغرب وفلاسفتهم لوجدنا لديهم العديد من الحجج والأدلة على نظرتهم المشروطة بواقعهم الاستعلائي المؤسس على المركزية الغربية وجحيمية الآخر السارترية. فإذا كانت هذه هي المقدمات البنائية فالنتائج لن تخرج عن هذا النسق. لذا اعتبر الآخر عاجزا عن الإبداع وعن الإنتاج الفلسفي وبتعبير ديريدا: “لا وجود للفلسفة خارج الغرب، وما سوى ذلك هو فكر غير فلسفي”. بل يذهب بعضهم إلى التشكيك في آدمية الآخر.

قد يقول قائل إن أخطاء بعض المفكرين لا تنفي أهميتهم في تاريخ الفكر الإنساني، وهو أمر صحيح في حدود أن نستوعب أن كل فكر مشروط بمقدماته النظرية والمنهجية، ولا يمكن لفكر مؤسس على العنصرية وواضع لأسس الاستعمار أن يكون بان لحضارة العقلانية والتحرر والديمقراطية. لذا فسلوكات الغرب المتقدم الحالية هي نتيجة طبيعية لمقدمات فلاسفته النظرية. لذا علينا أن نفكر خارج الصندوق الغربي ونعيد النظر فيما نقدمه لأبنائنا من قيم ومبادئ وأفكار بنيت على أشلاء شعوبنا لا أن نظل نجلد ذاتنا المختزنة للروائع الإنسانية تحت مزاعم العقلانية والحداثة “الوهمية”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *