ملف

“مملكة التناقضات .. المغرب في مائة سؤال”: هل المغرب بلد البحارة أم بلاد سكان الجبال؟ (ح 16)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 16: هل المغرب بلد البحارة أم بلاد سكان الجبال؟

اليونان بلد البحارة، ولا يزال واحدا من القوى البحرية الرائدة في العالم، كما أن الجزائر تاريخياً أرض سكان الجبال، على الرغم من أن الجزائر العاصمة التي توجد تقريبا خارج البلاد التي هي عاصمتها، ظلت خلال ثلاثة قرون معقلاً عثمانياً يحكم غرب البحر الأبيض المتوسط. كانت جزيرة كورسيكا أكثر توازنا وهي صاحبة البيئة الجبلية الغالبة ولكنها تمتع بمناخ متوسطي وأفرزت جالية كبيرة تعيش في كل أنحاء العالمً.

إن التاريخ يقدم شهادات متضاربة. كان قراصنة سلا، في العصر الحديث، يحملون لواء القرصنة المغربية في البحر الأبيض المتوسط وحتى شمال أوروبا. خلال عدة قرون، كان المغرب مرتبطًا هيكليًا بالأندلس الإسلامية، مما سمح لمدينة طنجة أن تصبح من أكبر موانئ ًا البحر الأبيض المتوسط في القرون الوسطى.

ولكن في وقت لاحق فقط، ردا على هجمة جيرانها وصعود التجارة العالمية، تم تجهيز البلاد بموانئ ذات حجم أكبر وأهمية متزايدة: أكادير في القرن السابع عشر، والصويرة-موكادور في القرن الثامن عشر، ثم الدار البيضاء في القرن التاسع عشر، والحسيمة والناظور على البحر الأبيض المتوسط في القرن العشرين، ثم ميناء طنجة المتوسط TANGER MED في القرن الحادي والعشرين. وقد حدث هذا التحول في وقت متأخر لأنه ولفترة طويلة، كانت تقريبا جميع الموانئ باستثناء سلا،تحت السيطرة الايبيرية أو الإنجليزية.

وحتى طنجة، وإلى حدود عام 1684، كان على التوالي إسبانية ثم برتغالية وإنجليزية. كانت مدينة سلا، في القرنين السابع عشر والثامن عشر هي النافذة الوحيدة للمغرب على العالم. وبالتدريج، استعاد السلاطين السيطرة على موانئهم، وبنوا موانئ جديدة، قبل أن يعيدها الاستعمار الأوروبي في نهاية القرن التاسع عشر إلى السيطرة الأجنبية. وشاءت الصدفة أن يكون ليوطي هو من قرر اختيار الدار البيضاء كأكبر ميناء في شمال أفريقيا. وعند استقلاله، استعاد المغرب السيطرة على موانئه، التي أصبحت مدناً رئيسيةً تركز معظم الأنشطة الصناعية في البلاد.

هذه الوظيفة البحرية عرفت الإحباط لفترة طويلة، بل وحتى المنع. إلى حدود القرن العشرين كانت البلاد جبلية وفلاحية، وساهم إغلاقها البحري في تكريس طابعها القارّي. في أيام مجدها شرعت سلطنة فاس مراراً في إرسال رحلات صحراوية إلى بلاد مالي أرض الذهب. كان معظم السكان (5 ملايين نسمة في بداية القرن العشرين) يتألفون من القبائل جبلية التي تمارس نشاطاً رعوياً. ومن بين 400 إلى 500 مجموعة قبلية في المغرب، كانت الأغلبية تتحرك في فصل الصيف نحو الجبال الوسطى أو المرتفعة وفي الشتاء نحو الوديان أو السهول والهضاب، اعتماداً على حاجيات قطعانها من المياه والمراعي.

وهكذا تطور قانون عرفي لتقنين كيفية اقتسام المراعي وينظم حياة وحركة الملايين من الناس و الحيوانات ويسعى إلى الحد من الصراعات بين القبائل . كان يعيش جزء ضئيل فقط من السكان في المدن والمناطق الساحلية. لم تكن هناك موانئ على الساحل المتوسطي وما يقارب ستة مدن ساحلية على المحيط الأطلسي في نهاية الفترة. وهكذا لم يتحول المغرب ذو الطالع الجبلي إلى بلاد منفتحة على البحار إلا في مؤخرا.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *