مجتمع

المجلس الاقتصادي: منظومة الصحة لا تستجيب لانتظارات المواطن.. ويقترح وكالات صحية مستقلة

وزير الصحة خالد أيت الطالب مدير مستشفى سانية الرمل

اعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن المنظومة الصحية بالمغرب لا تسمح بالاستجابة لانتظارات المواطن، وتتسم بهيمنة الطب العلاجي على حساب الطب الوقائي، خلافا للتوصيات الدولية في هذا المجال، مشيرا إلى أنها تعاني من مشاكل بنيوية تتسبب في شعور كبير بعدم الرضا لدى المواطنات والمواطنين.

وقال المجلس إن منظومة الصحة المغربية تعرف صعوبة في الولوج إلى العلاجات، وخدمات صحية دون الحاجيات والانتظارات، مسجلا ارتفاع النفقات الصحية الواقعة على عاتق الأسر بـ%50.7، مع النقص الحاد في الموارد البشرية المؤهلة، ما يؤثر سلبا على جودة الخدمات الصحية.

جاء ذلك ضمن دراسة من 131 صفحة، أعدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وصادقت عليها الجمعية العامة للمجلس بتاريخ 22 أكتوبر 2020، بعدما توصل المجلس بإحالة من رئيس مجلس النواب من أجل إعداد دراسة “الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا والسبل الممكنة لتجاوزها”.

مظاهر الاختلالات

وأشارت الدراسة إلى أن العجر الحاصل في الموارد البشرية الصحية يصل إلى 96 ألف منهي، منهم 32 ألف طبيب و64 ألف من الأطر شبه الطبية، حسب تقدير وزير الصحة، كما سجلت الدراسة ذاتها، ضعف تجهيز المؤسسات الطبية العمومية، وارتفاع كلفة العلاج بالمؤسسات الخاصة.

وبخصوص قطاع الأدوية، كشف المجلس أن كلفة الأدوية مرتفعة مقاربة مع القدرة الشرائية للطبقات الوسطى والمعوزة، مسجلا توزيعا غير عادل للموارد البشرية والمادية لقطاع الصحة على مستوى التراب الوطني، وفق الدراسة ذاتها.

وقد كشفت الجائحة جملة من نقاط الضعف البنوية في قطاع الصحة، يضيف مجلس الشامي، تتجلى أساسا في النقص الحاصل في العلاجات الصحية، والهشاشة الاقتصادية والاجتماعية لشريحة كبيرة من الساكنة، ونقص وسائل الكشف والمختبرات الفعالة في جميع أنحاء التراب الوطني.

وسجلت الدراسة عجز المنظومة الصحية على المستوى الجهوي، وعدم قدرة العديد من الجهات على التكفل بمرضى كوفيد 19، لافتة إلى ضعف الجهود المبذولة لرفع مستوى الوعي وتحسيس الساكنة بالمسؤولية، خاصة في صفوف الفئات الاجتماعية المحرومة.

وأشارت إلى غياب إدماج تدبير المخاطر الصحية المرتبطة بالكوارث الطبيعية والأزمات الصحية، في السياسات العمومية، مع غياب ملحوظ لمخطط استئناف النشاط الذي يمكن أن يضمن استمرارية وصمودا جيدا للمنظومة الصحية في وقت الأزمة.

ويرى المجلس في دراسته، أن أزمة كورونا كشفت بالملموس غياب سياسة البحث والتطوير في قطاع الصحة، مرجعة سبب ذلك إلى عاملين بنيويين رئيسيين، هما عدم اضطلاع الجامعة بالانخراط الكافي بدورها في البحث العلمي، وعدم وجود بيئة تشجع على استثمار القطاع الخاص في البحث العلمي الطبي.

وكالات جهوية مستقلة 

وفي هذا الصدد، قدم المجلس الاقتصادي 23 توصية للنهوض بقطاع الصحة على مختلف الأصعدة، مشددا على ضرورة التحول من منظومة للعلاجات إلى منظومة صحية، عبر التوفر على رؤية شمولية للقطاع، وتنفيذ ورش الإصلاح طبقا للإرادة السياسية الثابتة للدولة، بغاية ضمان الحقوق الاجتماعية للساكنة وحصولهم على علاجات ذات جودة في جميع أنحاء التراب الوطني.

وأوصى المجلس بإحداث وكالات جهوية للصحة، بوصفها هيئات عمومية مستقلة تحت وصاية وزارة الصحة، وتتمثل مهامها الرئيسية في توجيه السياسة الجهوية في المجال الصحي، من خلال تنظيم عرض العلاجات، وتنفيذ الإجراءات الوقائية، وتفعيل اليقظة الصحية، وتدبير الأزمات الصحية.

ودعا إلى تخويل هذه الوكالات الجهوية للصحة والمؤسسات الاستشفائية، استقلالية حقيقية للتدبير على الصعيد الطبي والإداري والمالي والبشري، مع الحرص أولا على تعزيز قدراتها في مجال التدبير.

كما أوصى المجلس بإعادة النظر في تنظيم وزارة الصحة من خلال العمل، من جهة، على إعادة تركيز المركزية للوزارة على المهام الاستراتيجية المتعلقة بتقنين قطاع الصحة واليقظة الصحية والتنسيق المشترك بين القطاعات ووضع المعايير، ومن جهة نقل واسع للصلاحيات لفائدة المصالح الصحية الجهوية والمؤسسات الاستشفائية.

واقترح المجلس تبسيط المساطر الإدارية والمالية الخاصة بقطاع الصحة، وترسيخ مبدأ الشفافية في جميع العمليات الإدارية والمالية التي تقوم بها المصالح اللاممركزة، إلى جانب وضع نظام شامل وتشاركي وشفاف للتقييم الدائم للأداء المنظومة الصحية، مع قياس درجة رضا الساكنة.

تمويل الصحة

وبخصوص تمويل القطاع، شددت الدراسة على أن إصلاح المنظومة الصحية يستلزم اعتماع آليات مبتكرة للتمويل، معتبرا أن تطوير منظومة الصحة، لا سيما في فترة الأزمة الصحية الحادة، يقتضي تنويع آليات تمويل القطاع الصحي.

وقالت الدراسة إن هذا التنويع يتم من خلال اعتماد رسوم على بعض المنتجات مثل التبغ والمشروبات الكحولية، والخدمات المتعلقة بالاتصالات، وأصناف معينة من المعاملات المالية، مقترحا تأمين التأطير القانوني وتشجيع المؤسسات الاستشفائية العامة والخاصة على اقتناء المعدات الطبية عن طريق الإيجار.

وأشارت الدراسة إلى أن الأمر يتعلق أيضا بتوسيع عملية “عقد التفويت وإعادة التأجير” التي أطلقتها الدولة في 2020، لتشمل مؤسسات استشفائية عمومية جديدة، مع توجيه جزء من المداخيل المرتقب تحصيلها لتمويل منظومة العلاجات والاستثمار في قطاع الصحة.

ودعا المجلس إلى وضع مخطط وطني، تتم بلورته في إطار روح من التشاور وبمشاركة الفاعلين المؤسساتيين والفاعلين المعنيين في القطاع الصحي، من أجل النهوض، كما وكيفا، بالموارد البشرية اللازمة لضمان حسن سير المنظومة الصحية.

يُشار إلى أن هذه الدراسة التي أعدها المجلس الاقتصادي، تسعى إلى “تزويد بلادنا برؤية من شأنها أن تمكنها من التخفيف ما أكمن من آثار هذه الأزمة وكذا الانتقال إلى تنزيل النموذج التنموي الجديد الذي تطمح إليه”.

الدراسة التي اطلعت عليها جريدة “العمق”، قدم خلالها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، 149 توصية لتجاوز أزمة “كورونا” بالمغرب، وذلك ضمن 7 محاور رئيسية تهدف إلى تعزيز قدرة بالمملكة على استباق التحولات والتكيف معها بكل مرونة.

وترى الدراسة أن هذه الأزمة تشكل فرصة حقيقية لإجراء تغيير جذري في العقليات وأنماط التفكير والتنظيم والتدبير والإنتاج والاستهلاك السائدة في المغرب، مشددا على أن هذا التحول يقتضي القيام بإصلاحات هيكلية عميقة كفيلة بالمساهمة في توفير الشروط الملائمة لتنزيل النموذج التنموي الجديد، الجاري إعداده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *