وجهة نظر

نقطة نظام: فاجعة الطفل عدنان.. أين الخلل!؟

اختفاء طفل بطنجة

فجرت فاجعة مقتل الطفل عدنان، الذي عثر على جثته ليلة أمس الجمعة/ السبت بالقرب من منزل أسرته بمدينة طنجة، غضبا مجتمعيا كبيرا، وسخطا عارما باتت صوره تتمدد في مواقع التواصل الاجتماعي، ومن المحتمل أن تتطور أشكاله إلى خارج الفضاء الافتراضي، بسبب تزايد الأصوات المطالبة بتطبيق عقوبة الإعدام في حق الجاني.

اغتصاب طفل والتخلص منه بطريقة موغلة في الوحشية، يجيب عن أسئلة عميقة تتعلق ببنية المجتمع، وبتركيبته القيمية والأخلاقية، وأساسا على مستوى ضبط التوازنات النفسية والاجتماعية للأفراد، لأن الجريمة ليست مجرد اعتداء عابر، وإنما هي ترجمة لسلوكات بشرية معطوبة، وانعكاس لأمراض نفسية وعقد حاضنة لمختلف ممكنات الفعل الإجرامي، وتتمدد هذه الأمراض في المجتمع بسبب إهمال شروط تجفيف مستنقعاتها، وأيضا بسبب تهميش صوت الأخصائيين والباحثين في الصحة النفسية، في مجتمع تحكمه آلة التغير المتحكم فيها من الخارج، وينضبط خارج إيقاع الهوية الاجتماعية والنفسية والقيمية الوطنية.

هل جريمة اغتصاب ودفن الطفل عدنان مؤشر معزول لما يحصل في المجتمع!؟ وهل قراءة الفاجعة من زاوية الفعل الجنائي يسعف في الإحاطة بكل تمفصلاتها!؟ ثم إلى أي حد يتم الاستناد لهكذا فواجع من أجل مراجعة السياسة الجنائية، ومراجعة السياسة العقابية ببلادنا!؟

أسئلة كثيرة يطرحها رجل الشارع تزامنا مع إعلان القبض على الشخص المشتبه فيه، ويبحث من خلالها عن تحليل كافٍ لعمق الأزمة التي تنخر مجتمعنا، انطلاقا من كشف المتغيرات التي تصنع الجريمة، وتهيئ لشروطها النفسية – المرضية، على اعتبار أن الجريمة ليست فعلا ” صُدفويا” – وإن كان الطبيب الإيطالي لومبروزو قٓرٓن بين الصدفة والمجرم- وإنما الجريمة تحكمها مسببات وبواعث قبلية، وهذه المسببات والبواعث لا يمكن عزلها عن سياقها العام؛ إنها أزمة مركبة من صميم أزمة المجتمع.

الطفل عدنان صورة كاشفة لمجتمع مهزوز، مجتمع ينطوي على مفارقات غريبة، وسلوكات أكثر غرابة، وفي كل يوم تنكشف صور الغرابة على شكل فواجع وجرائم، وفوق نار هادئة تطبخ فواجع وجرائم أخرى، لأن سياقات إنتاجها تضمن لها الإستمرارية والدوام.

لا أحد خارج مسؤولية ما وقع ويقع، كلنا معنيون بمراجعة نقط وفواصل وعلامات استفهام مجتمعنا، وكلنا معنيون بحماية ذواتنا وذوات الآخرين؛ الدولة معنية بمراجعة سياستها العقابية والجنائية، والجمعيات التي تقف ضد تطبيق عقوبة الإعدام معنية بمراجعة فهمها لماهية الحق، والمجتمع بكل أفراده معني بتكريس المعنى في السلوك، وبترسيخ مبادئ الإنسانية في العلاقات العامة. وفي غياب هذا الاعتراف، وهذا التقاسم المشترك للمسؤولية، ستتواصل جرائم الاغتصاب، وجرائم القتل، وستتواصل معهما تعبيرات الغضب هنا وهناك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *