أدب وفنون، مجتمع

الكريمي.. رائد الحلقة الذي لم يبرح الهامش رغم الشهرة

هل يحتاج الفنان محمد بلحجام الشهير باسم “الكريمي” إلى تعزية أو “التفاتة” من المركز بعد وفاته؟ قطعا لا، فالهامش وحده من احتفى بابن جماعة الكريمات بالصويرة حيّا، وهو الجدير بتكريمه وحفظ ذكراه بعد الوفاة.. هكذا يحكي لسان حال جمهور الكريمي من البسطاء والفقراء الذين كانوا يتحلقون حوله في الأسواق.

سُئل الكريمي ذات مرة، على هامش مشاركته في أحد التظاهرات الفنية، عن الفرق بين “الحلقة” وخشبة المسرح، فأجاب بدون تردد بأن إضحاك جمهور المسرح أسهل من إضحاك جمهور الحلقة، لأن الأول حضر بغرض الفرجة ومستعد للضحك، والثاني عليه أن يستقطبه في وسط تتنازعه فيه الكثير من الأمور.

رأى الكريمي النور بدوار الصهاهلة بجماعة الكريمات ضواحي الصويرة عام 1949، ونشأ في أسرة فقيرة. وقد يكون الفنان الرائد في فن الحلقة تشرب القليل من الحس الفكاهي من والده الفلاح، لكنه حتما لم يرث عنه الفلاحة المعيشية.

يحكي ابن منطقة الكريمي عز الدين ازريول، أن الراحل تميّز منذ حداثة سنه بحسه الفكاهي، كما أن المجال الذي نشأ فيه عرف بقلعة النكتة، التي صارت لغة لأهل الدوار، وهكذا تشرّب “الكوميديا البدوية”.

كان الكريمي في بداياته ينسج نصوصه الكوميدية، أو بالأحرى يرتجلها، من الواقع اليومي المعاش في الدوار، إذ يعرض لوحاته الهزلية وقفشاته على السكان في التجمعات المسائية وحفلات الزفاف، ويتفحص عيونهم ليرى تجاوبهم معه.

وكان يشتغل على تقليد شيوخ الدوار ويعيد تدوير أحداث اليوم في قالب فكاهي قوامه السخرية من واقع الدوار المعزول، وجفاف المنطقة وقحطها، كما يحكي ازريول لـ”العمق”.

لقد روّض الكريمي الكثير من آليات اشتغال الفكاهة والسخرية واستعملها في عروضه الكوميدية بشكل عفوي دون معرفته بها، من قبيل المحاكاة والتقليد والمفارقة والتهوين والتهويل وغيرها.

عُرف الكريمي بجرأته على طابو الجنس، وكان ينسج فيه حكايات متخيلة مضحكة، مستعملا المعجم الدارج كما هو دون زيادة ولا نقصان، حيث يعرف متى يقول كل كلمة، ليتفاعل معه الجمهور بضحكات مجلجلة.

الفنان الكوميدي الحلايقي الراحل محمد بلحجام الملقب بالكريمي

فالرجل، كما قال أحد الظرفاء “يعرف قياس برادو”، أي أنه ابن بيئته ويعي جيدا أن استعمال معجم الجنس في حلقته التي تكون عادة بأسواق البوادي أمر لن يواجه بالرفض، خصوصا أن هذا المجال عرف على أنه ذكوري بامتياز.

وفي هذا الصدد يقول ازريول إن الحلايقي الراحل اعتمد أسلوبا جديدا في فن الحلقة كسر من خلاله نمطيتها المعهودة كفضاء له قدسيته لارتباطا بالخطاب المتداول لدى الكثير من الحلايقية (الرمى، الشريف، قصة علي …).

ومهما كانت طبيعة المواضيع التي يشتغل عليها الحلايقي في الأسواق الأسبوعية فإنها لا يمكنها أن تتجاوز الطابوهات المعروفة، مع احترامها لطبيعة المجتمعات القروية المحافظة، إلا أن الكريمي حطّم هذه القيود واقتحم مختلف الطابوهات بشكل جعل منه نموذج الحلايقي المتمرد، حسب تعبير المتحدث.

مع مرور الوقت أصبحت حلقة الكريمي تستقطب العشرات، حيث كان يرسم البسمة على وجوه البسطاء وأبناء الهامش، مستعملا إكسسوارات قليلة جدا تتكون من آلة وترية “عود” وجلباب، مستعينا بوجه ذي ملامح مرنة يساعده على التقليد، وجسد نحيف يسمح له بالتحرك بخفة ورشاقة.

الكريمي الذي امتلك ناصية الحلقة في وقت مبكر، كان يرتجل جل عروضه منطلقاً من واقع وحال جمهوره من الفلاحين الذين كان يخفف عنهم وطأة جفاف الموسم الفلاحي وغلاء السوق، مسترسلا في الكلام كأنه معين كلمات لا ينضب.

كان الراحل في أحد عروضه بالحلقة منغمسا في عمله، بينما أحد الأشخاص شرع في تصويره خلسة دون أن يدرك ذلك، قبل أن يتفاجأ بعرضه الفكاهي يجول ويصول مدن المغرب على أقراص مدمجة، فكان هذا بابا أوصله إلى شهرة أكبر، خصوصا على المستوى الوطني، حيث شارك في عروض ومهرجانات وتعرف عليه فنانون.

المتفرج على عروض الكريمي يدرك أن الرجل يتحول في الكثير من الأحيان إلى “حكيم” و”واعظ”، يقدم النصائح ودروس الحياة في قالب هزلي، بل إنه يسهب في شرح أمور من عالم الغيب وأخرى من الدين الإسلامي، بأسلوبه وكما يفهمها، وهو ما يستسيغه جمهوره، فتحدث عن الموت والنار والجنة والصلاة والصدقة والحلال والحرام والقناعة وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • خ.مصطفى
    منذ 4 سنوات

    رأى الكريمي النور بدوار الصهاهلة بجماعة الكريمات ضواحي الصويرة عام 1959: ان لله وان اليه راجعون