أدب وفنون

“طفولة مبدع”.. الرموتي: الكثير من التلاميذ العشاق كانوا يلجؤون إلي لأكتب لهم رسائل حب

طفولة مبدع ” هي نافذة نلتقي من خلالها مع المبدعين المغاربة للحديث عن عوالم طفولتهم، وتأثيرها على كتاباتهم، وما الذي بقي راسخا في الذاكرة من ذلك الزمن البعيد، وملامسة حضور تيمة الطفولة في نصوصهم الإبداعية، هي نوستالجيا لزمن البدايات في دروب الحياة.

وحلقة اليوم مع القاص والروائي حسن الرموتي، من مواليد مدينة الصويرة، خريج المركز التربوي الجهوي بأسفي، وعضو اتحاد كتاب المغرب، من أعماله،”مملكة القطار” قصص التنوخي للنشر الرباط 2011، و”نيران شقيقة “رواية دار الوطن الرباط 2012، و”الامتداد الأزرق رحلة العبور” مطبعة الصفريوي الصويرة 2013، ومن إصدارته كذلك، ديوان “لأحلام النورس الأخير” مطبعة بلال فاس 2016، و “لاندوشين” سيرة روائية ادسيون بلوس الدارالبيضاء 2016، و”أبو نواس مرشحا” قصص مقاربات فاس بدعم من وزارة الثقافة 2002017، و”بوح تحت زخات المطر” قصص مطبعة بلال فاس 2017، ورواية “متاهات ” منشورات الموجة دعم وزارة الثقافة 2018. وفيما يلي نصه الموسوم بعنوان “ذاكرة موكادور”

“حين تعود بي الذاكرة إلى الوراء بعيدا، واسترجع بعضا من طفولتي، يكون البحر جزء هاما من هذه الطفولة … لم تكن موكادور مدينة كبيرة ممتدة خارج السور، كنا نسكن داخل المدينة العتقية قريبا من السور ومن الشاطئ كذلك، وحتى عندما تلفظنا المؤسسة التعليمية والتي كانت بدورها قريبة من البحر، كنا نسير نحوه، نسبح ثم نعود إلى المنزل .. أذكر أنا المايو يكون معي في المحفظة، نسبح ونأخذ دوشا باردا مجانا، ثم نعود إلى المنزل كأن شيئا لم يحدث، لم يعد ذاك ممكنا اليوم، البراريك والدوشات التي كانت قريبا من الرمال سويت منذ سنوات مع الأرض .. كان نذهب جماعة ونحن تلاميذ، اليوم تفرقت بنا السبل، وانتهينا إلى مصائر مختلفة هناك أطباء وأساتذة وموظفون وحرفيون  ومجنونون ومنهم من اختفى …

استرجع دروب المدينة العتيقة وأحياءها، صراعاتنا وحروبنا الصغيرة مع أطفال الأحياء الأخرى داخل المدينة العتيقة والأزقة الضيقة، سلاحنا الحجارة، ثم نعود سالمين إلى المنزل، أو يعود أحدنا نازفا بعد أن يكون رأسه تعرض لحجر ما من الطرف الآخر، هو شغب طفولي، لكن علاقتي بالبحر كانت أقوى، فكنت أراه كل يوم حتى غدَا رفيقا لي أعرف غضبه وهدوءه …ربما في كل نصوصي يكون البحر حاضرا ..

مازلت أذكر كذلك أني كنت أكتب مواضيع إنشائية جميلة وكنت عارفا بالكثير من العشاق من التلاميذ، كانوا يلجؤون إلىّ لأكتب لهم رسائل حب .. ننزوي بعيدا من المؤسسة وكنت أكتب كما لو كنت أكتبها لنفسي، ويتلقفها رفاقي مسرورين ويذهبون، لا أعرف هل وصلت هذه الرسائل أم لا ؟ حين استرجع ذلك اليوم، وأصادف بعضا من هؤلاء واسترجع حبهم الأول ..ابتسم في أعماقي .. ذكريات كثيرة استرجعها ونحن نمر قريبا من الساحة، ومن مقهى فرنسا، وكيف كنا نرى وجوها من المبدعين والرسامين يجلسون هناك، مثل ادموند عمران المليح والتشكيلي بوجمعة لخضر والحسين الميلودي والطيب الصديقي وزفزاف غيرهم، وكنا نتمنى أن نكون مثلهم وهم يحتسون كؤوس القهوة …

أذكر أن معلميّ في المرحلة الابتدائية كانوا صارمين، لكنها صرامة من أجلنا، كما لو كانوا يحملون همومنا، كنا بدورنا نبذل جهودا، وكان المنفلوطي من خلال العبرات والنظرات رفيقنا، وجبران خليل جبران، ثم يوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس، وقصص عطية الأبرشي، قبل أن نكتشف كتابات غسان كنفاني في المرحلة الثانوية وخاصة عائد إلى حيفا ومازالت جملة – الإنسان في نهاية المطاف قضية – ماثلة في ذاكرتي.

المكان في موكادور جزء مني ومازال، لذلك خصصت كتابي الأخير الذي صدر عن مطبعة بلال بفاس 2015 لهذه المدينة أسميته – مدائن الحب و التيه _ نص استرجعت فيه جانبا من الطفولة وعلاقتي بموغادور، الطفولة حاضرة في إبداعي سواء أكان شعرا أم نثرا، حتى النص الشعري الأخير والذي نشرته المجلة العربية السعودية كان بعنوان الأم، ونشرته طنجة الأدبية بعنوان طفولة، هو العودة إلى زمن جميل …

أشياء كثيرة مازالت في الذاكرة، صورة الجدة عندما كانت تزورنا قادمة من البادية بوقارها وهيبتها، ثم حين تحكي لنا مساء حكايات، ونحن نتحلّق حولها مندهشين من طريقة الحكي متلهفين لسماع المزيد، ثم يغالبنا النوم، في الصباح نحمل محافظنا الصغيرة، وكتاب إقرأ لبوكماخ منتظرين المساء بلهفة لسماع حكايات أخرى، حكايات الغيلان والملوك وغيرها … الجدات في هذه المرحلة كن شهرزدات قبل أن يدخل التلفزيون ويفسد كل شيء.

كان الصيد السمك و السرطانات طقسا كذلك ، لا يتطلب الأمر شيئا، خيط – سبيب – وصنارة والذهاب إلى الميناء القريب جدا، أو قضيب حديدي عاد معقوف، والسير نحو الصخور والبحث عن السرطانات، ثم طهيها بين الصخور في ماء البحر وبيعها، وبعدها الذهاب إلى سينما سقالة ومشاهدة فيلمين سينمائين، ونحن مازلنا في المرحلة الابتدائية .. ربما كنت محظوظا، لم يكن أبي صارما معي، رغم أنه كان موظفا في مكتب الأشغال العمومية أنذاك، فكان يترك لي الحرية في الخروج إلى الشارع والذهاب إلى الشاطئ، لأن الصويرة – موكادور – كانت الحياة وبسيطة إلى درجة أن الناس كانوا يعرفون بعضهم بعضا قبل أن تمدد المدينة، وتتعرض إلى هجرات من البوادي والمدن الأخرى، اليوم تغير الأمر تماما، وأصبحت المدينة تفقد هذا الأمن الذي عرفته لعقود طويلة.

و نحن بدورنا كلما تقدم بنا العمر أصبحنا نحن لهذا الزمن الجميل، خاصة زمن الطفولة بكل براءتها وشغبها …مظاهر كثيرة مازالت عالقة في الذاكرة، احتفالات الولي سيدي مكدول في مدخل المدينة، كانت المدينة تحتفل بموسمه سنويا، اليوم توقف هذا الموسم منذ سنوات، وكنا نذهب ونحن صغار لمشاهدة الفروسية وألعاب الحواة وغيرها …مجنونو المدينة وحماقها، كلامهم الغريب أحيانا، والقريب إلى الحكمة أحيانا كثيرة … وذكرت بعضهم في إصداري الأخير ..مازال بعضهم حاضرا في ذاكرتي، لأنهم جزء من هذه المدينة.

أكيد أن أشياء كثيرة تغيب عني الآن، لكن حين تقودني قدماي بين أزقة المدينة استحضر هذه كثيرًا من المواقف، موكادور حاضرة في قصص، وحاضرة في كتابي الامتداد الأزرق، لأنه يعيد الاعتبار لشخص بحار من هذه المدينة في رحلته المغامرة لقطع الأطلسي … ولي كتاب وهو نص سردي، هو وصف لهذه المدينة بمدائن الحب والتيه.

كما صدر لي كتاب عبارة عن سيرة روائية لشخص آخر ممن خاض حرب لاندوشين من أبناء المدينة، حفاظا للذاكرة، الصويرة جزء مني وما كتبته أدين به لهذه المدينة التي عاشت طويلا على الهامش، ومازالت رغم هذه البهرجة السياحية التي نراها اليوم.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • حسن العطار
    منذ 4 سنوات

    تحية بيضاوية للأديب سيدي حسن الرموتي سفير موكادور. دام تألقك في عوالم الكتابة الماتعة.