مجتمع

هجرة الأطباء وطلبة الطب خارج أرض الوطن .. الأسباب والمسؤولين و”الوطنية” (فيديو)

أعادت جائحة كورونا التي عصفت بالعالم، الأنظار والاهتمام إلى قطاع الصحة، وطرحت النقاش حول قوة بنية هذا القطاع في ربوع البلدان، وهو نفس النقاش المطروح بالمغرب.

فوطأة “كوفيد19” دفعت الجميع، فاعلين ومواطنين، إلى جعل موضوع الشأن الصحي بشكل عام، حديثا عاما داخل المجتمع، إذ أصبح الكل يناقش بنية القطاع ومدى قدرته على مواجهة معارك صحية بهذا المستوى أو أقل أو أكثر.

ومن بين المواضيع التي لم تأخذ حقها في النقاش العمومي، النزيف الصامت الذي يعيشه القطاع الصحي من خلال الهروب، أو على الأقل تفكير الأطباء وطلبة الطب على حد سواء، في الهجرة خارج أرض الوطن بحثا عن ظروف عمل أفضل وأجر أعلى واعتراف بمجهوداتهم.

سخط عارم

أحمد الكرعاني، طبيب مقيم بمستشفى ابن النفيس للأمراض العقلية بمراكش، قال إن “6150 طبيبا مغربيا يزاولون مهنة الطب في فرنسا لوحدها، منهم من أتم دراسته هناك وآخرون التحقوا بعد انتهاء مشوارهم الدراسي هنا في المغرب، وفضلوا أن يمارسوا مهنتهم هناك كأطباء عامين أو متخصصين”.

وفي المقابل، يضيف الدكتور الكرعاني، فإن “الأطباء المغاربة يعيشون سخطا عارما جراء الوضعية التي يشتغلون فيها، ومنهم من إذا سنحت له فرص الهجرة لن يتردد في ذلك، بل هناك من يفكر في التخلي عن الوظيفة العمومية بتبعاتها القانونية من أجل الاشتغال في أوروبا”.

ويقول المتحدث في تصريح لجريدة “العمق”، إن “الطبيب المغربي يشعر بأن قطاع الصحة لا يعتبر أولوية عند الدولة، ولهذا يفكرون في الذهاب إلى دول تعطي قيمة للعمل الذي يقدمونه”.

بعد 8 سنوات

يتحدث الكرعاني عن أسباب عدم رغبة الأطباء في الاشتغال داخل القطاع العام قائلا: “عند انتهاء عقدة العمل بين الطبيب ووزارة الصحة، لا تسمح هذه الأخيرة باستقالته بدعوى الخصاص”.

وانتقد المتحدث هذه الذريعة “لأن الطبيب قبل كل شيء هو مواطن غير مسؤول عن هذا الوضع، وبفعلهم هذا كأنهم يريدون أن يحملوا الطبيب مسؤولية سنوات من التدبير والتسيير التي خلفت هذه النتائج، وإبقائه في سجن الوظيفة العمومية”، وفق تعبيره.

ويسترسل أنه بالرغم من عدم تمكين الأطباء من الاستقالة رغم انتهاء العقدة، فإن الوزارة “لا تقدم أية تحفيزات مالية تجعل من الطبيب يضحي بسنوات دراسته، وتسهل عليه عملية الانتقال من أجل تحقيق الأمن الأسري، خاصة عندما يرى قطاعات أخرى تعمل على أن تبقى جذابة للموظفين، ووجود موظفين في مناصب عليا يتقاضون أجورا وتعويضات خيالية”.

إضافة إلى “الأجرة الهزيلة التي يتقاضاها الأطباء مقابل العمل والتضحيات التي يقدمونها إذا ما تمت مقارنتها بدول أخرى، أو في قطاعات أخرى على المستوى الوطني”، يقول الكرعاني.

خلل المنظومة

ونبه الطبيب النفسي بمراكش، أحمد الكرعاني، إلى ظروف العمل، كعامل أساسي في تفكير الأطباء في الهجرة نحو الخارج والاستقالة من القطاع العام.

يقول في هذا الصدد: “الطبيب يجد نفسه أمام مريض إما لا يملك إمكانيات التطبيب أو أن التجهيزات التي يشتغل بها غير متوفرة أو معطلة، ويطلب منه شراؤها، وأحيانا يتلقى معاملة مسيئة من طرف عائلته، لأنهم يظنون أن الطبيب لا يريد القيام بعمله أو أنه أرسلهم عنوة لاقتناء الأدوية أو التجهيزات، وبالتالي يؤدي الطبيب ثمن خلل المنظومة”.

وزاد الطبيب المذكور أن “من بين الأعطاب أيضا، عندما ترسل وزارة الصحة طبيبا مختصا في الجراحة إلى مستشفى محلي في منطقة نائية، دون أن توفر له التجهيزات الضرورية، فإنها تحكم عليه لا محال بالموت المهني، لأنه معروف أن الطبيب الجراح إن لم يعمل بشكل منتظم، فإن مهنته ستضيع منه”.

الوطنية ومشروع الحياة

وبخصوص الانتقادات التي توجه للأطباء باختيارهم العمل خارج الوطن ووصف تصرفاتهم بـ”اللاوطنية”، يشدد الكرعاني على أنه “يجب أن نفرق بين الجانب الإنساني ومشروع الحياة”.

وأوضح: “عندما يأتي المريض عند الطبيب ويجده يحتاج لتدخل مستعجل، فالوضع يقتضي من الطبيب أن يسارع إلى التدخل والقيام بعمله كما ينبغي وعلى أكمل وجه. لكن مشروع الحياة يستوي فيه الجميع كمواطنين، فمن حق الجميع أن يبنوا مستقبلهم ومشاريع حياتهم، وليس أن نحاسب الطبيب بالإنسانية ولا نحاسب البقية كونهم يريدون بناء مشاريعهم الخاصة”.

وأضاف في ذات التصريح أنه “لا يجب الخلط بين حقي كمواطن كتعريف أصلي في إيجاد تكوين مستمر وعيش كريم وظروف عمل جيدة، وبين ممارسة الإنسانية والتضحيات والعمل كما ينبغي والاهتمام بالمرضى، وتقديم خدمات له حتى وإن جاء في وقت انتهاء الدوام”.

وأشار ذات المتكلم إلى التضحيات التي قدمتها الأطر الصحية لمواجهة فيروس كورونا، متسائلا: “أليس من الوطنية أن تجد طبيبة أو ممرضة تركت أبناءها طيلة مدة هذه الجائحة، وتقطن بالفنادق حتى لا تنقل العدوى لأسرتها، فإن لم نضع هذه التصرفات وغيرها في خانة الإنسانية فأين يمكن أن نضعها؟”.

هروب أثناء التكوين

سعد المازوني، رئيس مكتب طلبة الطب بمدينة مراكش، أكد في تصريح مصور مع جريدة “العمق” هذا الوضع، قائلا: “بالفعل هناك هجرة الأطباء خارج المغرب، وأعدادهم كبيرة جدا، يمكن الإطلاع عليها، وهذا نفس الشيء بالنسبة لطلبة الطب في طور التكوين أو التخصص”.

وعن الأسباب، يوضح المازوني أنه لايوجد سبب واحد، بل هناك أسباب عديدة مساهمة في تدهور هذا القطاع، منها ما هو مادي محض، والذي ناضل وما يزال يناضل عنه الأطباء من أجل تخويل الرقم الاستدلالي 509 لتحسين أجرتهم.

وأيضا ظروف الاشتغال والفرق بين تلقيناه كطلبة في الجامعة وما يحتاجه الميدان من استخدام وسائل مغايرة علم آخر، نظرا لضعف المعدات والقدرة الشرائية للمواطنين لعدم وجود دعم في الأدوية، وغيرها من الأمور التي توضح بالملموس أن ما تعلمناه في المدرجات مغاير تماما لما نشتغل به، وفق تعبيره.

استثمار في المعرفة

ودافع المتحدث عن الأطباء بالقول: “إن العمل الذي يقوم به أي طبيب في العالم، عبارة عن استثمار في وقته وسنوات طويلة من الدراسة والتكوين، وبالتالي فهم يستحق أن يحصل على تعويض مناسب للاستثمار الذي قام به”.

وأضاف ممثل طلبة الطب بمراكش: “عندما نرى أن قدرة وزارة الصحة التنافسية لاستقطاب الأطباء من أجل الاشتغال في القطاع العام ضعيفة جدا مقارنة مع وجهات أخرى التي تملك عروضا مغرية، فهنا لا يمكن أن نصادر حق الطبيب في اختيار العرض الذي يناسبه أكثر”.

وتابع: “لا يمكن أن ندخل في المزايدات بالوطنية والإنسانية، لأننا اليوم نحتاج للخروج من دغدغة المشاعر إلى تعميق النقاش في الأرقام المهولة للأطباء الذي يغادرون قطاع الصحة العمومية إلى القطاع الخاص أو خارج أرض الوطن”.

مبارايات الوزارة

يقول طالب الطب سعد، إن السبب الذي يجعل الطلبة لا يقدمون على إجراء مباريات وزارة الصحة واضح، “ويتجلى في كون شروط استقطاب وزارة الصحة غير كافية، وهذا ما يقع أيضا في مباريات التخصص”.

واعتبر أن الأطباء الذين يملكون إمكانية اختيار العقدة، أغلبيتهم يختارون التطوع “bénévole” بـ3500 درهم، لأنه مباشرة بعد حصوله على دبلوم التخصص تنتهي العقدة وينصرف للبحث عن العمل في الخاص أو خارج أرض الوطن، حسب قوله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *