اقتصاد، حوارات

أوراز: المغرب فقد التحكم في مصيره الاقتصادي في ظل الجائحة.. وأزمة تلوح في الأفق

رشيد أوراز

هاجر شريد- صحافية متدربة

قال رشيد أوراز، المحلل الاقتصادي والباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات، إن المغرب ليس جاهزا لتحمل آثار هذه الأزمة الصحية لجائحة كورونا على المدى البعيد، مضيفا أن أن ملامح الأزمة بدأت تظهر، من خلال ارتفاع نسبة البطالة وركود السوق، وضعف القدرة الشرائية.

واعتبر أوراز في حوار مع جريدة “العمق”، أن جائحة فيروس كورونا ممكن أن تكون فرصة لمعالجة الاختلالات الكبرى وإصلاح ما يجب إصلاحه، مشيرا إلى أن الحلول والمقترحات التي تم تقديمها لتدبير هذه الأزمة لن تحل المشكل من أساسة، ولن تنهض بالاقتصاد المغربي.

وفيما يلي نص الحوار:

ما رأيك بالإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الجائحة؟

لقد اتخذت الحكومة عدة إجراءات بعضها يهدف إلى التقليل من التوتر الاجتماعي خلال فترة الحجر الصحي، والبعض الآخر يهدف إلى الحفاظ على التشغيل وهو مطلب اجتماعي أيضا.

وفيما يتعلق بالاستثمار، فالبرنامج الحكومي اصطدم بواقع انتشار الوباء سواء على الصعيد الوطني أو العالمي، ولا أظن أن سنة 2020 ستشهد دينامية على هذا المستوى، لأن انتشار الفيروس بعد رفع الحجر الصحي ازداد، الأمر الذي يحد من تحرك المستثمر المحلي، خصوصا أن مناخ الأعمال في البلاد لم يكن مساعدا حتى قبل الأزمة الصحية التي أحدثها الفيروس. حيث أننا كنا في سياق نقاش يطبعه فشل النموذج التنموي، وتراجع نسب النمو الاقتصادي خلال السنوات الأخيرة.

هل الانكماش الذي يعيشه الاقتصاد المغربي اليوم في ظل تفشي الوباء وصل إلى درجة “أزمة” ؟

نحن نقترب من أزمة يوما بعد يوم، التي ستتميز بتزايد معدلات البطالة وتراجع موارد الدولة المالية، وتراجع مخزون العملات الصعبة التي قد تسبب في حدوث موجات تضخم.

فالاقتصاد المغربي بالأساس يعاني، وجاءت هذه الأزمة الصحية لتزيد من عمق أزمته، فمعدل النمو الاقتصادي انحصر في حدود 2,3 سنة 2019 و2,9 سنة 2018 بل انخفض إلى 1,06 سنة 2016 وهذه مؤشرات تدل على أن الاقتصاد المغربي كان يعاني فعليا قبل أن تأتي هذه الجائحة.

كيف تنظر إلى واقع المغرب في ظل هذه الأزمة؟

تخوفي ليس مما مضى بل مما هو آت. لأنني أظن أن المغرب فقد القدرة على التحكم في مصيره الاقتصادي، لقد وضعنا الرجل الأولى في المجهول. فكل المؤشرات تأخذني في هذا الاتجاه، بدءا من تباطؤ الإصلاحات الهيكلية، وتفجير المؤسسات الدستورية مثل مجلس المنافسة، إلى جانب التخبط الذي يعيشه مناخ الأعمال وتراجع ثقة المستثمرين المحليين، والخارجيين في جدية الإصلاحات التي تبقى في كل الأحوال حبرا على ورق.

ولا يمكننا أ ن ننسى المؤشرات التي تقدمها الجهات الرسمية، بدءا من تراجع معدلات النمو وتراجع معدلات الاستثمار الخاص، وانخفاض مخزونات الدولة من العملة الصعبة، وتزايد العجز الموازناتي، ومحاولة معالجته عن طريق المديونية الخارجية.

وفي الأسابيع الماضية، بدأت الملامح الاجتماعية لهذه الأزمة تظهر على مستوى سوق الشغل، ذلك من خلال ارتفاع معدلات البطالة، إلى جانب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة لأسباب كثيرة منها تراجع إنتاجية العمل، وتراجع دخل الأسر التي يرتبط مصيرها بالقطاع غير المهيكل أو الدخول الريعية أو غيرها من الأنشطة غير المستقرة.

ما هو تأثير فيروس كورونا على التوازنات الاقتصادية بالمغرب، خصوصا أننا مهددون بموجة ثانية من الفيروس؟

لقد أصابت هذه الأزمة لحد الآن التوازن المالي للدولة، فعجز الميزانية في القانون المالية المعدل هو الأكبر من نوعه، وتم اللجوء لرفع سقف الاستدانة الخارجية لتغطيته، وأظن أن العجز الموازناتي للسنة المقبلة سيكون أكبر، لأن النتائج المالية للمقاولات ستكون كارثية خلال السنة المالية الحالية، وهو ما سيؤثر على موارد الدولة من الضرائب على الأرباح والعمل والاستهلاك.

أما توقف القطاع السياحي والذي ليس من المتوقع أن تعود عجلته للدوران قبل سنة 2023، بالإضافة إلى توقف حركة المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج إلى البلد هذا العام، فقد أثرت على موارد الدولة من العملة الصعبة وهو ما تم التغطية عليه من خلال اللجوء إلى الخط الائتماني لصندوق النقد الدولي لكنه حل مؤقت ليس إلا. ناهيك عن اختلال هذه التوازنات؛ تظهر توقعات المندوبية السامية للتخطيط أرقاما سلبية جدا فيما يخص النمو الاقتصادي والبطالة هذه السنة.

هل المغرب جاهز لتحمل أثار هذه الأزمة على المدى البعيد، وكيف يمكنه أن يتفادى سيناريو الانهيار ؟

للأسف ليس جاهزا لتحمل آثار هذه الأزمة على المدى البعيد، ولا يمكن تفادي السيناريو الأسوأ. لقد كان هناك تباطؤ فظيع في القيام بالإصلاحات الضرورية، ولم يتم استغلال الفرص المتاحة خلال العقد الأخير لتقوية الاقتصاد المغربي على عدة مستويات، فالمغرب في السنوات الأربع الأخيرة فقد جاذبيته باعتباره دولة ناشئة، ويمكن ملاحظة ذلك على عدة مستويات منها الفشل في جذب الاستثمارات الأجنبية، ومعدلات الاستثمار الخاص وكذا معدلات نمو الاقتصاد المغربي المنخفضة جدا، والأرقام الرسمية التي تقدمها الدولة تقول هذا بشكل واضح، بل هناك اعترفا رسميا منذ سنة 2017 أن النموذج التنموي المغربي بلغ مداه، لكن في الآن ذاته كان هناك تأخر في معالجة ذلك المشكل وهذا غير مفهوم بتاتا.

هل يمكن أن نعتبر جائحة كورونا فرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد والنهوض به؟

قد تكون الأزمات فرصة لمعالجة الاختلالات الكبرى وإصلاح ما يجب إصلاحه، لكني أعتقد أننا ما زلنا أسرى مقاربة تعالج أعراض المرض وليس المرض نفسه. وما تم تقديمه لحد الآن كحلول ومقترحات لن تعالج المشكل من أساسه، ولن تنهض بالاقتصاد المغربي.

وفي الواقع لكي يتطور الاقتصاد لا يحتاج من الدولة إلا توفير مناخ أعمال يثق فيه المستثمرون المحليون، والأجانب ومؤسسات تحمي حقوقهم ومحفزات على الاستثمار، ولا أرى أن هناك تقدما على هذا المستوى إن لم يكن هناك تراجع واضح. فالبرامج الاجتماعية وبعض السياسات القطاعية لن تنهض بالاقتصاد وسيبقى أثرها محصورا في خدمة بعض الفئات القليلة أو بعض النخب التي لها مصالح متقاطعة مع الدولة.

ما هي الحلول والمقترحات في نظرك للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر؟

تعد منظومة الريع المتشعبة معرقلا حقيقا للنمو والتنمية في المغرب، رغم قناعتي أننا لا يمكن أن ننتقل من اقتصاد الريع إلى الاقتصاد التنافسي بين عشية وضحاها إلا أن الإصلاحات التدريجية ضرورية في هذا الباب، ويعد تفجير مجلس المنافسة في نظري دليلا على أن الإرادة في إصلاح هذه المنظومة الريعية غائبة في هذه المرحلة على الأقل.

وفي المركز الثاني تأتي مسألة الحكامة ومتانة المؤسسات السياسية والاقتصادية، إذ هناك مؤسسات وقواعد معادية للتنمية وتحابي طبقة معينة من النخب على حساب بقية النخب والمستثمرين ويسميها الاقتصاديون بالمؤسسات الإقصائية، والمغرب يقع ضمن دائرة البلدان التي تدار بهذا النوع من المؤسسات والتي لها تأثير سلبي على التنمية على المدى المتوسط والبعيد إذ يسجل المغرب مستويات متدنية على مستوى حماية حقوق الملكية والحريات الاقتصادية بصفة عامة، ولا يمكن بما نتوفر عليه من مؤسسات أن نواجه هذه الأزمة الطارئة كما لا يمكن أن نفلت من سيناريو السقوط في أزمة ركود عميق.

والمغرب في حاجة أيضا إلى مناخ أعمال سليم، وما نراه اليوم رغم التصنيف الجيد للبلد على مستوى مؤشر دوين بيزنس للبنك الدولي هو أن المغرب يعرف انحسارا للاستثمار الخاص، وتراجعا للنشاط المقاولاتي التي يسقط عدد كبير منها سنويا في الإفلاس أوالاغلاق وترحيل أنشطتها إلى بلدان أخرى أو هجرة كفاءات اقتصادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *