مجتمع

حاولوا الانتحار واختاروا العزلة.. مكتئبون فاقمت الجائحة معاناتهم

هاجر شريد – صحفية متدربة

“لم أفكر في الانتحار بل حاولت أكثر من مرة، لكن محاولاتي باءت بالفشل، ربما لأن الحياة جميلة كما يقولون، رغم أنني لا أراها كذلك”، بهذه الكلمات تحكي نورة (اسم مستعار) قصتها مع الاكتئاب.

ليس كل من يبتسم فهو سعيد، فهناك ابتسامة تخفي ورائها ألف وجع ودمعة، فأخطر أنواع الاكتئاب قد يختبئ خلف ابتسامة، هذا ما يحدث مع نورة، وهي طالبة سنة ثانية بكالوريا، قد تبدو أمام الجميع غير حزينة ولا يائسة، فهي تضع قناعا مزيفا يخفي الكثير من نوبات الألم والهلع.

أفكار سوداوية
تقول، نورة في حديث مع “العمق”، “لا يعلم من هم حولي أنني حاولت وضع حدا لحياتي أكثر من مرة وفشلت”، وذلك نتيجة تخبطها باستمرار مع الأفكار السوداوية، إلى جانب ظروف الحياة الصعبة التي تضاعفت في ظل تفشي جائحة كورونا.

كانت تعاني من الاكتئاب، لكن الحجر الصحي فاقم من معاناتها، إضافة إلى أنها كانت مقبلة على اجتياز امتحانات البكالوريا ما سبب لها أيضا ضغطا نفسيا رهيبا. لتوضح قائلة: “لا يمكنني نكران أن فترة الحجر الصحي كانت صعبة بالنسبة لي، فقد عمقت من معاناتي ومأساتي، وكل ما أتمناه أن لا يتكرر مرة أخرى”.

مجنون
أصعب شيء بالنسبة لنورة، هو أن البعض يخيل له أن المرض النفسي لا يحتاج علاجه مجهودا أو استشارة طبيب، فالمصاب بالاكتئاب يصفونه بالـ”المجنون”، أو يتهمونه بأنه “يتدلع”، لا يفهمون أنه مثله مثل الأمراض العضوية، كالقلب أو ضغط الدم، لا يمكن علاجها بشكل ذاتي، وأن استشارة الطبيب هي الحل الأمثل.

مع حالة الحزن الدائمة التي تسيطر عليها، قررت اللجوء لطبيب نفسي من أجل تلقي العلاج، فهي تتمنى أن تعيش حياة طبيعة كالآخرين.

صديق حياتي
من جهته يقول محمد، وهو طالب موريتاني يدرس بالمغرب، في حديثه مع “العمق”، إن الاكتئاب صديق حياته لافتا إلى أن حكايته مع الاكتئاب بدأت وهولا يزال في السن الثامنة عمره.

غادر محمد وطنه طلبا للعلم، كما أنه عاش طفولة قاسية، إذ لم يلعب قط كباقي الأطفال ولم يشاهد الرسوم المتحركة يوما، كما أنه تعرض للتعنيف والضرب من قبل مدرسيه، وفق تعبيره.

“أصعب شيء بالنسبة لي هو أن يعيش الإنسان طفولة يغلب عليها طابع الاغتراب، أي البعد عن الأهل والأحباب، والأسوأ من ذلك أن يعيش عنفا مستمرا”، يقول محمد بنبرة حزينة.

طفولة صعبة
عديدة هي الأسباب التي يراها محمد كانت سببا في إصابته بالاكتئاب، ربما العزلة عن الوطن والأهل، إلى جانب الظروف الصعبة التي عاشها في طفولته.

حين يعود إلى موريتانيا، تغمره السعادة لكن التراكمات التي بداخله دائما تلقي بظلالها على طباعه وتصرفاته، فيما يرى بأن “البقاء في معزل عن العالم والضوضاء يشعرني بالتحسن”.

ويؤكد محمد، كما سبق لنورة أن أشارت إليه، بأن فترة الحجر الصحي كان لها تأثير أيضا عليه، لكنه أصبح معتادا على ذلك، فالاكتئاب أصبح جزء من حياته.

الحجر الصحي والاكتئاب

اعتبرت الأخصائية النفسية، بشرى المرابطي، أن أعراض الاكتئاب يمكنها أن تتضاعف خلال فترة الحجر الصحي، منها الحزن الشديد وانعدام الرغبة في الحياة، والانعزال عن الآخرين.

وأضافت المرابطي في تصريح لـ”العمق”، أن من هذه الأعراض ما هو مرتبط بذاكرة الإنسان حيث أن الشخص المصاب يتذكر كل ما هو سلبي فقط، ودائما يلقي اللوم على نفسه، وتراوده باستمرار فكرة الانتحار وفي حالة الاكتئاب الحاد قد يطبقها.

أسباب عديدة
وأكدت المرابطي أن للاكتئاب أسباب عديدة لا يمكن حصرها في أسطر قليلة، لكن يمكن التحدث عن أبرزها وهي ظروف الحياة القاهرة التي من ممكن أن تشكل ضغطا كبيرا على بعض الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل ذلك.

من هذه الأسباب، تضيف الأخصائية النفسية، التأثير النفسي للحجر الصحي الذي من الممكن أن يكون كبيرا جدا، وأن يتسبب في مشاكل نفسية قد تؤذي إلى الاكتئاب.

ضغوط

وأشارت إلى أن الضغوط المرتبطة بالحجر الصحي، كالخوف من الإصابة بالفيروس، أو الملل، والإحباط كلها عوامل تساهم في الإصابة بمشاكل نفسية والاكتئاب، كما أن هذا الأخير يتخذ أنواعا عدة لكن أهمها الاكتئاب العصبي الذي غالبا ما يكون بسبب عوامل خارجية.

وقدمت مثالا على ذلك بفترة الحجر الصحي حيث أن طبيعة الحياة تغيرت الأمر الذي قد يؤثر على العديد من الناس، ويتسبب في إصابتهم بهذا النوع من الاكتئاب. عكس الذهاني الذي يرتبط بعوامل داخلية حيث أنه يشمل تغيرات مزاجية ونفسية..

وأضافت أن هناك نوعا آخرا من الاكتئاب يسمى ثنائي القطب وهو اضطراب نفسي يسبّب نوبات من الحزن ونوبات من الابتهاج غير الطبيعي، حيث أن شخص المصاب يعاني من تغيرات مزاجية شديدة، كما أنه درجات منها الخفيفة ومنها التي قد تصل إلى درجة الهوس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *