وجهة نظر

الفكر الحركي من رد الفعل إلى اللافعل

رغم السنوات الطويلة للحركة الإسلامية في الدعوة، فلازال العمل متعثرا ويعاني من ثنائية القديم والجديد في قيادته، والاجتهاد والتقليد في أفكاره، ومن الجمود والإبداع في مناهجه، قد يتبادر إلى ذهن بعض القراء الأعزاء سبب اهتمامي بهذا الموضوع، فكلما فتحت ذاكرتي وقمت بمراجعة مساري الفكري ورؤية العمل الحركي تاريخيا، أجد نفسي وكأني أعيش نفس التاريخ، لذلك لابد من مراجعة حقيقية لعمل الحركة الإسلامية، فعامل الزمن والمكان يخضع للتغيير، فجيل بدية العمل الحركي ليس هو جيل الوسط وهذا الأخير ليس هو جيل النهاية، ولا أحسب نفسي كاتبا أو ناقدا متخصصا، ولكني طالب علم يبحث ويساهم في النقاش من أجل الاستفادة وخدمة الأمة بما هو صالح يدفع عجلة التغيير للخير السير نحو الأمام.

ففي المقال السابق تكلمت عن الفكر الحركي بين ثقافة الوعي الجمعي وضرورة الوعي النقدي، وفي هذا المقال سوف أتكلم إن شاء الله عن الفكر الحركي من رد الفعل إلى اللاّفعل، فكلم فتحت مبحثا معينا في هذا الموضوع أجد نفسي أطل على مباحث أخرى، وكأن موضوع الحركة الإسلامية سلسلة غير منتهية، والدليل على ذلك اهتمام العديد من المفكرين والباحثين بهذا الموضوع، فمن يدخل للمكتبات سيجد العديد من الكتب والمؤلفات، وبمجرد كتابتك (الحركة الإسلامية) على شبكة الانترنيت وضغطك على زر البحث سيظهر لك العديد من الكتب، والمقالات، والمحاضرات، والندوات، وكل عملية بحث تجرك إلى بحث أخر، ولهذا أعتقد أن موضوع الحركة الإسلامية يستحق الاهتمام، إضافة إلى أولويته في الظروف الراهنة.

فهاته المقالات ستكون بحول الله مشروع كتابي الثاني، لكن هذه المرة سوف أخصصها لموضوع الحركة الإسلامية، سائلا من الله عز وجل الإخلاص في القول والعمل، والتوفيق والسداد.

الفكر الحركي ومنطق رد الفعل:

لا أريد في هذا المحور أن أقوم بسرد السيرورة التاريخية لظهور الحركة الإسلامية، ولكن أكتفي بذكر دواعي الظهور، فتاريخيا نعلم أن الفترة التي ظهرت فيها مرتبطة بوجود الاستعمار، فهي كباقي التنظيمات اليسارية الأخرى جاءت من أجل المقاومة، إذن الفكر الحركي ظهر في كنف الحداثة ولا شك أنه سيكون متأثرا بها، فالحركة الإسلامية وليدة هذا العالم الجديد الذي تعتبر الحداثة والعلمنة إحدى مزاياه، وكان لابد أن يحمل الفكر الحركي ملامح عالم جديد يتشكل بصبغة إسلامية جديدة تؤطر الحياة الإنسانة، وارتبط بهذه الأحداث ظهور مجموعة من الأعلام كإطار فكري يضع خارطة الطريق من أجل المقاومة، وممن كان لهم الدور الأساس في وضع الأرضية الفكرية التي تعتمدها التنظيمات المعاصرة الأعلام التالية:

ـ جمال الدين الأفغاني
ـ محمد عبده
ـ محمد رشيد رضا

وسوف أتحدث عن هؤلاء الثلاثة باعتبارهم أقطاب الفكر الحركي بشكل مختصر، لأن المقال لا يسمح بكثرة الشرح والتفصيل، إضافة إلى أن أغلبية الباحثين تكلموا عن مناهجهم الفكرية والدعوية، وأفردوا لهم مؤلفات خاصة بهم.

جمال الدين الأفغاني 1839م:

ولد جمال الدين الأفغاني سنة (1839م) وتوفي سنة (1897م)، كان رجلا جمع بين القول والعمل له فكر ثاقب، لم يعطل ملكة الاجتهاد، ولم يكن مقلدا لمن سبقه من الدعاة في مناهجهم، عجز من جاء بعده أن يتجاوزه في الفكر والتنظير، جمع شتات العالم الإسلامي في شخصيته، ويتفق الجميع على أن جمال الدين فصل من فصول الحركة الإسلامية المعاصرة، ومصدر من مصادر الفكر الحركي التجديدي، يضعه حسين أحمد أمين ضمن (المائة الأعظم في تاريخ الإسلام).

وقد أطّر الأفغاني بفكره جيلا كاملا من المسلمين، حيث كان له تأثير وسع عبر مجلة “العروة الوثقى”، فكان بذلك قد ساهم في بناء قواعد مدرسته الفكرية، ومن مقاصدها:

ـ مقاومة الاستعمار
ـ استعادة مجد الأمة
ـ إرساء أسس الشورى وإصلاح الحكم
ـ الإصلاح والتجديد الديني

وهي نفس المقاصد التي تهدف إليها الحركات الإسلامية المعاصرة.

يقول الدكتور محمد عمارة: (فمن الأمور الشهيرة في تاريخ الرجل أن سنوات حياته (1871ـ 1879م)، كانت أخصب سنوات عمره النضالي، وفيها قدّم أثمن ما جادت به شخصيته من عطاء، سواء في الفكر أو في العمل السياسي، أو في صنع الرجال، وبناء التنظيمات…)1

فما دمت قد ذكرت هذه الخلاصة المركز عنه، فأجد من الواجب أن أشير إلى بعض من ألفوا عن فكر هذا الرجل، من المادحين له والناقدين له، حتى أحفز بعض من يجهلون فكره، وإليكم بعض الكتب:

ـ جمال الدين الأفغاني ذكريات وأحاديث لعبد القادر المغربي.
ـ جمال الدين الأفغاني بين دارسيه لعلي شلش.
ـ حقيقة جمال الدين الأفغاني لعبد النعيم حسنين.
ـ جمال الدين المفترى عليه للدكتور محمد عمارة.
ـ دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام لمصطفى غزال.

فرحم الله جمال الدين الأفغاني، فقد كان رجلا لا ككل الرجال، ساهم في إيقاظ الأمة الإسلامية وتتلمذ عليه دعاة ومفكرين إصلاحيين، ويعد محمد عبده من أهم تلمذته النجباء، فبماذا يتميز تلميذه وما هي إضافته للفكر الحركي ؟

محمد عبده 1849م:

نشأ محمد عبده بإحدى القرى المصرية (محلة نصر)، حفظ القرآن الكريم وهو في سن مبكر كما تلقى العلم الشرعي على يد شيوخه آنذاك، لكنه لم يستسلم للطريقة التقليدية في تلقيه للمعارف والعلم، فقد كان لأستاذه جمال الدين الأفغاني بصمة كبيرة في تكوينه الحركي، فعندما التقى به وضعا معا أسس الإصلاح الديني في العالم الإسلامي، ومن أهم مقاصدهم الحركية يقظة العالم الإسلامي ومواجهة الحركات الاستعمارية، ومحاربة كل أنواع العبودية والخرافات، والدعوة إلى التجديد الديني وتوجيه عقل المسلم نحوى إعادة تشكيله.

فمحمد عبده لم يكن ذلك التلميذ النجيب لجمال الدين الأفغاني، فقد اجتهد وساهم في تطوير المدرسة الفكرية الأفغانية، وساهم في عملية البناء التنظيمي للحركة الإسلامية.

الفكر المقاصدي عند محمد عبده:

فإذا كان شيخه فيلسوفا ويحمل لغزا يحير كل الباحثين، فإن محمد عبده امتاز بتفرده الاجتهادي، وسجلت له بعض الاجتهادات الفقهية وأهمها:

ـ قوله بعدم جواز تعدد الزوجات وتعليله في ذلك استحالة العدل المطلق.
ـ فتواه في حل إيداع الأموال في صندوق التوفير وأخذ الفائدة عليها.
ـ موقفه من الرسم والنحت وكل مظاهر الحضارة الغربية، فقد قال بجواز الأخذ منها.

إلى غير ذلك من الاجتهادات الفقهية، ولست هنا بصدد نقاش فتاواه من أجل الدفاع عنها أو رفضها، ولكن الفكرة الأساسية عندي هي كيف استطاع هذا المجتهد أن يتجاوز شيخه في الدعوة، فلم يجمد على اجتهاداته والانصياع له وإن وبّخه، فقد قال له: ( كن فيلسوفا يرى العالم ألعوبة ولا تكن صبيا هلوعا) ، ولنا أن نأخذ العبر والعظات من ذلك عندما نتكلم عن الفكر الحركي المعاصر، فبعض التيارات الحركية المعاصرة تدعوا قواعدها إلى الجمود الفكري وقتل روح الاجتهاد والإبداع في روح شبابها تحت ذريعة سد باب الاجتهاد.

محمد عبده وأولويات التربية والتعليم:

ويعتبر محمد عبده أن مجال التربية والتعليم مدخلا من مداخل الإصلاح والتغيير في العالم الإسلامي، يقول رحمه الله: (… إذا استقرينا أحوال المسلمين، للبحث عن أسباب الخذلان، لا نجد إلا سببا واحدا، وهو القصور في التعليم الديني، إما بإهماله جملة- كما في بعض البلاد – وإما بالسلوك إليه من غير طرقه القويمة، كما في بعض آخر.)2 ، وحتى إن وجدنا من يهتم بالتعليم الديني، فتجدهم يصبون اهتمامهم عن فقه الطهارة والنجاسة، وهل تجوز الصلاة فوق الثلج؟ وهل صوت المرأة عورة؟ وهذا ضرب من التخلف الفكري، والأمة الإسلامية تحتاج إلى تجديد حقيقي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أثر عنه رحمه الله أنه قال: (إن مطلوبكم المحبوب هو العلم، كان العلم فيكم وكان الحق معه، وكان الحق فيكم وكان المجد معه).

فمع كامل الأسف نجد الحركات الإسلامية تغيب فاعليتها في اقتراح المشاريع التربوية والتعليمة التي تمكّن الأمة من تحقيق النهضة الحضارية ومنافسة المشروع الغربي.

محمد رشيد رضا 1865م:

محمد رشيد رضا من المصلحين العرب الذين حملوا هم الأمة ودافعوا عن قضاياها، وهو أحد تلاميذ محمد عبده، حمل راية الإصلاح والتجديد بعد شيخه، ولد سنة 1865م (القلمون) بلبنان، كان مفكرا بارعا، وصحفيا متميزا، وخطيبا بليغا، ومفسرا نابغا، وسياسيا محنكا، ومربيا متواضعا، فلاشك أن شخصية جمعت كل هذه المواصفات تكون قد تركت بصمة في تاريخ الفكر الحركي، فماذا يميزه عن الذين سبقوه من رواد الفكر الحركي؟

معالم الفكر الحركي لمحمد رشيد رضا في سطور:

ـ ربطه بين التصورات النظرية للإسلام والواقع، ومحاولته لفهم الواقع من خلال استعمال الفكر المقاصدي، وأعانه في ذلك مخالطته لعلماء وفلاسفة كثر، وللمزيد من التوسع في هذا المحور يرجى الإطلاع على كتابه (الوحي المحمدي).

ـ التزامه بمصادر التراث الإسلامي، وحرصه على أخذ الأقوال الصحيحة ووقوفه عند النص القطعي الدلالة والثبوت الذي لا يحتمل التأويل أو الاجتهاد.

ـ دعوته إلى ضرورة تشكيل الوعي الجمعي للأمة الإسلامية، ورد الاعتبار لمفهوم الإجماع وذلك بتصحيح العقائد الفاسدة، واستماتته في الدفاع عن الإسلام قولا وفعلا.

ـ شمولية اهتمامه بقضايا الأمة، فلم يمنعه الانتماء القطري من الاهتمام بكل مشاكل الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

ـ اختلافه عن القادة الإصلاحيين الذين يمجدون الماضي ويقفون عنده دون ضرورة الإبداع في مجال الدعوة الإسلامية، فطرق كل الأبواب، وعبر كل الطرق، من أجل نقل الرسالة، ونلمس هذا في اهتمامه بالخطابة والصحافة (مجلة المنار)، واعتكافه على كتاب الله فأخرج لنا (تفسير المنار)، فكان محمد رشيد رضا منارة للإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان.

محمد رشيد رضا نقطة البداية والنهاية بين مرحلتين في الفكر الحركي:

يمثل محمد رشيد رضا آخر حلقة فكرية لمدرسة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وبداية التنظيمات الحركية، فمنه نهلت جماعة الإخوان المسلمين بقيادة حسن البنا، يقول الدكتور زكي بدوي: (إذا كان الأفغاني ملهم المدرسة التجديدية السلفية ومحمد عبده هو العقل المفكر لها، فإن رشيد رضا هو المتحدث باسمها..)، فمرحلة رشيد رضا تعتبر بداية ما يصطلح عليه بالفكر الإسلامي الحديث أو المعاصر، وتبدأ تحديدا مع نهاية الخلافة العثمانية سنة 1924، فمن خلال هذه الرؤية الفكرية التاريخية يمكن لنا أن نعرف الجذور التاريخية للفكر الحركي الممتد عبر التاريخ، فبجريدته المنار وتفسيره المسمى بالمنار سهل الطريق للحركة الإسلامية العالمية، ومهد السبيل للزعامة الإصلاحية عبر العالم.

ومما ينبغي التنبيه إليه أن رشيد رضا يفصل بين تيارين فكرين، وهما الفكر الحركي المعاصر والفكر التقليدي السلفي، ويرى الدكتور رضوان السيد بأن: (السيد محمد رشيد رضا من الإصلاحيين الذين انحازوا للسلفية في النصف الثاني من العقد الثاني من هذا القرن(20). وقتها اكتشف ابن تيمية ثم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وانصرف للعناية بالسنة والرجوع إليها في اجتهاداته الفقهية)3.
استنتاجات :

ـ من خلال تتبعي البسيط لأقطاب الفكر الحركي، يتضح لي أن بداية العمل الحركي جاءت نتيجة رد فعل لظهور الحركات الاستعمارية في العالم الإسلامي، وكان تواجد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا، كرد فعل لمواجهة القوى الاستعمارية ومقاومته، وإعادة إحياء الأمة الإسلامية من جديد.

ـ يلاحظ من خلال تتبع تجاربهم السابقة، التباين المعرفي، والاختلاف المنهجي، في التعامل مع قضاياهم المعاصرة، فلم يخضع كل واحد منهم إلى منطق التقديس الفكري والتقليد التنظيمي، فالسيرورة الحركية تأخذ سلسلة منتظمة، مرحلة التأسيس والبناء ثم مرحلة فصل فيها محمد رشيد رضا بين ثنائية القديم والجديد وتسمى بمرحلة الفكر الإسلامي المعاصر أو الحديث.
ـ هؤلاء الثلاثة بمثابة المراجع الفكرية للحركة الإسلامية المعاصرة، فلم تستطيع تجاوز اجتهاداتهم.

الفكر الحركي المعاصر ومنطق اللاّفعل:

غالبا عندما نتكلم عن الحركة الإسلامية نقصد بها تنظيم الإخوان المسلمين بمصر، باتفاق جل الباحثين المهتمين بالفكر الحركي، فمنذ سنة 1928 أصبحت جماعة الإخوان المسلمين ظاهرة عالمية، فقد ذكرت بعض المركز البحثية أن الجماعة تشمل 84 تنظيما تابعا لها، في 18 دولة عربية وإسلامية، فمن هنا تناسلت الحركات الإسلامية واختلفت في المناهج والمقاصد، فبدل العمل على تشكيل الوعي الجمعي، ساهمت في تكريس الفرقة والتضاد، فكل جماعة بما لديهم فرحون، فإن كانت جماعة الإخوان المسلمين كاستجابة للواقع المصري الذي يعج برياح التغريب والتخلف الاجتماعي، كما ذهب إلى ذلك الدكتور عبد العظيم رمضان، فإن الأمر قد يختلف عن باقي الأقطار العربية والإسلامية الأخرى، لأن إشكالية الإسقاطات التنظيمية من بين المشاكل التي يعاني منها الفكر الحركي المعاصر، فواقع المجتمع المصري ليس هو واقع المجتمع المغربي أو الهندي، أو التونسي…

لهذا نجد بعض رواد الحركة الإسلامية بالمغرب، يتكلمون بفكر سيد قطب الذي ولد في المجتمع المصري، الذي يختلف عن المجتمع المغربي في سياسته، وعاداته، وتقاليده، وأعرافه، حتى أن بعضهم يقول إن لم تقرأ كتابه (معالم في الطريق) فقدت المعالم ولا تعتبر حركيا، فإني لا أنقّص من أهمية سيد قطب، ولكن لابد من فقه الواقع المحلي ومحاولة إصلاح ما فسد فيه، بعيدا عن الإسقاط في النوازل، فلابد من فقه الواقع فإذا أغفل الإنسان واقعه وأعمى بصيرته قلّد غيره في كل شيء، وهذا هو الحاصل مع كامل الأسف في التجربة الحركية المغربية وغيرها من دول العالم العربي والإسلامي، فالتيار السلفي يقلد التجربة الوهابية ويجعلها النموذج الصحيح الذي يملك الحق، والتيارات الحركية الأخرى تجعل من تجربة الإخوان المسلمون خير مثال فيعملون على تقليدهم في مناهجهم، يقول الأستاذ عمر عبيد حسنه: (إن دراسة المجتمعات، وفهم واقعها، وتاريخها وثقافتها ومعادلاتها الاجتماعية، هو الذي يوضح لنا كيفيات وآليات التعامل معها، ومواصفات خطابها، والفقه الذي يمكننا من التدرج في الأخذ بيدها إلى تقويم سلوكها بشرع الله).

وما يمكن ملاحظته اليوم عن الواقع الحركي هو غياب الفعل الحقيقي للحركة الإسلامية، فهي إما تقليد للتجارب السابقة والمجاورة أو صراع وتضاد فيما بين أفرادها، فعندما غابت دوافع الوجود عطّل التجديد في المناهج والوسائل، ولك أخي القارئ أن تأخذ أي تنظيم حركي وتعمل على دراسته فلاشك أنك ستخلص لفكرة أساسية وهي، أن أي تنظيم حركي لا يتحرك إلا برد الفعل أو عندما يتعرض للاستفزاز من طرف الآخر، بمعني أن مشروع الرسالية لا يحضر عند بعض الحركيين، فالمنطق الدعوي عند رسول الله وأصحابه حاضر لا يخضع لمنطق الاستفزاز، فهم مؤمنون باستمرارية الاجتهاد والتجديد في الدعوة بعيدا عن التفسيف والتكفير.

والفكر الحركي المعاصر في زمن العولمة يبقى متخلفا عن المقاصد الدعوية الحقيقية، فعند البعض أصبح التنظيم صنم يعبد، بمعنى التحزب والتمذهب، والأصل هو ممارسة الدعوة الإسلامية وليس الدعوة الحركية، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندما يكلمون الناس عن الدين لا يدعونهم لحزب أو حركة معينة، بل يربطونهم بالله عز وجل وتعليمهم الفاعلية والصلاح في المجتمع، وإلى هنا أكتفي بالإشارة إلى بعض الكتب المفيدة في هذا الباب، لعلي أفتح شهيتك أخي القارئ المتعطش للمعرفة:

ـ كتاب الفطرية بعثة التجديد المقبلة من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام، للشيخ فريد الأنصاري.
ـ كتاب البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي، للشيخ فريد الأنصاري.

ويبدو أن اجتهاد الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله، نابع من التمعن الحقيقي لفهم النصوص الشرعية ودراستها بشكل أصولي مقاصدي، وقدم لنا رؤية جديدة لمفهوم العمل الحركي، وهي العودة به إلى فطريته كآلية لبعثة التجديد المقبلة، وأن نتجاوز مخلفات الفكر الحركي المعاصر بتنظيماته المعقدة التي تحاكي التجارب العلمانية كما سمى ذلك الشيخ رحمه الله، يقول: (… بما جعل بعض الحركات تتحول من مشروع ديني تجديدي، إلى مجرد مشروع مدني لا يرتبط بالدين إلا قليلا)4

ويبقى مشروع الفطرية الذي تكلم عنه الشيخ رحمه الله اجتهادا نحتاج إليه لبناء الأمة الفاعلة في زمن هيمنة الحضارة الغربية الكالحة والكاسحة المدمرة للهوية الإسلامية.

وفي انتظار مقالي الجديد تقبلوا مني معشر الأحباب أسمى معاني الاحترام والتقدير، وأسأل الله التوفيق والسداد والخير والرشاد للأمة المسلمة وأن يعيش العالم في ود وسلام.
ـــــــــــ

الهوامــــــــش :
1 ـ : كتاب جمال الدين الأفغاني موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام، الدكتور محمد عمارة ص 27، دار الشروق الطبعة الثانية.
2 ـ انظر الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالغرب لمحمد البهي.
3 ـ كتاب سياسات الإسلام المعاصر: مرجعات ومتابعات ص 42.
4 ـ كتاب الفطرية للشيخ فريد الأنصاري ص 32.