وجهة نظر

هل المهاجرون المسلمون عالة على الغرب؟‎

لا يملك اليمين المتشدد في أوروبا و الولايات المتحدة خطابا ذا جدوى سياسية أو إعلامية يقدمه للمواطنين لكسب تعاطفهم، مع مايروج له من ايديولوجيا مضادة للتعايش و الانفتاح غير خطاب الكراهية و العداء للمسلمين واعتبارهم خطرا داهما على منظومة القيم الغربية في شقها الديني و جانبها الثقافي، مع العلم ان المسألة تختلف من دولة إلى أخرى بفعل عوامل متعددة و تراكمات تاريخية، و لكن في العموم بقي المواطن الغربي متحفظا و معرضا عن افكار اليمين المتطرف لخطورتها. و هذا يبين الصعوبة التي يجدها اليمين المتشدد في اختراق المجتمع و الفوز بأي انتخابات تسمح له بإنزال أفكاره الى الواقع و تطبيق سياساته التي تتمحور حسب اعتقاداته في حماية المجتمعات الغربية و الدفاع عن القيم المسيحية من الاندثار، و محاولة تقوية العرق الأبيض امام المخاطر التي تتربص به و بالضبط زيادة عدد السكان الملونين و خاصة المسلمين منهم في المجتمعات”البيضاء”.

يبقى المشكل أن المنظرين الكبار لليمين المتطرف حول العالم لم يقدموا أطروحات علمية قوية تقنع المجتمعات بان المهاجرين المسلمين يشكلون مشكلة للغرب، باستثناء كلام عام يحاول به مروجوه ضغضغة العواطف الدينية و العربية و بالتالي فهو لا يغني و لا يسمن من جوع في مجتمعات تؤمن إيمانا قاطعا بالعلم و أدواته ، و تستند إلى حججه في كل صغيرة و كبيرة ،ومن الأمثلة على الديماغوجية التي يتم الترويج لها كتاب الفه أحد كبار زعماء الحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني يتلو سرازين تحت عنوان” ألمانيا تلغي نفسها” ،و مما كتب فيه” الفجوة بين النظام التعليمي في الدول ذات الغالبية المسلمة و الألمان متجدر بالخلافات الجينية” أو ما أطلق عليه”العيوب العقلية”واستنتج الكاتب أن المهاجرين يمثلون تهديدا للاقتصاد الألماني من خلال تخفيضهم مستوى التعليم”. الكتاب صنف طبعا في خانة الكتب الاكثر مبيعا بمعنى أن من قرؤوه يقدرون بالملايين.و هذه المسألة أي الخلافات الجينية يتم الترويج لها بقوة لدرجة ان اليمين المتطرف يشكك في كل الإنجازات التي خلفها الملونين سواء كانوا مسلمين أو غير دلك للإنسانية في كل المجالات سواء ثقافية او علمية او فنية….الخ ولتفنيد هذه المزاعم لا يحتاج أي باحث للكثير، فمثلا ان مكتشف أحد لقاحات كورونا هو التركي شاهين و زوجته قادمين من مجتمع يشكو من”العيوب العقلية” حسب الكاتب!!! خطاب الكراهية لن يوقف التحول التي تعرفه المجتمعات الأوروبية فعدد المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي لوحدها يفوق16مليون نسمة، بمعنى أنهم كثلة ناخبة قوية بإمكانها أن تحدث تغييرات في الخريطة السياسية لدول الإقامة إذا اندمجت بشكل إيجابي و ساهمت في ترسيخ القيم السليمة داخل المجتمعات الغربية مع الحفاظ على الهوية في دول ترسخ التعددية الثقافية و الفكرية.بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فالأمر يختلف نسبيا حيث تعيش الدولة تحت ظل القطبية الحزبية المتوازنة و تقوية الجناح التقدمي داخل الحزب الديمقراطي ساهم في تقوية الحضور السياسي النسبي للمهاجرين بفعل نجاحهم العلمي و الاقتصادي ،فمثلا في ولاية كميشغان التي يشكل المسلمون حوالي 3% من سكانها العشرة الملايين ،15%من أطباءها مسلمين إما مهاجرين او ابناء مهاجرين،و تشغل المشاريع التي يملكها مسلمون كليا او جزئيا حوالي 600 الف عامل حسب مركز pew الأمريكي،و هذا الأمر ينطبق الى حد كبير على عدد من الولايات الأخرى.

مشكلة المسلمين في الدول الغربية ليست هي النجاح الاقتصادي و الاجتماعي فهذا قد تم تحقيقه بشكل جلي لكن المشكلة هي التسويق الإعلامي ،و عدم انخراطهم بطريقة ناجعة في المؤسسات الإعلامية الكبرى التي تساهم في صناعة الرأي العام و لهم من الإمكانيات البشرية و المادية ما يؤهلهم لدلك، لكن التشتت و التركيز على القضايا الهاشمية و الانغلاق و الاعتزال السياسي وغيرها كلها عوامل أعطت لليمين المتطرف الذي لا يعبر عن رأي الأغلبية في المجتمعات الغربية مساحة للتوسع تسويق الكراهية و محاولة ربط المسلمين في المهجر بالمشاكل التي تعاني منها الدول العربية و المسلمة و هذه الصورة المخدوشة تضع المسلمين دائما في موقف الدفاع عن النفس عوض تحقيق المنجزات كمكون من مكونات المجتمعات الحديثة.

* الغازي هيلال من أمريكا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *