ملف

“مملكة التناقضات .. المغرب في مائة سؤال”: هل للمغرب موقع استراتيجي بين أوروبا وإفريقيا؟ (ح 20)

المغرب وأوروبا

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 20: هل للمغرب موقع استراتيجي بين أوروبا وإفريقيا؟

إن الوضع الذي يتمتع به المغرب أصلي واستراتيجي وهو ما جعله على مر العصور محل أطماع الغزاة والقوى العظمى. لقد بنى فيه الفينيقيون محطات استقرارهم الغربية ورأى القدماء في أعمدة هرقل (منطقة طنجة) نهاية العالم المعروف.

وكان القرطاجنيون، قبل الوندال والبيزنطيين والعرب، يعبرون المضيق الذي منحه المسلمون اسم جبل طارق، أما الأندلس (البلد الذي ترك له الوندال اسمهم) الإسلامية فقد لعبت خلال عدة قرون دور الطرف الثاني المقابل لمملكة فاس على الضفة الأخرى للمضيق وكانت هي قاعدتها الخلفية العسكرية والتجارية.

إن السلالات الإسلامية العظيمة التي غزت شمال إفريقيا في العصور الوسطى انطلقت من هناك. وفي وقت لاحق، احتفظت السلالة الأمازيغية من بني مرين بالسيطرة على جانبي المضيق. ثم جاء العثمانيون، الذين حاولوا بلا كلل لمدة ثلاثة قرون – ولكن دون جدوى – الاستيلاء على المغرب للسيطرة على مدخل البحر الأبيض المتوسط. قام سلطان اسطنبول، الذي فشل في ذلك، أشار في خريطة إمبراطوريّته العثمانية في قصره توبكابي إلى أنه مقاطعة تابعة للحكم العثمان.

في العصر الحديث تنافس البرتغاليون والإسبان والإنجليز من أجل السيطرة على مدن المضيق. استقر الإسبان بشكل دائم في جنوبه على الشاطئ المغربي، في حين أن البريطانيين، الذين طُردوا من طنجة، استولوا على جبل طارق على الجانب الإسباني، الذي يسيطرون عليه حتى يومنا هذا، ذلك أن الوصول إلى طريق الهند عبر البحر الأبيض المتوسط أمر غير قابل للتفاوض بالنسبة لهذه القوى الاستعمارية، كما أن إمكانية الوصول إلى خلفية النفوذ الفرنسي في البحر الأبيض المتوسط أو جنوب روسيا أو موانئ بلاد الشام العثمانية هي كلها امتيازات غير قابلة للتفاوض.

إن مضيق جبل طارق هو مفتاح البحر الأبيض المتوسط بأكمله، ومنه نحو البحر الأسود والبحر الأحمر. ومع ذلك، فإن المغاربة، منذ السلطان مولاي إسماعيل، سيطروا بكل حزم على مدينة طنجة، وحصنوها لأنها نقطة الاتصال مع العالم ومع الأوروبيين.

لقد اهتمت فرنسا بالمغرب في وقت متأخر. لكن المنافسة كانت شرسة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مع كل من إنجلترا وألمانيا وإسبانيا.

هذه القوى تم تحييدها، بحيث تم استعمار المغرب في وقت متأخر. حاول الإسبان عبثاً الاستيلاء على تطوان في عام 1860. في عام 1906، قرر مؤتمر دولي عقد في مدينة الجزيرة الخضراء بحضور جميع القوى، بما في ذلك الولايات المتحدة، إرساء النظام الاقتصادي الـمنفتح (وهو ما يعني رفض الاستعمار الحصري)، وأذن لفرنسا بتأكيد مصالحها.

وبعد ست سنوات، خضع المغرب للحماية الفرنسية وسلمت فرنسا إلى إسبانيا شمال المغرب بما في ذلك منطقة الريف. لم يتخفف الضغط أبدا: لقد كان فرانكو وهتلر وموسوليني، وستالين، ثم الحلفاء الأنجلوسكسونيون، مهتمين بالمغرب وخاصة بمضيق جبل طارق.

أعلن المجاهد عبد الكريم الخطابي جمهورية الريف وجاء المارشال بيتان Pétain للقتال من أجل نصرة فرنسا. ثم استخدم فرانكو المغرب كقاعدة انطلاق من أجل غزو إسبانيا. وفي نهاية المطاف، خدمت مدينة طنجة الدولية مصالح الأمريكيين في فترة الحرب.

لقد أقامت هؤلاء في المغرب قواعد عسكرية جوية (النواصر والدار البيضاء) وبحرية (بورت ليوطي، وهو مدينة القنيطرة حاليا) وخلال الحرب الباردة أنشأ الأمريكيون قواعد بحرية للتنصت على خصومهم.

لا أحد ينزعج من هذا الحليف المتميز (ما عدا الجزائر وإيران) وقد ربح المغرب في المقابل أكبر حجم من المساعدات الأمريكية التنموية في البحر الأبيض المتوسط كمكافأة على هذا الإيجار الاستراتيجي.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *