وجهة نظر

ثقافة رد الفعل

الإنسان بطبيعته يتفاعل مع سلوك غيره نحوه، فيكره أن يساء إليه بأي شكل، ويلجأ لرد الفعل عن فعل غيره دفاعا عن نفسه ووجوده المادي والمعنوي؛ وذلك برد الإساءة بإساءة مثلها او أشد منها، والإحسان بمثله في الغالب الأعم.

غير أنه مع الرشد قد يرقى رد الفعل لدى البعض ( مع خصمه وليس مع عدوه) إلى مستوى أرقى – خاصة عندما تسود لديه وفي محيطهما السوسيولوجي منظومة قيم مثل تجريم الظلم، والترفع عن رد الإساءة بمثلها، والتعالي عن سفاسف الأمور، والرد العقلاني بما يناسب المقام لا الرد العاطفي العشوائي- فيقابل الخير بالخير لزوما، والإساءة ليس بالإساءة بالضرورة؛ مما يؤهله لمستوى عال من ضبط النفس، والتفاعل العقلاني مع ما يكره عموما، فلا تَسرُّع ولا ندم، ولا حاجة لاعتذار، ولا نتائج كارثية.

إلا أن الكثير من الخلق لم يوفقوا إلى تربية أنفسهم على هذا النحو؛ فانجرّوا وراء العاطفة في مثل هذه الوضعيات؛ فبادلوا الشر بأشد منه، وفقدوا زمام المبادرة في أنفسهم، وانضموا إلى كتائب ثقافة رد الفعل؛ فلا خصومهم تغيرت سلوكاتها بردود أفعالهم، ولا هم حافظوا على نظافة أساليبهم وجميل تدخلهم؛ فصاروا مثل خصومهم سوءا في الفعل، ونتيجة في المآل.

كم من علاقة بينية كانت ستستمر وتتقوى لو تعالى أحد طرفيها عن ثقافة رد الفعل بدعوى “الدفاع عن الكرامة”، و “توقيف الآخر عند حده”، و..و…و…و…

كم من أسرة كانت ستنجح وتستقر ويستقر معها الأبناء لو تعالى أحد طرفيها عن رد الفعل السيء بفعل من جنسه، ونزع نحو ضبط النفس وتحكيم العقل في الرد بناء على المآلات.

كم من تنظيم تصدع وتلاشى بسبب نوعية التعامل مع الأخطاء التنظيمية والتدبيرية لأحد أعضائه قيادة أو قاعدة؛ أو بسب غيرة أو حسد صامتين، ورغبة في السيادة أدوا إلى ردود فعل إقصائية وتدميرية للآخر عوض استيعابه، والدفاع عن حقه في الوجود، والتعاون معه لتحقيق أهداف التنظيم.

كم من حرب اشتعلت بين دول برد فعل غير محسوب؛ فكانت العاقبة تدميرا للذات قبل غيرها.

وكم… وكم….

الحكماء يقدرون المآلات والمخرجات لكل شكل من أشكال ردود الفعل فيتبنون الإيجابي منها ويذرون الأسوأ وإن خالف عواطفهم ورغباتهم، وبذلك يبنون ولا يهدمون، ويقربون ولا يقصون، ويجمعون ولا يشتتون؛ فينقذون مؤسساتهم وأسرهم وأنفسهم وخصومهم على السواء من سقوط الخيمة على الجميع.

قال تعالى :

– “ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ”

– ” لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا” حديث شريف رواه الترمذي .

– “……… أليس منكم رجل رشيد ” هود الآية 78

لا تكن إمعة وتعالج خطأ بخطأ؛ فكل ينفق مما عنده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *