منوعات

“مملكة التناقضات”: هل يتوفر المغرب حقا على اقتصاد منفتح وليبرالي؟ (ح 65)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 65: هل يتوفر المغرب حقا على اقتصاد منفتح وليبرالي؟

على الرغم من كونه لا يملك النفط، إلا أن المغرب له اقتصاد منفتح. وقد ارتفعت نسبة انفتاحه من 20% في 1990 إلى 34% اليوم. ووفقاً للاقتصادي المغربي نجيب أقصبي فإن “الحقيقة هي أن هذا الانفتاح، المفروض أكثر من كونه مرغوبا فيه، لم يسفر عن الآثار المتوقعة”، بل إن تشجيع المبادلات مع الخارج كان له أثر سلبي على نسبة النمو. في القرن العشرين، كان النمو يعتمد على الظروف الزراعية، حيث كان الجفاف هو الذي يتسبب في الركود.

وللتخلص من النمو المتعثر، اعتمد القصر على السياحة الجماعية، والاستثمار الأجنبي، وخدمات الأعمال التجارية (مراكز النداء، والهندسة)، والأعمال المصرفية، والنقل، وما إلى ذلك، ولكن المغرب تأثر بالظرفية الدولية التي تعرف الصدمات مثل ما حدث في عام 2001 (بعد هجمات نيويورك) و2008 (الأزمة المالية).

إن نسبة انفتاح البلاد هي نصف مجموع الواردات والصادرات من السلع والخدمات، مقسومة على الناتج الداخلي الخام. في سنة 2010 (الأزمة الإسبانية) وسنة 2011 (الربيع العربي)، سجل المغرب نسبة نمو متعثرة كسرت النمو الذي حصل خلال العقد الذي ابتدأ في عام 2010.

ولذلك، كان من الضروري أن تسعى السلطات التي تواجه ظروفا زراعية غير منتظمة وقدرة صناعية منخفضة، إلى اجتذاب رأس المال وتعزيز الانفتاح.

المستثمرون الأجانب يريدون أن يكونوا قادرين على الاستثمار وتحويل رؤوس أموالهم بحرية كلما رغبوا في ذلك. لهذا السبب يبذل المغرب كل ما في وسعه ليكون في مرتبة جيدة في التصنيف الدولي لممارسة الأعمال، فيما يتعلق بسهولة ممارسة الأعمال Doing Business. وتعتمد الدولة على جاذبيتها لتحسين حالها وهي توجد حاليا في المرتبة الستين من أصل 190 بلداً – وهي أول دولة أفريقية وثالث أكبر دولة عربية في هذا التصنيف.

ولكن هذا الاقتصاد الليبرالي له ماضٍ طويل مطبوع بتدخل الدولة في الاقتصاد. أعلن صلاح الدين مزوار، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب في سبتمبر 2019: “الدولة تسيطر على كل شيء”. إن وزير الاقتصاد والمالية السابق هذا يعرف جيدا عما يتحدث. إن هيمنة المخزن على الاقتصاد الوطني تقليد مخزني قديم، ولإدراك ذلك، من الضروري أن نقوم بإلقاء نظرة سريعة إلى الوراء.

عند الاستقلال، كان الاقتصاد في أيدي الفرنسيين. بعد فترة قصيرة من استقلال الدولة، اختار الحسن الثاني اقتصاد السوق. ولكن في عام 1973، ولأسباب سياسية، وجد نفسه مضطرا إلى اعتماد سياسة المَغْرَبة ليتحكم في الاقتصاد، وهذا ليس قرارا اشتراكيا، لأنه اغتنم الفرصة لينتقل قطاع واسع من الاقتصاد إلى ملكية المخزن وحلفائه.

وهذا العنصر المتعلق بالباتريمونيالية الجديدة بالغ الأهمية. أصبحت شركة أونا المملوكة للقصر ONA أول مجموعة خاصة في البلاد وتقاسمت الطبقة الحاكمة ما تبقى من اقتصاد الريع، الأمر الذي خلق ثروات كبيرة في مجالات الاستيراد والتصدير على هوى المخزن.

في التسعينيات، طالب صندوق النقد الدولي بمرحلة ليبرالية جديدة فسارع المغرب إلى السماح بعودة الرأسمال الأجنبي وخصخص الصناديق العمومية والشركات الوطنية. ومرة أخرى، فإن من استفاد هم نفس الأفراد ذوي المصالح الخاصة.

وبما أن الشفافية وقواعد المنافسة أمور مزيفة، انخفضت الاستثمارات الخاصة، وغادرت الشركات الأجنبية، وخاصة الشركات الفرنسية مثل أوشان. وقد ساعد ذلك على الحد من النمو والاستثمار الخاص. ولهذا السبب، تجاوز الاستثمار العام الاستثمار الخاص منذ عام 2010.

وقد أدى هذا الإفراط في الاستثمار العمومي إلى ارتفاع الدّيْن العام (82% من الناتج الداخلي الخام)، حيث تمثل مصاريف الفائدة وحدها 35% من العائدات الضريبية. ولا يخلو هذا التوجه من المخاطر، وهو يدل على أن الليبرالية على الطريقة المغربية فريدة من نوعها.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *